الجمعة 7 فبراير 2025
سياسة

الطيار يسلط الضوء على منطلقات السياسة الأمنية الجزائرية في التعامل مع ملف طوارق مالي (3)

الطيار يسلط الضوء على منطلقات السياسة الأمنية الجزائرية في التعامل مع ملف طوارق مالي (3) محمد الطيار
في هذا الجزء الثالث من التحليل الذي خص به محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، جريدة "أنفاس بريس"، يتحدث فيه عن مسوغات صراع القوى الكبرى على منطقة الساحل الإفريقي، وكذا منطلقات السياسة الأمنية الجزائرية في التعامل مع طوارق مالي: 
يعد‭ ‬إقليم‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬مناطق‭ ‬إفريقيا‭ ‬الواعدة‭ ‬بالنفط،‭ ‬بعد‭ ‬الاكتشافات‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬«خليج‭ ‬غينيا»،‭ ‬وهي‭ ‬الشريط‭ ‬الساحلي‭ ‬الواقع‭ ‬بين‭ ‬نيجيريا‭ ‬وأنجولا‭. ‬وتعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الاكتشافات‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الاكتشافات‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وأصبح‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬يستأثر‭ ‬بنحو‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬الإفريقي،‭ ‬ويصل‭ ‬إنتاجه‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬9.5‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬يومياً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬مجمل‭ ‬إنتاج‭ ‬فنزويلا‭ ‬وإيران‭ ‬والمكسيك‭. ‬وتحوّل‭ ‬بذلك‭ ‬«خليج‭ ‬غينيا»‭ ‬إلى‭ ‬مصلحة‭ ‬حيوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الأنشطة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬
‭ ‬أصبح‭ ‬النفط‭ ‬الإفريقي‭ ‬محور‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬وأن‭ ‬معظمها‭ ‬يواجه‭ ‬موقف‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬لتوفير‭ ‬الاحتياجات‭ ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬فأوروبا‭ ‬تستورد‭ ‬48%‭ ‬من‭ ‬احتياجاتها،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭ ‬م‭ ‬لن‭ ‬تغطى‭ ‬سوى‭ ‬30%‭ ‬من‭ ‬متطلباتها‭ ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬واليابان‭ ‬تستورد 52%،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تستورد 53%،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬إلى‭ ‬62%‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬م‭.‬
إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الثروات‭ ‬النفطية،‭ ‬توجد‭ ‬بالمنطقة‭ ‬كذلك‭ ‬ثروات‭ ‬طبيعية‭ ‬هائلة‭ ‬مثل‭ ‬الماس‭ ‬والنحاس،‭ ‬اليورانيوم‭ ‬والكوبالت،‭ ‬ومخزون‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬والحديد‭ ‬والزنك‭ ‬والرخام،‭ ‬واحتياط‭ ‬خامات‭ ‬الحديد‭ ‬في‭ ‬موريتانيا‭ ‬التي‭ ‬تقدر‭ ‬ب‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬طن،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬النحاس‭ ‬عالي‭ ‬الجودة،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬كذلك‭ ‬بمنطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬ثروة‭ ‬مائية‭ ‬هائلة‭. ‬فمثلا‭ ‬نهر‭ ‬النيجر‭ ‬يعد‭ ‬ثالث‭ ‬أنهار‭ ‬إفريقيا‭ ‬طولا‭ ‬بعد‭ ‬النيل‭ ‬والكونغو‭ ‬إذ‭ ‬يبلغ‭ ‬طوله‭ ‬نحو‭ ‬4160‭ ‬كلم‭ ‬وتزيد‭ ‬مساحته‭ ‬عن‭ ‬2‭ ‬مليون‭ ‬كلم‭ ‬مربع‭ ‬وهو‭ ‬صالح‭ ‬للملاحة‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬المطر،‭ ‬وكذا‭ ‬نهر‭ ‬السنغال‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الطول‭ ‬والخامس‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المساحة،‭ ‬ومن‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬محل‭ ‬صراع‭ ‬أكثر‭ ‬شدة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬التوقعات‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬القادمة‭ ‬سترتبط‭ ‬بأزمة‭ ‬المياه‭.‬
وبذلك‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬أصبح‭ ‬حلبة‭ ‬لتنافس‭ ‬الرهانات‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تبرير‭ ‬اهتمام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مثلا‭ ‬أو‭ ‬فرنسا‭ ‬وايران‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬وتركيا‭ ‬واسرائيل،‭ ‬بتطورات‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬بفعل‭ ‬الدواعي‭ ‬الأمنية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬الأمر‭ ‬يتعدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬دواع‭ ‬جيو-اقتصادية‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالتنافس‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬البترولية‭ ‬والغازية‭ ‬والمعدنية‭.‬ 
منطلقات السياسة الأمنية الجزائرية
تنظر‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬شمال‭ ‬مالي‭ ‬كعمق‭ ‬استراتيجي،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬التدخل‭ ‬الدولي‭  ‬اللاعب‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬تطالب‭ ‬دائما‭ ‬بضرورة‭ ‬إبعاد‭ ‬الخيار‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أزمة‭  ‬شمال‭ ‬مالي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬سلمية‭. ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬الفرقاء‭ ‬الماليين،‭ ‬تحت‭ ‬يافطة‭ ‬حسن‭ ‬الجوار‭ ‬والوساطة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لحل‭ ‬مشكل‭ ‬أزواد،‭ ‬حيث‭ ‬عمدت‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1991‭ ‬م‭  ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬2015،‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬عدة‭ ‬لقاءات‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الحركات‭ ‬الأزوادية‭  ‬لوقف‭ ‬العمليات‭ ‬المسلحة،‭ ‬وقامت‭ ‬كذلك‭ ‬بتنظيم‭ ‬لقاءات‭ ‬تجمع‭ ‬الحركات‭ ‬الأزوادية‭ ‬والحكومة‭ ‬المالية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يفشل‭ ‬الالتزام‭ ‬بها،‭ ‬مما‭ ‬يدفع‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وفقا‭ ‬لصورة‭  ‬المدافع‭ ‬المستميت‭ ‬عن‭ ‬الحلول‭ ‬السلمية،‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬الفاعل‭ ‬الرئيسى‭ ‬في‭ ‬التوتر‭ ‬الحاصل‭ ‬وتوسيع‭ ‬المأزق‭ ‬الأمني‭ ‬القائم‭. ‬
حيث‭ ‬لا‭ ‬يثق‭ ‬الطوارق‭ ‬في‭ ‬معظمهم‭ ‬في‭ ‬وساطة‭ ‬الجزائر‭ ‬ويعتبرونها‭ ‬غير‭ ‬حيادية،‭ ‬كونها‭ ‬ترفض‭ ‬إقامة‭ ‬حكم‭ ‬ذاتي‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬حدودها‭ ‬الجنوبية،‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬ذلك‭ ‬طوارق‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬بالمثل،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬لازالوا‭ ‬يتذكرون‭ ‬كيف‭ ‬قامت‭ ‬الجزائر‭ ‬باستدراج‭ ‬قادة‭ ‬انتفاضة‭ ‬سنة‭ ‬1963‭ ‬م،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بتسليمهم‭ ‬إلى‭ ‬السلطات‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بإعدامهم‭.‬
إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يرى‭ ‬الطوارق‭ ‬أن‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الجزائرية‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬أمراء‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬الذين‭ ‬يحمل‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬الجنسية‭ ‬الجزائرية‭ ‬ويملكون‭ ‬عقارات‭ ‬وتجارة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الجنوبية‭ ‬الجزائرية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬تمنراست،‭ ‬البرج،‭ ‬تيمياوين،‭ ‬وجعلت‭ ‬منهم‭ ‬شبكة‭ ‬موالية‭ ‬له‭ ‬توقع‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬مالي‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬دون أن‭ ‬تتقدم‭ ‬عملية‭ ‬السلام،‭ ‬لتستمر‭ ‬بذلك‭ ‬حالة‭ ‬انعدام‭ ‬الأمن،‭ ‬وتجني‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬توسيع‭ ‬أنشطة‭ ‬التهريب‭ ‬المختلفة‭ ‬ثروات‭ ‬كبيرة‭ ‬يوضع‭ ‬أغلبها‭ ‬في‭ ‬البنوك‭ ‬الجزائرية‭.‬