برحيل الجامعي إدريس العمراني أستاذ التاريخ والفاعل المدني والمسؤول الجماعي الأسبق، الذي وافته المنية فجر اليوم السبت بالرباط، بعد معاناة من مرض عضال، تفقد الجامعة المغربية والبحث التاريخي والعمل المدني أحد قاماته التي بصمت الحياة التربوية والعمل الجماعي والثقافي لمدينة الأنوار الرباط، بلمسة متميزة خلال مسارها المتنوع .
وبحضور أفراد أسرته وعدد من أصدقائه وفعاليات من قطاع التربية والتكوين، والمجتمع المدني، وري الفقيد ادريس العمراني الثرى، بمقبرة الشهداء بالرباط، بعد صلاة الظهر.
وخلفت وفاة العمراني حزنا عميقا لدى كل من جايله أو تتلمذ على يديه سواء بالمؤسسات التعلمية خاصة من تلاميذه بمدارس محمد الخامس بالرباط، أو بالجامعة بمدن المحمدية والرباط والمحمدية والرباط أو زملاءه الأساتذة الجامعين وبالنقابة الوطنية للتعليم العالي، وكذا رفاقه بالعمل الجماعي بالرباط منذ التجربة الجماعية على عهد رئيس بلدية العاصمة المرحوم عبد الفتاح سباطة سنة 1992.
تحديث درس التاريخ
وأشاد محمد النجاتي رفيق المرحوم منذ سنة 1968، مباشرة بعد تعيينه أستاذا للتاريخ وهي ذات المادة التي كان يدرسها العمراني ابتداء من 1966، بمناقب وخصال الفقيد الذى كان متأثرا بالأساليب الحديثة في التربية والتعليم، والتي ساعدته على تحديث الدرس التاريخي، والارتقاء به من ناحية المنهجية والمضامين.
وأوضح أن شغفه بالرحلات التي كان يقوم بها بين الفينة والأخرى خارج المغرب، ساهمت في صقل تجاربه وتطوير ملكاته خاصة في مجال التواصل مع الشباب، يعززها اتقانه للغتين الإنجليزية والألمانية مشيرا إلى انشغال المرحوم بالعمل الجمعوي خاصة في مجال الطفولة ومآوى الشباب.
كما توقف النجاتي مطولا عند رحلته رفقة المرحوم العمراني، سليل أسرة المقاومة، إلى الولايات المتحدة سنة 1991 والتي شملت بالخصوص زيارة مقرات هيئة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها، والمآثر التاريخية والمنشآت السياسية والثقافية والفنية ببلد العام سام، وهي الرحلة التي وظفاها بعد عودتهما في دروسهما مع التلاميذ ايمانا منهما بربط النظرية بالواقع.
خسارة كبرى للجامعة
وقال الأستاذ الجامعي محمد درويش الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي أن رحيل ادريس العمراني، يشكل خسارة كبرى للجامعة المغربية، ولأسرة التدريس بها. وقال إن الفقيد كان أحد أطر الأطر الجامعية البارزين الذي لم يكتف فقط بمجال التدريس، ولكن كانت له الأيادي البيضاء على العمل النقابي الجاد والمساهمة الفعالة في تأسيس جمعية الخدمات الاجتماعية للتعليم العالي، والذي برجع له الفضل الكبير الى جانب زملاء آخرين في تخصيص مخيمات العطل لفائدة أساتذة والأطر ومختلف العاملين بالتعليم العالي. كما تحدث درويش عن تجربة المرحوم الغنية والمتميزة في مجال تدبير الشأن الجماعي على مستوى بلدية ومجلس العمالة بالرباط والعمل المدني.
مستشار جماعي جدي
فعلى مستوى العمل الجماعي، ذكر شكيب رضى المستشار الأسبق بجماعة الرباط، بالعلاقات الوطيدة التي كانت تربطه بالمرحوم قيد حياته. وقال في هذا الصدد " كانت تربطني به علاقات أخوية و نضالية قوية و خاصة علة مستوى التدبير الجماعي للرباط - حسان ( فترة الفقيد عبد الفتاح سباطة) حيث كان كاتبا للمجلس و كنت معه مستشارا بنفس المجلس..... كان مثالا للعمل الجدي و الدؤوب".
وأشاد رضى في تدوينة بما كان يتميز به المرحوم ادريس العمراني من عطاء وسخاء من موقعه كمستشار بلدي منتخب لفائدة ساكنة الرباط موضحا في هذا الصدد بأن الفقيد " كان مبدعا بكل المقاييس، سواء على مستوى تقارير دورات المجلس التي كان يعدها باحترافية كبيرة، وبدقة عالية، والتي كانت لا من ناحية الشكل أو المضمون الأولى من نوعها على المستوى الجماعي الوطني و بشهادة الجميع".
دعم العمل الثقافي
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجميع كان يشهد له بجليل أعماله و مجهوداته الجبارة و المتجددة على مستوى، تنظيم ومواكبة مختلف الأنشطة الثقافية والرياضية التي كان يسهر على انجاحها آنذاك في بلدية حسان، حيث كان أول من أدخل فكرة احتضان العروض المسرحية، وادراجها ضمن برامج الدعم المخصصة للعمل الثقافي الجماعي بالمغرب، ( مثل عروض فرقة المرحومة ثريا جبران الخ ...).
ولم يكتف قيد حياته، بدعم البرامج ذات الطبيعة الثقافي، بل ساهم بفعالية متميزة في عدة مشاريع اجتماعية ضخمة، ببلدية حسان آنذاك، مثل مشروع رد الاعتبار للمدينة العتيقة التي هو كان واحدا من أبنائها، إذ يعود له الفضل في اقتناء لفائدة الجماعة المنزل التراثي والثقافي "دار المريني" بالمدينة القديمة ووغير ذلك من المشاريع البلدية آنذاك، يوضح شكيب رضى، الذي أكد أن العمراني كان من خيرة رعيل الأساتذة الجامعيين في التاريخ بكل من الرباط و المحمدية و الدار البيضاء، وان وفاته تعد خسارة كبرى .
مربيا من الطراز الرفيع
أما محمد بولعمان الذى تتلمذ على يدي الفقيد في أواسط سبعينات القرن الماضي، فأكد أن ادريس العمراني لم يكن قيد حياته مجرد مدرس لمادة التاريخ فحسب، بل كان مربيا من الطراز الرفيع. وقال في هذا الصدد: " لن أغالي اذ ما قلت بأنه كان قيد حياته سابق لزمانه وفي طليعة مجا يليه من هيئة التدريس، فقد كان الى جانب رفيقه محمد النجاتي- أطال الله في عمره- منفتحين بشكل كبير على مستجدات الطرق الحية في التدريس والتربية، فكانت مادتهما تكون دوما بمثابة سفر ممتع في دروب التاريخ الوطني والعالمي.
وأضاف أن المرحوم العمراني كان يتميز بخاصية التواصل الدائم معنا كتلاميذ حتى خارج حجرات الدرس ومشاركتنا في بعض الأحيان في مباريات كرة القدم وفي تنظيم الرحلات المشتركة والخرجات الاستكشافية الى ضواحي الرباط. وأضاف أنه كان للفقيد بمعية الأستاذ الكبير الآخر محمد النجاتي تأثير كبير في مساري الجامعي والمهني، جعلني أختار السير على منوالهما وأصبح أستاذا في مادة التاريخ.
أستاذ الحوار والإنصات
لقد كان المرحوم العمراني، يتبع الطريقة الاستنباطية في تدريس التاريخ، وباعتماد أسلوب الحوار والإنصات، ويتعامل مع التلاميذ بطريقة أفقية، وبدون تمييز، علاوة على اسهامه في التوعية، بدون تعصب لفكرة معينة، أو فرض توجهاته الفكرية والعقائدية، بل كان أستاذا موسوعيا وصديقا للجميع، يوضح بولعمان عضو المكتب التنفيذي لحلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي.
وعلى صعيد آخر نوه بولعمان الفاعل المدني التربوي، عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJسابقا، بالدعم الذى كان يقدمه للجمعيات التربوية الجادة حينما كان مسؤولا جماعيا بالرباط، وايمانه القوى بالأدوار الطلائعية التي تضطلع بها المخيمات التربوية في التنشئة الاجتماعية، وبأهمية ترسيخ قيم التطوع والمواطنة لدى الشباب المغربي الذين كان يعتبرهم ركائز بناء مستقبل المغرب الديمقراطي والحديث .