يقف المغرب على بعد خطوة واحدة من تحقيق فوز ساحق ضد جنرالات الجزائر الذين ينفقون بسخاء على البوليساريو لإبقائها على قيد الحياة داخل الاتحاد الأفريقي. فقد نجح المغرب حتى الآن في حشد تأييد 30 دولة إفريقية من بين 55 دولة أعضاء داخل الاتحاد الإفريقي، ولا تفصله عن طرد البوليساريو من هذا الاتحاد سوى سبعة أصوات فقط لتحقيق «ثلثي الأعضاء»، وهو الأمر الذي سيمكن، في حالة تحققه، من الدفع في اتجاه تغيير «ميثاق الاتحاد الإفريقي» الذي يعتبر هو الحل الوحيد من أجل سحب العضوية من البوليساريو، وإخراجها بقوة الحشد من هذه المنظمة التي «تسللت» إليها بإيعاز من الرئيس بوخروبة قبل 39 سنة.
لقد وقع أكثر من نصف الدول الأعضاء على وثيقة طرد البوليساريو. غير أن الوثيقة الموقعة ليس لها، حتى الآن، سوى قوة رمزية أكثر من كونها سندا قانونيا بإمكان المغرب أن يستعمله بكل ارتياح لتنفيذ مخطط «الطرد» في حق كيان «وهمي» «لا وجود فعلي له على الخريطة» بات يشكل خطرا على استقرار المنطقة بعد ثبوت تورط العديد من عناصره في الإرهاب، وفي إقامة علاقات ودية مع الجهاديين في دول الساحل، فضلا عن انخراط قيادة البوليساريو في تجارة السلاح، والاتجار في البشر والمخدرات، بل تحول مخيمات تندوف إلى محضنة للعبودية والتعذيب والاستغلال الجنسي والمس بحقوق الأطفال والنساء، إلى جانب الانتهاك السافر لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في حرية التعبير وإبداء الرأي والاحتجاج السلمي.
إن المغرب يدرك أن قوانين الاتحاد الإفريقي لا تسمح، حاليا، بإصدار قرار لطرد البوليساريو؛ ذلك أن القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي لا يتضمن أي بند ينص على طرد أي عضو من الاتحاد، باستثناء تعليق مشاركة الحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية المنصوص عليه في المادة 30، وتخلي الدولة عن العضوية والانسحاب بشكل فردي، المنصوص عليه في المادة 31. وهو ما يعني أن المغرب ملزم بالرفع من أدائه الدبلوماسي، وخوض معركة دبلوماسية داخل أروقة الاتحاد الإفريقي، وخارجها، في الواجهة العربية والدولية، وذلك من أجل إجبار الجزائر على الجلوس إلى طاولة المفاوضات على المستوى الأممي، كطرف أساس في نزاع الصحراء، والدفع في اتجاه إقناع جبهة البوليساريو بالانسحاب الفردي من الاتحاد الإفريقي، مع ضمان تمكينها من المشاركة في تنزيل مقترح الحكم الذاتي على أرض الواقع.
وإذا كانت «الأنفة العسكرية الجزائرية» لن تسمح بإعلان الهزيمة في ملف صرفت عليه ملايير الدولارات من أموال الشعب الجزائري، فإن انسحاب البوليساريو يظل مستبعد، ولن يتحقق المطمح المغربي إلا بالانتقال إلى السرعة الموالية والعمل، ديبلوماسيا على إقناع ثلثي الدول الأعضاء كما هو منصوص عليه في المادة 13، من أجل تعديل الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي بما يجعله يتضمن بندا ينص على إنهاء عضوية دولة في الاتحاد بالإجماع، أو بثلثي أصوات الدول الأعضاء.
هذا هو الأفق الذي ينبغي على المغرب التطلع إلى ملئه، استنادا إلى المادة 32 من القانون التأسيسي التي تنص على أنه «يجوز لأي دولة تقديم مقترحات لتعديل أو مراجعة هذا القانون، على أن يتم إقرار التعديلات أو المراجعة من جانب مؤتمر الاتحاد بالإجماع، أو بأغلبية الثلثين في حال تعذر ذلك».
خارج منطق التوازنات الجيو- سياسية والجيو- استراتيجية وخارج الصراع الإقليمي في إفريقيا، والصراع الدولي على ثروات إفريقيا، لا وجود لجماعة البوليساريو إلا على الورق الذي ينتجه ويتحكم في سطوره وعلامات إعرابه جينرالات الجزائر، وذلك لعدم توفر الجماعة على المقومات الموضوعية لقيام الدولة: الشعب، والإقليم، والسيادة. فكل ما يوجد في مخيمات تندوف هو: مواطنون مغاربة محتجزون، قيادة محلية مشكلة من المرتزقة، قيادة عسكرية جزائرية، استخبارات جزائرية، أموال جزائرية، سجون جزائرية، إدارة جزائرية..
إن وجود البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي طرح «ويطرح» معضلة قانونية حقيقية، ذلك أن قبولها داخل الاتحاد المخصص للدول، وليس للجماعات أو الأحزاب أو الحركات أو التنظيمات، يمثل خطأ تاريخيا، وسقطة قانونية وسياسية يجب تصحيحها بالنسبة لمجموع الدول الموقعة على ملتمس الطرد. ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة النظر في الميثاق التأسيسي للاتحاد، والعمل على إبعاد «دولة غير موجودة ولا تتمتع بالصفة القانونية»، ورفض بقاءها داخل منظمة إفريقية «مخصصة للدول». والحجة على ذلك أن البوليساريو «لا تتمتع بأي صفة قانونية، ولا يعترف بوجودها عدد من المؤسسات السيادية، مثل الجامعة العربية.
إن المغرب في هذا المستوى يميز بين ما هو قانوني وما هو تاكتيكي أو استراتيجي أو سياسي. ولهذا فإن الرفع من الأداء الديبلوماسي و«تعقيد وضع البوليساريو» بالانفتاح على مجموعة شرق إفريقيا (EAC): (تنزانيا، كينيا، أوغندا، رواندا، بوروندي، جنوب السودان)، فضلا عن دول جنوب القارة (أنغولا، بوتسوانا، ناميبيا، الموزمبيق، الزمبابوي..)، وذلك بفك الطوق الشديد الذي تلفه بها دولة جنوب إفريقيا الموالية للجزائر، يبقى هو الجواب على هذا المسعى المشروع.
لقد وافق ما يزيد عن أربعين دولة بدون تحفظ على عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وهذا معناه أن هذه الدول، بما فيها الدول العربية التي لم توقع على ملتمس طرد البوليساريو من الاتحاد (مصر، تونس، موريتانيا) بسبب انتهاجها لسياسة الحياد في النزاع المشتعل بين المغرب والجزائر، لديها ما يكفي للاستعداد لتطبيق إجراءات تعليق العضوية في حق البوليساريو، إذا استمر المغرب في هذا الأداء الديبلوماسي المبهر، من أجل توسيف «قائمة الدول الرافضة لجبهة البوليساريو» .
إن معارك دبلوماسية جديدة تلوح في الأفق، وهي معارك يؤمن المغرب أن تحقيق الفوز فيها ليس بعيد المنال، وليس أدل على ذلك أنه تمكن من اختراق محور الجزائر- جنوب أفريقيا، مما أكسبه مساحات واسعة كلها تترجم العزلة التي يشعر بها جنرالات قصر المرادية. كما تترجم أن المعركة الفاصلة هي تعليق عضوية البوليساريو داخل الاتحاد الأفريقي، وإقناع القوى الدولية الكبرى بواقعية مقترح الحكم الذاتي داخل مجلس الأمن، ولن يتحقق ذلك إلا بالاستمرار في إقامة علاقات براغماتية مع الأصدقاء والخصوم «نيجيريا نموذجا»، سواء عبر توظيف المداخل الاقتصادية والتجارية والأمنية والعسكرية والدينية، فضلا عن الاستمرار في «خلق جبهة إفريقية دائمة» موالية للمغرب داخل الاتحاد الإفريقي، انطلاقا من تحالف «سيداو»، من خلال التنسيق مع مختلف دول إفريقيا، ودعمها اقتصاديا وأمنيا وعسكريا، وإنشاء تحالفات سياسية براغماتية معها داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، مثل البرلمان الإفريقي، والجمعية العامة، والمفوضية الإفريقية ومحكمة حقوق الإنسان، مما سيمكن المغرب من تحقيق انتشار جيد يسمح له بالقفز على الشرط الجغرافي الذي لعب دورا حاسما، في ما مضى، في عزل المغرب عن محيطه الإفريقي بعد نجاح مؤامرة أديس أبابا سنة 1984، حين اضطر المغرب إلى الخروج من «منظمة الوحدة الإفريقية» التي كان أحد مؤسسيها والداعمين الكبار لها.
رابط العدد هنا