عبر عدد من المثقفين والأدباء العرب عن رغبتهم في تأسيس بيوت ثقافية مشتركة يسهم في احداثها النُّخب من كافة أرجاء الوطن العربي، لتعزيز وتوطيد أواصر الثقافة العربية، وإشراك رأس المال في تنمية مجتمع الإبداع، ووعدوا حمايتها من الأدلجة والتسييس شرطاً لنجاحها.. وهنا ردود عدد من الفاعلين في المشهد الثقافي عن الحاجة لتأسيس جمعيات أدبية عربية ضمن نشاط المجتمع المدني.
وفي هذا الإطار تعتقد. عضو سابق بمجلس الشورى السعودي، الشاعرة ثريا العريّض أن تأسيس جمعيات ليس فقط ممكناً بل تحصيل حاصل؛ كون قنوات التواصل وانتشارها سمح بتكوين كيانات تضم شمل كل ذوي اهتمام تخصصي وتفاعلهم مباشرة دون حاجة للسفر لحضور مؤتمرات كما السابق. وتؤكد أنه في حال تأسيس الجمعيات الأدبية القائمة على الانتماء اللغوي، فربما تتضارب اهتمامات الأعضاء بتداخل الانتماءات الفردية الأخرى؛ بحكم الرؤى الفكرية والمواقف السياسية والقيمية، ودعت لاعتماد بعض الاشتراطات الاحترازية لإبقاء الحوار الإيجابي قائماً، وردع مسببات التصدع في ظروف اختلاف الرؤى الفردية والفئوية.
فيما عدّ رئيس بيت الشعر في المغرب الدكتور مراد القادري فِكرة تأسيس جمْعية أدبية عربية شعبية فِكرة مُغْرية، لا يُمكنُ إلا تمجيدُها والانتصارُ لأفقها، خصوصا أنّ الأدب والعمل الشعبي أبانَا، في أكثر من مناسبة، أنهما قادِران على تضْميد جراحات السياسة، وتحْقِيق ما لم تنجَح هذه الأخيرة في تحْقِيقه، واستدعى القادري بعض التجارب العربيّة الناجحة في تجْميع وتشبِيك كفاءاتٍ عربية من مُختلف الحساسيات الأدبية والأطياف الفنية، من مثل مُنتدى الجوائز العربية الذي تحتضنُه بكرمٍ وأريحية جائزة الملك فيصل العالمية بمقرها بالرياض، و(الصندوق العربي للثقافة والفنون)، ومؤسسة (المورد الثقافي) وكلاهما في بيروت. وعدّ هذه الإطارات وغيرُها، ضِمن سياقٍ عربي موشومٍ بالانقسام والصّراع، قادرةً على أداء أدوار طلائعية على مستوى العمل الثقافي والأدبي العربي المشترك، ما أسفر عن تنفيذ أكثر من مبادرة ومشروع، تجاوز أثرُه ما تقوم به جامعة الدول العربية والمؤسسات التابعة لها. وقال: إذا كانتِ الفكرة تعْمُرُ بها نفسُ كلِّ من تشبّع بالحلم العربي؛ ذلك الحلم الذي يُراودُنا ورديّاً أحياناً وكوابيس أحايين أخرى، فإنّ المطلوب، اليوم، ليس هو الحُلم، ولكن كيفية تنزيله على أرض الواقع.
من جانبه، ذهب رئيس بيت الشعر المصري السابق السماح عبدالله؛ إلى أن الأمر أكثر عمقاً، وله أبعاد عدة، فمثل هذه الأفكار لكي تتحقق، تحتاج إلى مجتمع صحي، يؤمن برسالة الثقافة، ويصدق أن الأديب عنصر عضوي في الجماعة البشرية، وأننا عندما ندعمه، إنما نعبد طرقات مزهرة لمستقبل جميل، مشيراً إلى أنه إذا أدرك أصحاب رؤوس الأموال هذه الحقيقة، فربما يشاركون في الفعل الثقافي ويدعمونه، كما كان يحدث في الأربعينات، إذ حملت المراكز الثقافية الشعبية الثقافة والمثقفين على أكتافها. وأضاف السماح: المأزق أن من يملكون الفعل، يعرفون أننا نقدم بضاعة غير رائجة، وأننا نتوجه لقارئ لا وجود له، فنحن في مأزق حقيقي، ولا أظن أن من يملك المال يجازف به في سبيل فكرة، هو أول من يؤمن بأنها بلا مردود.
واشارت الشاعرة اللبنانية الدكتورة عبير شرارة إلى ضرورة تعزيز التفاعل بين الشعوب العربية؛ إذ لا يمكن أن يتعزز إلا عبر التواصل الثقافي بين النخب من خلال تأسيس جمعيات أدبية عربية شعبية.. ويمكن لمثل هذه الجمعيات أن تكون منصة تفاعلية للأدباء والشعراء والتشكيليين والموسيقيين والخطاطين للتعبير عن هواجسهم ومشاركة أفكارهم وإبداعاتهم الأدبية.. من خلال تنظيم فعاليات ومهرجانات ثقافية متنوعة مثل الندوات والمحاضرات والمؤتمرات وورش العمل تحت عناوين مختلفة تتيح المجال لخلق فضاء حر ومساحة لحوار مفتوح وتفاعل حضاري، مؤكدةً أن الجمعيات الثقافية تتيح فرصاً لتعزيز وتقوية العلاقات بين الشعوب وتسهم بالنهضة الفكرية من خلال النخب العربية الفاعلة بقوة في المجال الادبي والثقافي..