Monday 12 May 2025
سياسة

محمد الشيخ بيد الله: قبل تدخل القذافي كان تحرير الصحراء يعني انضمامها إلى المغرب(2)

محمد الشيخ بيد الله: قبل تدخل القذافي كان تحرير الصحراء يعني انضمامها إلى المغرب(2) محمد الشيخ بيد الله

حل السياسي محمد الشيخ بيد الله، وزير الصحة السابق والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة ورئيس مجلس المستشارين سابقا وأحد مؤسسي جبهة البوليساريو، ضيفا على برنامج "بصمات" الذي تبثه قناة M24، وتطرق في حوار مفصل إلى محطات ساخنة من مساره المهني والسياسي، بدءا بمساهمته في تأسيس نواة للطلبة الصحراويين بالرباط، مرورا بالأخطاء السياسية الكبرى التي واكبت تأسيس جبهة البوليساريو، والدور الليبي والمعارضة المغربية في الجزائر في تعزيز الدعوة إلى الانفصال وحمل السلاح، وصولا إلى ما يعيشه ملف الصحراء من انعطافات ديبلوماسية مهمة..

"أنفاس بريس" تنشر أبرز مضامين هذا الحوار:

 

** هل تأسست البوليساريو بداية على فكرة الانفصال أم الوحدة؟

الفكرة التي كانت في الأساس هي تحرير الصحراء، وكان التحرير بالنسبة لنا يعني انضمامها للمغرب على غرار المطالبة بتحرير مدينتي سبتة ومليلية الذي يعني انضمامهما إلى المغرب. ربما كانت هناك خلفيات لدى البعض، الله أعلم بها، ذلك أنه كان معنا بعض الأشخاص الماركسيين رغم قلتهم، وضمنهم الوالي مصطفى السيد الذي كانت له علاقات كثيرة، علما أنه كان من المستحيل في تلك الفترة التي كانت تعرف شيوع الفكر الناصري والبعثي الداعي الى الوحدة العربية، التفكير في الانفصال.

** وكيف حدث ذلك في نظرك؟

حدث ذلك لما غادر الوالي مصطفى السيد المغرب، أي بعد دخول الزعيم الليبي معمر القذافي على الخط، وإلقاء خطاب ملتهب في موريتانيا يدعو من خلاله الى خلق بؤرة ثورية في الصحراء. منذ ذلك الحين بدأت فكرة الانفصال، ولا ننسى أيضا دور المعارضة المغربية المتواجدة في الجزائر، والداعية الى حمل السلاح، والتي كانت بدورها تبحث عن بؤرة لتغيير النظام، حيث التقى بها الصحراويون الداعون للانفصال. وأؤكد أن المنظمة التي أسسناها في البداية كانت لا تؤمن بالانفصال؛ فقد اتصلنا بجميع الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، حيث التقينا علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد، ومحمد اليازغي والمحجوب بن الصديق، وغيرهم من أجل خلق آلية لتحرير الصحراء وانضمامها إلى المغرب، كما أن عملنا لم يكن محاطا بالسرية.

** لو كنت تحمل مسؤولية دبلوماسية اليوم، ماذا كان بإمكانك أن تفعل في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية؟

ينبغي الاعتراف أولا أن الدبلوماسية المغربية التي يقودها الملك نجحت في كل شيء. هناك مكاسب كبيرة جدا، فالمغرب في صحرائه التي استفادت من التنمية، وسكان الصحراء يشاركون بكثافة في الانتخابات بنسب تصل الى 80 في المائة، وهناك عدد هام من الدول سحبت اعترافها بالجمهورية الوهمية، إذ بعد أن كان عدد هذه البلدان يصل إلى 80 تقلص حاليا إلى حوالي 18. هذا يعد انتصارا للدبلوماسية المغربية، وما بقي لنا أن نكسبه هو دفع بعض الأصدقاء الذين لم يفصحوا عن نواياهم الحقيقية فيما يتعلق بالملف، مثل فرنسا، إلى الإعلان عن دعمها للوحدة الترابية للمملكة، على غرار اسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وأعتقد أن للأمر مخلفات ذات طابع استعماري، علما أن فرنسا كانت ترغب في إقامة دولة تضم تندوف والسمارة، فعمي حبوها رحمه الله، استقبله دوغول في باريس عام 1961، وعرض عليه إقامة دولة تضم تندوف والسمارة، وهو الأمر الذي عارضه بشدة، واقترح على دوغول الرجوع الى سلطان المملكة المغربية. وفي رأيي، فإن هذه النقطة تتطلب ضغوطات أكبر من خلال العمل الحزبي والنقابي والعمل الطلابي في الجامعات الى جانب المجتمع المدني. ذلك أن المغرب يُحسد على الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب، وامتداده الكبير على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، بما تحمله هذه البحار من خيرات ظاهرة وباطنة. إن هذا ما يحز في نفس الفرنسيين، وأظن أن فرنسا بحاجة إلى شخصية ذات كاريزما وتمتلك الشجاعة لقول الحقيقة مثل دوغول..

** كانت هناك مساعي لحل الملف من خلال الجلوس مع هذه الأطراف في فترة معينة، فما رأيك؟

كان هناك اتفاق في عهد الملك الراحل الحسن الثاني من أجل حل مشكل استغلال الحديد في منطقة اجبيلات في تندوف، حيث كانت الجزائر بحاجة إلى ضمان واجهة بحرية لتصدير هذه الخيرات، إذ كان من الصعب عليها تصديرها عبر ميناء وهران، حيث كانت الموانئ المغربية بالعيون وطرفاية هي الأقرب لتندوف، وكان الاتفاق يقضي بالاستغلال المشترك لمنجم الجبيلات بين المغرب والجزائر. وطبعا الجزائر في ذاك الوقت لم تكن لها أطماع في الصحراء، بل كانت لها أطماع جيو- استراتيجية، أي أن تكون هناك دولة تحت ذراعيها ويكون لها منفذ على المحيط الأطلسي.

** لماذا يسجل، في نظرك، غياب لدور المثقفين والأحزاب في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية ؟

لا يمكن القول بغياب دور الأحزاب في ملف الصحراء، فالأحزاب لما تتاح لها فرصة أي زيارة خارجية، فإنها تدافع باستماتة عن هذا الملف، وعن المقدسات الوطنية ككل. ربما يكون التواصل غير كاف، فضلا عن غياب الاستمرارية في العمل، حيث أن عملها موسمي. وأعتقد أن الأمر يتطلب عملا دائما، وخلق شبكات من الأصدقاء، فنحن بحاجة ماسة الى هذا النوع من الشبكات على صعيد المجتمع المدني، وعلى صعيد الحركة الطلابية، وأيضا على صعيد بعض الأحزاب والنقابات .

** هل كانت هناك أخطاء في هذا الملف؟

هي أخطاء لا تعد ولا تحصى. طبعا الإنسان خطاء بطبعه، وأظن أن المفاوضين المغاربة كانوا دائما يعولون على التاريخ باعتباره عنصرا مهما فيما يتعلق بالوحدة الترابية. لم يكن هناك اهتمام بساكنة المنطقة، وحتى بعد تنظيم المسيرة الخضراء لم تكن هناك دراسة سوسيولوجية وأنثروبولوجية لساكنة الصحراء وطرق تفكيرها وماهي مطامحها. كان التركيز منصبا على حل المشاكل المادية، علما أن ساكنة الصحراء كان يجمعها رابط كبير وقوي بالعرش.

** وهل كانت هناك أخطاء سياسية كبرى؟

لما طلبت مجموعة الرباط تأسيس منظمة لتحرير الصحراء، تم التعامل معهم على أساس كونهم مجرد شبان صغار ربما يحتاجون إلى منح مالية، أو إلى دعم مادي. لم يتم التعامل مع الموضوع بجدية، وحتى لما تم تنظيم مؤتمر البوليساريو تم التعامل معهم كأنهم مجموعة كادحين، علما أن موريتانيا كانت تحتضن منظمة طلابية قوية تضم كوادر قوية وطلابا بعثيين، بل لقد تم اعتبار هؤلاء من طرف قيادات البوليساريو مجرد "دراري نوكلوهوم في نهارين". إذ تم التقليل من شأن هذه المجموعة، وكان هناك من يعتقد أن إحداث بعض البلبلة سيتسبب في إشعال النار في المغرب ككل، وللأسف لم يكن هناك أشخاص عقلاء يمتلكون تفكيرا قويا استباقيا يمكنهم من إقامة علاقات غير رسمية لحل المشاكل.

** طبعا أنت عايشت مرحلة الاستعمار الإسباني للصحراء، فماذا بقي في ذهنك عالقا من هذه المرحلة ؟

أنا لم أعش لفترة طويلة في الصحراء، حيث انتقلت الى تندوف عبر كلميم سنة 1960 من أجل الالتحاق بعمي الكولونيل ماجور حبوها، ودرست هناك لمدة سنتين، ثم عدت برفقته إلى الرباط، وبقيت هناك. كما كنت أنتقل الى الأماكن التي كان يعمل بها عمي كضابط في الجيش (زاكورة، ورزازات، تازة)، ولم يسمح لي بدخول الصحراء إلا سنة 1972، حيث كان الطالب المغربي آنذاك بمثابة "قنبلة"، وأنا كنت أتعجب من أمر بعض الطلبة الصحراويين الذين قبلوا استضافتنا، منهم الخليل الدخيل وخليهن ولد الرشيد، مع العلم أن الكل كان يخشى الاقتراب منا. لقد كانت شجاعة كبيرة جدا من قبلهم بكل صراحة. كانت مرحلة صعبة في الحقيقة. ثم لا يجب أن ننسى أن إسبانيا آنذاك كانت تعيش مرحلة الديكتاتورية، حيث لم يكن يسمح للمواطن الإسباني العادي بدراسة بعض التخصصات مثل القانون والطب، وبالتالي فالضغط الذي كان يمارس في إسبانيا كان حاصلا أيضا في العيون، وكنت مطالبا بالحصول على رخصة من أجل التنقل إلى أمغالا في مدة لا تتعدى خمسة أيام كل عشرين يوما، علما أن التنقل إلى أمغالا ذهابا وإيابا يتطلب مدة ثلاثة أيام. لم أكن أقضي سوى مدة قصيرة لدى عائلتي ثم أعود، ونفس الأمر يسري على باقي المواطنين.

 

                                                                                       يتبع