يقدم الدكتور حكيم التوزاني، أستاذ القانون الدولي العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بأيت ملول/جامعة ابن زهر بأكادير، مقترحاته حول المرتكزات القانونية لطرد الجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي، وتنسف دعامات هذا الكيان المصطنع الذي "اخترعه" الخيال المريض للعسكر الجزائري. عارضا ما يمكن إثباته من الناحية القانونية كأحد المداخل الأساسية لإعادة ترتيب البيت الداخلي للاتحاد الإفريقي بما ينسجم والقواعد الآمرة الضابطة للتفاعلات الدولية.
تنشــــــــأ الدولة من الناحتين القانونية والسياسية باستكمال عناصرها الثلاثة (الشعب والإقليم والسلطة السياسية)، وبتوافر هذه العناصر تصبح الدول قائمة على الصعيد الوطني وتكسب جميع أعمالها وتصرفاتها الصفة الشرعية الداخلية، بيد أن هذه العناصر تبقى غير كافية على الصعيد الدولي بل لابد من اعتراف المجتمع الدولي بهذه الدولة، لاكتسابها الشخصية القانونية؛ وهو ما يتطلب إجراء قانونيا من قبل هذه الدول يمنحها هذه الصفة ويطلق على هذا الإجراء «الاعتراف».
إذ يعتبر من الناحية القانونية حسب معهد القانون الدولي في دروة انعقاده في بروكسيل بتاريخ 26 أبريل 1936 الاعتراف بالدولة الجديدة بكونه: «عمل حر تقر بمقتضاه دولة أو مجموعة من الدول، وجود جماعة لها تنظيم سياسي في إقليم معين، مستقلة عن كل دولة أخرى، وقادرة على الوفاء بالتزامات القانون الدولي، وتظهر الدول بالاعتراف نيتها في اعتبار هذه الدولة عضوا في الجماعة الدولية».
كما عرفت المادة الرابعة عشرة من ميثاق بوغوتا الذي وقعته الدول الأمريكية في 30 أبريل عام 1948، الاعتراف على الوجه الاتي: يستلزم الاعتراف أن تقبل الدولة التي منحته شخصية الدولة الجديدة وما منحه القانون الدولي لها من حقوق ووجبات، إذ أن الاعتراف عمل قانوني يتضمن قبول حالة معينة ويترتب على هذا العمل آثارا قانونية معينة بالنسبة للمعترف والجهة المعترف بها حسب طبيعة الاعتراف ونوعه ويختلف الاعتراف حسب الجهة المعترف بها.
وبالتالي، فإن الاعتراف تصرف يثبت بموجبه شخص من أشخاص القانون الدولي العام وجود بعض الوقائع، ويعلن بواسطته قبوله الصريح أو الضمني للآثار التي يرتبها القانون الدولي على وجود هذه الوقائع، مثل قيام دولة جديدة أو نشوء وضع دولي جديد في الواقع والقانون. مما يجعل الاعتراف يشمل الدول وكذا العناصر التي تتكون منها الدولة أو التغيرات التي تلحق بهذه العناصر. وهو ما يفيد باستكمال الدولة لعناصرها المادية بقبولها كعضو في المجتمع الدولي.
مما جعل الاعتراف عملا إنشائيا أو إقرارياـ تقبل بموجبه الدول بدولة جديدة في المجموعة الدولية وتقر لها بالحقوق والامتيازات المرتبطة بالسيادة، ويعتبر الاعتراف أمرا هاما في المجتمع الدولي المعاصر، الذي يتكون في جانب كبير منه من دول مستقلة ذات سيادة، تملك حرية الاختيار وسلطة تقديرية واسعة للاعتراف بدولة أو بحكومة ما، ويبقى الاعتراف قرارا سياسيا بالدرجة الأولى أكثر منه قانونيا.
وفي حالة الكيان الوهمي الصحراوي، فقد تراجعت هذه الواقعة، إذ أنه ما يبنى على باطل فهو باطل؛ بحيث لا يمكن الاعتراف بسلطة سياسية لا تبسط سيطرتها على شعب فوق إقليم محدد، وإنما كانت الاعترافات الدولية قد وصلت أوجها في عهد الحرب الباردة في أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي ترجمة لحمة الحرب الباردة وحشد التأييدات وكسر شوكة حلفاء طرفي الحرب الباردة، كما أنها لم تكن موجودة في الحقبة الزمنية التي تأسست فيها جامعة الدول العربية ولا منظمة الوحدة الإفريقية، ولا حتى اتحاد المغرب العربي...
فبعدما اعترفت بالجمهورية الوهمية ما يفوق ثمانين دولة لم يتبقى منها اليوم إلا حوالي 25 دولة تكاد تكون ميكروسكوبية وغير مؤثرة في الحقل الدولي، وهي تعتبر حالة فريدة في المنطق الدولي بحيث ليست هناك أي دولة في العالم يتناقص عدد الاعتراف بها . فضلا عن كون الكيان الوهمي لم يسبق الاعتراف به على مستوى أي منظمة دولية، ولا يجب أن يكون الاتحاد الإفريقي المنظمة الإقليمية الوحيدة التي تقبل بهذا "الانحراف".