حل السياسي محمد الشيخ بيد الله، وزير الصحة السابق والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة ورئيس مجلس المستشارين سابقا وأحد مؤسسي جبهة البوليساريو، ضيفا على برنامج "بصمات" الذي تبثه قناة M24، وتطرق في حوار مفصل إلى محطات ساخنة من مساره المهني والسياسي، بدءا بمساهمته في تأسيس نواة للطلبة الصحراويين بالرباط، مرورا بالأخطاء السياسية الكبرى التي واكبت تأسيس جبهة البوليساريو، والدور الليبي والمعارضة المغربية في الجزائر في تعزيز الدعوة إلى الانفصال وحمل السلاح، وصولا إلى ما يعيشه ملف الصحراء من انعطافات ديبلوماسية مهمة..
"أنفاس بريس" تنشر أبرز مضامين هذا الحوار:
**أصدرت كتاب "الصحراء.. الرواية الأخرى ".. هل هناك رواية أخرى فيما يتعلق بالصحراء، وماهي هذه الرواية؟
هذا الكتاب هو نتيجة لقاءات لمدة شهر مع الصحافي الأخ محمد أحداد، والذي كان ينشر حلقات "كرسي الاعتراف" بجريدة المساء. وكما هو معروف، هناك رواية رسمية نقرأها في التاريخ، وهناك الرواية الصحيحة التي جرت في الكواليس، وفي المكاتب التي لا تظهر في الصورة. الرواية الأخرى تتعلق بالمؤامرات وعمل خفافيش الظلام ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
** أنت تعلم بأن الذاكرة الجماعية تمر عبر التاريخ الشخصي للفرد، لماذا نلاحظ عزوف رجال السياسة عن كتابة مذكراتهم ؟
لابد من التذكير بأنه قد صدرت مؤخرا مذكرات عبد الرحمان اليوسفي وعبد الواحد الراضي ومحمد بنسعيد أيت إيدر. هناك تطور كبير في ما يتعلق بمذكرات الساسة المغاربة، وكنا نتمنى لو صدرت أيضا مذكرات عبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة..
** كنت أحد المؤسسين لما سمي نواة "الطلبة الصحراويين" التي انبثقت عنها منظمة البوليساريو بدعم ليبي- جزائري، كيف ومتى بدأ ذلك؟
كانت هناك مجموعة من الطلبة الصحراويين الذين يقيمون بالرباط، وكان عددهم ما بين 70 و 73 فردا. كما كان الوضع في الجامعة المغربية ملتهبا. إذ اندلعت المظاهرات في كل مكان، وكان هناك عدد قليل من الطلبة لا يتعدى ثمانية يتحدثون عن مشكل الأقاليم الجنوبية، وقد شاركوا في لقاءات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وأعطاهم حضورهم لهذه اللقاءات زخما مهما لممارسة السياسة، وبما أنه في ذاك الوقت كان يفترض أن تكون مع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، أو مع الاتحاد العام لطلبة المغرب، أو مع البوليس السياسي، فقد كان الخوف هو السبب الوحيد لالتحاقهم بطلبة المغرب. وبعد ذلك تطورت الأمور وأعددنا مذكرة كتبتها شخصيا بالفرنسية، وسلمناها إلى وزارة الداخلية في الرباط، إذ طلبنا تأسيس منظمة لتحرير الصحراء، فسئلنا هل تودون تأسيس منظمة مسلحة، وقد كان والدي رحمه الله من المؤيدين لحمل السلاح من أجل تحرير الصحراء، بينما كنت من المتشبثين بتأسيس منظمة سياسية تنشر الوعي في صفوف الطلبة الصحراويين المتواجدين في إسبانيا آنذاك، كما تقوم بعمليات تحسيس المواطنين بصعوبة الوضع في الصحراء. وقد عبرت عن هذا مباشرة في لقائي مع وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، علما أن إسبانيا في أواخر حكم الديكتاتور فرانكو كانت تهيئ لإنشاء دولة في الصحراء، حيث أسست حزبا، كما قامت بإحصاء ساكنة الأقاليم الجنوبية سنة 1974. كنا جد متخوفين من ضم الصحراء إلى جزر الكناري وإعلان استقلالها عن المغرب، وعن إسبانيا.
** بمعنى أن المنظمة كانت تحمل مشروعا سياسيا يتلخص في تحرير الصحراء؟
صحيح. تحرير الصحراء كان يعني بالنسبة لنا انضمامها الى المملكة المغربية، وهو ما يعني أن المنظمة كانت وحدوية التوجه..
** هل تذكر الأسماء البارزة آنذاك، التي ساهمت إلى جانبكم في تأسيس هذه المنظمة؟
أذكر الوالي مصطفى السيد، عمر الحضرمي، ماء العينين خليهن، محمد سالم بولسان وزير خارجية ما يسمى البوليساريو، ومحمد سيداتي ممثل البوليساريو في باريس أو أوروبا.. كانت هناك مجموعة، ولكنها تفرقت..
** وهل كانت لديكم موارد مالية أو دعم مالي؟
لم تكن لدينا أية موارد مالية. لقد كنا نعقد الاجتماعات في منازل آباء الطلبة الصحراويين بالرباط وأكادير.. وقد تأسست هذه النواة في ظرفية سياسية صعبة كانت تسمى بسنوات الجمر والرصاص..
** هذه الفترة شهدت أيضا ميلاد حركة 23 مارس ومنظمة "الى الأمام" اليساريتين الى جانب الأحزاب الديمقراطية، فهل كان هناك تنسيق معها؟
طبعا نحن شهدنا تأسيس هذه المنظمات اليسارية الراديكالية في السبعينيات، ولكن لم تكن تربطنا بها أية علاقة، وكان هناك اتصال محدود مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومع حزب التقدم والاشتراكية، وبالأخص مع الراحل عزيز بلال بحكم أن محمد سيداتي كان تلميذا له، لدرجة أنه كان يقلده حتى في صوته، علما أنه كان من عادة أهل الصحراء التهرب من اليسار الراديكالي، وكان من المستحيل ربط علاقات مع منظمات يسارية راديكالية. كنا من الرافضين للعنف، وكان مصطلح "العنف الثوري" يخيفنا حتى في قرارة أنفسنا.
(يتبع)