من طبيعة الأنظمة الديكتاتورية أنها حين لا تجد عدوا على الحدود تخلقه. وهذا بالضبط ما يفسر أسباب العداء الذي تكنه الجزائر للمغرب. علما أن التاريخ يشهد أن المغرب كان دائما سندا للثوار الجزائريين لاستكمال حرية بلادهم إلا أنهم ما أن صلب العود حتى تنكرت عصابة الجزائر لمضمون تلك الثورة، ولأفضال المغرب عليهم، فجعلوا المغاربة والمغرب العدو الذي لا بد منه، مثلما جعلوا الجزائر الغنية بثرواتها الطبيعية ومواردها البشرية مجرد غنيمة حرب.
ولأن وجود العدو يستوجب الحرب فقد بادروا إلى افتعال صراع الحدود معنا سنة 1963 فكانت هزيمتهم العسكرية الأولى في حرب الرمال التي جعلوا فكرة الانتقام لها عقيدة ثابتة دائما. ومن هناك بدأت تهديدات الحرب تشن ضدنا.
لقد خلقوا جبهة البوليساريو الأداة لتخوض الحرب بالوكالة نكاية في المسعى المغربي المشروع لاستكمال وحدته الترابية. وكذلك من أجل التستر على اقترافهم جريمة سرقة ثروات الجزائر.
تلت ذلك «المسيرة الكحلة» التي قادها الفاشي الهواري بومدين شخصيا ردا على المسيرة الخضراء التي تحركت نحو الأقاليم الجنوبية المسترجعة سنة 1975، بحيث شمل الطرد القسري الجماعي 45 ألف عائلة مغربية تتمتع بالإقامة القانونية بالأراضي الجزائرية وصوظرت ممتلكاتهم وعقاراتهم وأرصدتهم، وذلك صبيحة يوم عيد الأضحى.
ثم أعلنت الطغمة العسكرية بكوريا الشرقية، في السنة الموالية، معركة أمغالا التي دكت فيها القوات المسلحة الملكية جيش الجزائر حيث مني بهزيمة قاسية. بعد ذلك تضاعفت هزائم الجزائر العسكرية في الميدان بعد إنشاء الجدار الأمني، وتعددت نكساتهم الديبلوماسية. وحين تأكد لعصابة الجزائر أن المغرب قوي لا فقط بتاريخ الحضاري، وبجهازه الدفاعي العسكري، ولكن كذلك بانفتاحه السياسي وتمرنه على المسلسل الديمقراطي، انقطع «حس» الجزائر حربيا فبدأوا سلسلة الحروب الصغيرة والقذرة بعد فشلهم في الحروب الكبيرة.
نذكر بهذا الخصوص أن «الرياضة» كانت المجال المفضل لجنرالات الجزائر بحثا عن الانتصارات الوهمية بحيث جعل إعلامهم كل لقاء رياضي بين المغرب والجزائر هو نزال عسكري، وذلك منذ أول تعادل سلبي بيننا على أرض الجزائر سنة 1965. ونذكر في هذا السياق كذلك المباراة التي جرت بين منتخبي المغرب والجزائر بالملعب الشرفي بالدار البيضاء في دجنبر سنة 1979 برسم تصفيات الألعاب الأولمبية التي كان مقررا تنظيمها في موسكو سنة 1980. يومها انتصر الجزائريون بخمسة أهداف مقابل واحد فاحتفل الجنرالات هناك بالنصر تماما كما لو حرروا القدس، بل وكل التراب الفلسطيني! ولم يعودوا إلى رشدهم إلا حين انتصر منتخب المغرب على منتخب الجزائر في 21 دجنبر ضمن جولة الإياب بحصة 3 مقابل صفر. ومنذ ذلك التاريخ صار كل رهان رياضي بين المغرب والجزائر عنوانا للحرب المؤجلة. ولنا في تاريخ المقابلات الرياضية معهم سجل مؤسف كان من فصوله الأخيرة منع النشيد الوطني في الميدان، ومنع المنتخب المغربي من دخول مجالهم الجوي، والاعتداء السافر على اللاعبين المغاربة...
بعد ذلك انتقل مجال الحرب إلى فضاء التراث اللامادي ضمن ما اصطلح عليه في الإعلام بـ «حرب الزليج»، وذلك بعد أن لجأت إحدى الشركات الألمانية المنتجة للملابس الرياضية «أديداس»، في شتنبر 2022، بإيعاز من مستشاري الجنيرالات، إلى اعتماد تصاميم من نقوش زليجنا المغربي لوضعها على أقمصة لاعبي الجزائر مدعين بأن الأمر يتعلق باستلهام تراث تلمساني مفترض.
وهذا ما انتفضت ضده وزارة الثقافة المغربية مطالبة بسحب التصاميم من أقمشة الجزائر، الأمر الذي دفع شركة «أديداس»، في أكتوبر من نفس السنة، إلى الإعراب عن أسفها لاقتراف هذا الخطأ.
في سياق التصارع حول نفس التراث احتد الجشع الجزائري لابتلاع كل ابتكارات الأمة المغربية، فبعد الزليج جاء دور الكسكس الذي يدعي الجزائريون بأنه من ابتكارهم قبل 5 الاف سنة! لكن لجنة التراث غير المادي في منظمة اليونسكو حسمت الجدال بتأكيدها، بصيغة توافقية غير مفهومة، في دجنبر من سنة 2020، بإعلان أن «الكسكس» المغربي منتوج مغاربي.
ضمن نفس المسعى لاختطاف تاريخ المغرب الثقافي والحضاري بادر الجنيرالات إلى سرقة القفطان المغربي هذه المرة، مدعين بأنه، هو الآخر، ابتكار جزائري، والحال أن أبرز هواة اللباس ومحترفوه في العالم لا يترددون في تأكيد نسبته إلينا.
ثم جاء دور الموسيقى لتعلن علينا الجزائر حربا أخرى بالمجان على أساس أن فن كناوة إبداع جزائري! وأن المغاربة حين يتغنون به فإنهم يمارسون الاعتداء على السيادة الجزائرية!
ثم نصل إلى الحروب الصغيرة الأخرى التي تشنها الجزائر على المغرب وباقي بلدان العالمين العربي والإسلامي، لا فقط بإدارة الجنيرالات هذه المرة، ولكن كذلك بفتاوي ومداخلات من فقهاء و"أكاديميين" يسهمون في تغذية الحقد بين شعبي البلدين على حساب الحقيقة والتاريخ.
ضمن هذا المنوال يتحالف التزوير والتدليس والتلفيق لجعل الجزائر هي منشأ الدعوة المحمدية، وموطن الكعبة الأول ومزار المبشرين بالجنة، وهلم جنونا وهلوسة... والحال أن المؤرخين يجمعون على أن لا وجود لأمة اسمها الجزائر. الموجود فقط هو أرض تقاسمتها الدول السائدة في مراحل تاريخية مختلفة وضمنها المغرب. ثم احتلت من طرف العثمانيين فالفرنسيين وكذلك كان إلى أن برزت الجزائر اليوم مستعيرة تاريخا وهميا.
ولأن الجزائر تفشل دائما في هزم المغرب عسكريا فهي تفشل كذلك في سرقة تراثه. والحقيقة أن هذا النزوع المتواصل نحو الفشل هو تعبير عن وعي شقي منبعه الذات الجزائرية المريضة التي تعرف أن حروبها مع المغرب هي أساس استمرار طغمتها العسكرية في نهب ثروات الشعب الجزائري المقموع، ولذلك تجعل عصابة العسكر، المغرب، العدو الدائم مدركة بأنها حين تفقد ذلك العدو تفقد مشروعية وجودها، وبالتالي يسقط القناع عن القناع.
إنه الوعي الشقي لجنيرالات يعلنون على المغرب الحرب جهرا، وبكل الأساليب، ويطلبون في قراره أنفسهم أن يديم الله عليهم المغرب جارا كما هو الآن حتى تظل عوراتهم مستورة أمام شعب مسلوب الإرادة محجوز الطاقات والإمكانيات.
تجدون تفاصيل أوفى في العدد الجديد من "أسبوعية "الوطن الآن"