Sunday 11 May 2025
سياسة

حكيم التوزاني: الولادة القيصرية للجمهورية الوهمية (1)

حكيم التوزاني: الولادة القيصرية للجمهورية الوهمية (1) حكيم التوزاني
يقدم الدكتور حكيم التوزاني، أستاذ القانون الدولي العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بأيت ملول/جامعة ابن زهر بأكادير، مقترحاته حول المرتكزات القانونية لطرد الجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي، وتنسف دعامات هذا الكيان المصطنع الذي "اخترعه" الخيال المريض للعسكر الجزائري. عارضا ما يمكن إثباته من الناحية القانونية كأحد المداخل الأساسية لإعادة ترتيب البيت الداخلي للاتحاد الإفريقي بما ينسجم والقواعد الآمرة الضابطة للتفاعلات الدولية.
" أنفاس بريس" تبسط مقترحات الدكتور حكيم التوزاني، عبر حلقات:
 
لقد كان انضمام الجمهورية الوهمية الصحراوية إلى منظمة الوحدة الإفريقية، سنة 1982 بأديس أبابا، خطأ سياسيا غير محسوم النتائج، تكرس بمقتضى جهل بعض الدول الإفريقية، آنذاك، بطبيعة النزاع، فضلا عما واكب هذا الإجراء من إفساد للذمم الذي كانت الجزائر تقوم به وسط المنظمة. كما قد ساهمت الظرفية التي كانت تتّسم بها الفترة الممتدّة من بداية السبعينيات إلى أواسطها ، في نشأة جبهة مناهضة للتوسّعات الإمبريالية، عُرفت باسم «جبهة البوليساريو». هذه الأخيرة التي وُلدت من مخاض سياسي عسير، حاولت أن تبني قواعدها الأساسية الأولى اعتماداً على قدراتها الذاتية -في بداية نشأتها، لتتجاوزها لدول الجوار. بيد أنها لم تقف عند تأسيسها كأحد مكونات الجبهة التحريرية فقط، بل حاولت استثمار ما تعتبرها «رصيدا عسكريا» ومخزونا ثقافيا، فضلا عن اتصالاتها الخارجية في إنشاء «شبه دولة» على أنقاض المحتلّ الإسباني، بعدما توفرت لها «شروط الولادة القيصرية»، متغذية من بعض خلافات المغرب مع دول الجوار سواء الشماليين منهم، أو الجنوبيين أو الشرقيين. دون غض النظر عن العامل «الجيوسياسي» الذي لعب دورا مهما في إذكاء ظاهرة التوجّس التي كانت تصل إلى ذروتها في الميدان العسكري، أو المناقشات الدبلوماسية، أو المشادات الإعلامية... بين كل من الجزائر والمغرب. بحيث أن الأولى تحاول الحفاظ على موروثها الاستعماري – من الأقاليم الملحقة بها إبان «الاستعمار» الفرنسي» على نقيض الثاني الذي يحاول استرجاع ما تمّ إفقاده أو فقدانه من مدّ ترابي، في فترات تخلخلت فيها موازين القوى لصالح المُستعمِر، الذي انتهك حرمة أراضيه ليلحقها بجارته الشرقية «الجزائر».
ممّا عمّق دون شك الخلاف الاقتصادي، الإيديولوجي، الحدودي فالسياسي بين كل من المغرب والجزائر بغض النظر عن العوامل الاستراتيجية الأكثر تعميقا للخلاف بين الجارين الشقيقين. الأمر الذي جعل الجزائر ولأسباب إيديولوجية وسياسية، خاصة مصالحها الأمنية والاستراتيجية، تساند وتدعم «جبهة البوليساريو» عسكريا ودبلوماسيا. بل وعمدت إلى إنشاء شبح الدولة المسمى ب «الجمهورية العربية الصحراوية» المزعومة، إذ أنّ النجاحات التي حققتها فكرة الدولة الصحراوية الوهمية على الصعيد الدبلوماسي، هي نجاحات جزائرية محضة في حقبة زمنية محدودة. إذ أنّ الاعتراف بهذه «الجمهورية الوهمية» من قبل ما يزيد عن السبعين دولة آنذاك لم يتأتّ لشعوب لها من الشرعية ما يخوّل لها ذلك؛ كالأكراد في العراق وتركيا، والباسك في إسبانيا، والسيخ في الهند، والتاميل في سيريلانكا، والشعوب الهندية في القارة الأمريكية. إذ أن هذه المحاولات بقيت محدودة الأثر لعدم وجود دولة كالجزائر تقف بجميع إمكانياتها المادية والدبلوماسية وراء هذه المحاولات. بل إن هذه النجاحات لم تحققها شعوب موجودة بالفعل بجميع المقاييس وتناضل منذ عشرات السنين مثل الشعب الفلسطيني، أو منذ عدة قرون كالشعب الشيشاني ضد السيطرة الأجنبية، وتواجه عمليات إبادة وتدمير.
علما أن هذا الأمر ينسف مقتضيات مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها؛ هذا الأخير الذي حدّده الفقيه SUKOVIE بكونه «حقّ الشعب في التحديد الحر لنظامه السياسي والمباشرة الحرة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي». إذ أن قيادي جبهة البوليساريو ومن يواليهم لم يستشيروا «الشعب» في تقرير مصيرهم، وإنما تم إسقاط مفهوم الدولة على كيان لا يمت بأي صلة للمفهوم القانوني للدولة كما سنبين لاحقا.
وهنا وجب التوضيح بأن الاستقلال كان هو النتيجة الأكثر شيوعا لتطبيق مبدأ حق الشعب في تقرير مصيرها إبّان موجة التحرر من الاستعمار، ممّا أدّى إلى ترسيخه في إعلان الجمعية العامة رقم 1514، الذي ربط تقرير المصير بتصفية الاستعمار، بحيث تمّ تحديد خيارا واحدا متمثلا في الاستقلال لكل من "الأقاليم المشمولة بالوصاية أو الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، أو جميع الأقاليم الأخرى التي لم تنل بعد استقلالها [بحيث تتخذ التدابير الفورية اللازمة] لنقل جميع السلطات إلى شعوب تلك الأقاليم، دون قيد أو شرط، ووفقا لإرادتها ورغبتها المعرب عنها بحرية، دون تمييز بسبب الرّق أو المعتقد أو اللّون، لتمكينها من التمتع بالاستقلال والحرية والتأمين". -إلا أن نفس الإعلان استطرد في آخر بنوده ليحذر من المساس بالسلامة الإقليمية لجميع الشعوب-.
مما جعل توصية الجمعية العامة رقم 1541 تفصل في الخيارات الممكنة للحالات التطبيقية لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، بحيث "يجوز القول بنيل إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي قسطا كاملا منه: (أ) بصيرورته دولة مستقلة ذات سيادة، (ب) أو بدخوله الحر في رابطة مع دولة مستقلة، (ج) أو بالاندماج مع دولة مستقلة".
وفي إطار قراراتها الخاصة، أكدت الجمعية العامة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وذلك من خلال قراراتها بشأن روديسيا الجنوبية، وناميبيا، والأراضي التي كانت سابقا تحت الإدارة البرتغالية، أنتيغوا، جزر البهاما، وجزر مالفيناس، الصومال الفرنسي، جبل طارق، إفني والصحراء الإسبانية، بابوا، غرب غينيا الجديد، جمهورية جنوب أفريقيا وفلسطين، ونيوي وتوكيلاو سيشيل، وغوام، وجزر جيلبرت وإليس... الخ.
هذا وقد فطنت لجنة القضاء على التمييز العنصري الأممية في دورتها الثامنة والأربعين إلى أنّ «الجماعات والأقليات العرقية أو الدينية كثيرا ما تتخذ من الحق في تقرير المصير أساسا للادعاء بالحق في الانفصال». ودرءاً لأي خلط مفاهيمي أو تشويه تطبيقي لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، ميزت لجنة القضاء على التمييز العنصري بين نوعين من أنواع هذا المبدأ؛ بحيث رصدت في نقطتها الرابعة المدرجة في التوصية العامة الواحدة والعشرين بشأن الحق في تقرير المصير ما يلي:
"وفيما يتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها، ينبغي تمييز جانبين. فحق الشعوب في تقرير مصيرها له جانب داخلي؛ أي حق جميع الشعوب في السعي بحرية لتحقيق نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من دون تدخل خارجي، وفي ذلك الصدد، توجد صلة بحق كل مواطن في الإسهام في إدارة الشؤون العامة على جميع المستويات، على النحو المشار إليه في المادة 5 (ج) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. ويتعين على الحكومات بالتالي، أن تمثل السكان كافة دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني. ويعني الجانب الخارجي لحق تقرير المصير أن لجميع الشعوب الحق في حرية تقرير مركزها السياسي ومكانتها في المجتمع الدولي، استنادا إلى مبدأ تساوي الحقوق وتأسيا بتحرير الشعوب من الاستعمار وبمنع إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله".
وتأسيسا على ما سبق فإن الولادة القيصرية لجمهورية الوهم الصحراوية قد نسفت مقتضيات مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها في مهده، وقتما أعلنت قيامها دون استشارة ما تعتبرهم شعبا لها، من خلال آلية الاستفتاء، فضلا عن كون الواقع الدولي قد يشهد ولادة حكومة في المنفى، لكن أن يتم تأسيس كيان وهمي بالكامل في أرض غير أرضه وفي بيئة مخالفة له كمن يزرع نبات في أرضٍ غيرِ أرضه، أو ساعةٍ في غيرِ ساعته.. إما أن تأباه الأرض فتلفظَه، وإما أن ينشَبَ فيها فيفسدَها. فالنبات يمتصّ حياته من أرضه بجذوره، فإن نقلته منها تقطّعت، فذبلت الأوراق وتراخت العروق، والدولة في هذا كالنبات، وجذوره ثقافته وتاريخه ولغته وجغرافيته... فإن نقلته إلى بلد تنعدم فيها ذكراه وما تربطه بها رابطة، أحسّ كأن قد انقطع سلك حياته.
يتبع