التوزاني: بطلان الاعتراف بدولة "البوليساريو" الوهمية (5)

التوزاني: بطلان الاعتراف بدولة "البوليساريو" الوهمية (5) حكيم التوزاني
يقدم الدكتور حكيم التوزاني، أستاذ القانون الدولي العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بأيت ملول/جامعة ابن زهر بأكادير، مقترحاته حول المرتكزات القانونية لطرد الجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي، وتنسف‭ ‬دعامات‭  هذا ‬الكيان‭ ‬المصطنع‭ ‬الذي‭ ‬"اخترعه" الخيال المريض للعسكر الجزائري. عارضا ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إثباته‭ ‬من‭ ‬الناحية‭  ‬القانونية‭ ‬كأحد‭ ‬المداخل‭ ‬الأساسية‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬البيت‭ ‬الداخلي‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬بما‭ ‬ينسجم‭ ‬والقواعد‭ ‬الآمرة‭ ‬الضابطة‭ ‬للتفاعلات‭ ‬الدولية‭.‬
 
تنشــــــــأ‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬الناحتين‭ ‬القانونية‭ ‬والسياسية‭ ‬باستكمال‭ ‬عناصرها‭ ‬الثلاثة‭ ‬(الشعب‭ ‬والإقليم‭ ‬والسلطة‭ ‬السياسية)،‭ ‬وبتوافر‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬تصبح‭ ‬الدول‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ ‬وتكسب‭ ‬جميع‭ ‬أعمالها‭ ‬وتصرفاتها‭ ‬الصفة‭ ‬الشرعية‭ ‬الداخلية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬تبقى‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬بل‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬اعتراف‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بهذه‭ ‬الدولة،‭ ‬لاكتسابها‭ ‬الشخصية‭ ‬القانونية؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬إجراء‭ ‬قانونيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬يمنحها‭ ‬هذه‭ ‬الصفة‭ ‬ويطلق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬«الاعتراف»‭. ‬

إذ‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية‭ ‬حسب‭ ‬معهد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬دروة‭ ‬انعقاده‭ ‬في‭ ‬بروكسيل‭ ‬بتاريخ‭ ‬26‭ ‬أبريل‭ ‬1936‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الجديدة‭ ‬بكونه: «عمل‭ ‬حر‭ ‬تقر‭ ‬بمقتضاه‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬وجود‭ ‬جماعة‭ ‬لها‭ ‬تنظيم‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬معين،‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزامات‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وتظهر‭ ‬الدول‭ ‬بالاعتراف‭ ‬نيتها‭ ‬في‭ ‬اعتبار‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬الجماعة‭ ‬الدولية»‭.‬

كما‭ ‬عرفت‭ ‬المادة‭ ‬الرابعة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬بوغوتا‭ ‬الذي‭ ‬وقعته‭ ‬الدول‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬30 أبريل‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬الاعتراف‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الاتي:‭ ‬يستلزم‭ ‬الاعتراف‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬منحته‭ ‬شخصية‭ ‬الدولة‭ ‬الجديدة‭ ‬وما‭ ‬منحه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬ووجبات،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الاعتراف‭ ‬عمل‭ ‬قانوني‭ ‬يتضمن‭ ‬قبول‭ ‬حالة‭ ‬معينة‭ ‬ويترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬آثارا‭ ‬قانونية‭ ‬معينة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمعترف‭ ‬والجهة‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬حسب‭ ‬طبيعة‭ ‬الاعتراف‭ ‬ونوعه‭ ‬ويختلف‭ ‬الاعتراف‭ ‬حسب‭ ‬الجهة‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭.‬

وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬الاعتراف‭ ‬تصرف‭ ‬يثبت‭ ‬بموجبه‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬العام‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬الوقائع،‭ ‬ويعلن‭ ‬بواسطته‭ ‬قبوله‭ ‬الصريح‭ ‬أو‭ ‬الضمني‭ ‬للآثار‭ ‬التي‭ ‬يرتبها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الوقائع،‭ ‬مثل‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬نشوء‭ ‬وضع‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬والقانون‭. ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الاعتراف‭ ‬يشمل‭ ‬الدول‭ ‬وكذا‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬منها‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬تلحق‭ ‬بهذه‭ ‬العناصر‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬باستكمال‭ ‬الدولة‭ ‬لعناصرها‭ ‬المادية‭ ‬بقبولها‭ ‬كعضو‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭. ‬

مما‭ ‬جعل‭ ‬الاعتراف‭ ‬عملا‭ ‬إنشائيا‭ ‬أو‭ ‬إقرارياـ‭ ‬تقبل‭ ‬بموجبه‭ ‬الدول‭ ‬بدولة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭  ‬المجموعة‭ ‬الدولية‭ ‬وتقر‭ ‬لها‭ ‬بالحقوق‭ ‬والامتيازات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالسيادة،‭ ‬ويعتبر‭ ‬الاعتراف‭ ‬أمرا‭ ‬هاما‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬المعاصر،‭ ‬الذي‭ ‬يتكون‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مستقلة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬تملك‭ ‬حرية‭ ‬الاختيار‭ ‬وسلطة‭ ‬تقديرية‭ ‬واسعة‭ ‬للاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬أو‭ ‬بحكومة‭ ‬ما،‭ ‬ويبقى‭ ‬الاعتراف‭ ‬قرارا‭ ‬سياسيا‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬قانونيا‭.‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬الكيان‭ ‬الوهمي‭ ‬الصحراوي،‭ ‬فقد‭ ‬تراجعت‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬يبنى‭ ‬على‭ ‬باطل‭ ‬فهو‭ ‬باطل؛‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بسلطة‭ ‬سياسية‭ ‬لا‭ ‬تبسط‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬فوق‭ ‬إقليم‭ ‬محدد،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬الاعترافات‭ ‬الدولية‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬أوجها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬سبعينيات‭ ‬وبداية‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬ترجمة‭ ‬لحمة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وحشد‭ ‬التأييدات‭ ‬وكسر‭ ‬شوكة‭ ‬حلفاء‭ ‬طرفي‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭  ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬فيها‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ولا‭ ‬منظمة‭ ‬الوحدة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬اتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭...‬

فبعدما‭ ‬اعترفت‭ ‬بالجمهورية‭ ‬الوهمية‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬ثمانين‭ ‬دولة‭ ‬لم‭ ‬يتبقى‭ ‬منها‭ ‬اليوم‭ ‬إلا‭ ‬حوالي‭ ‬25‭ ‬دولة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬ميكروسكوبية‭ ‬وغير‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬الدولي،‭ ‬وهي‭ ‬تعتبر‭ ‬حالة‭ ‬فريدة‭ ‬في‭ ‬المنطق‭ ‬الدولي‭ ‬بحيث‭ ‬ليست‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يتناقص‭ ‬عدد‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ . ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬الكيان‭ ‬الوهمي‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬الاعتراف‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬أي‭ ‬منظمة‭ ‬دولية،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬المنظمة‭ ‬الإقليمية‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تقبل‭ ‬بهذا "الانحراف".