Saturday 17 May 2025
سياسة

محمد الطيار: كيف أصبحت مخيمات "البوليساريو" جنوب الجزائر تعيش تسيبا أمنيا واسعا؟

محمد الطيار: كيف أصبحت مخيمات "البوليساريو" جنوب الجزائر تعيش تسيبا أمنيا واسعا؟ محمد الطيار مع جانب من مخيمات تندوف

تقاطع المعضلة الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي، مع المعضلة الأمنية التي صنعتها أيضا الجزائر بإقامتها لمخيمات "البوليساريو" في جنوبها، يظهر بجلاء في التطورات التي تشهدها يوما بعد يوم الحالة الأمنية المتأزمة داخل مخيمات تندوف، بحيث أصبحت تعكس مختلف أنشطة الجريمة المنظمة والإرهاب وحالات التسيب الأمني في منطقة الساحل، التي ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة، مما يجعل المعضلتين الأمنيتين تشتركان معا في العديد من المجالات والصفات. لدرجة أن كل واحدة منهما أصبحت تغدي الأخرى وتشكل امتدادا لها، الأمر الذي يجعل مخيمات تندوف مرشحة لتشهد تدهورا أمنيا غير مسبوق، بحكم توسع حدة المأزق الأمني في الساحل وفشل الأمم المتحدة وفرنسا في مهمتهما، حيث عاد الإرهاب بقوة وأكثر تنظيما، وارتفع منسوب الصراعات العرقية والقبلية.

 

مخيمات تندوف بيئة حاضنة للفوضى والعنف والتسيب وحماية الفساد

قامت الجزائر عند تشكيلها لمخيمات تندوف في السنوات الأولى لنزاعها مع المغرب حول الصحراء، في النصف الأخير من عقد السبعينات من القرن الماضي، بعمليات استهدفت خطف العديد من المواطنين المغاربة الصحراويين، من مدن الأقاليم الجنوبية ومن بوادي الصحراء. كما قامت "البوليساريو" والجيش الجزائري بحملة لتهجير سكان الأرياف خلال سنتي 1980-1981، من مناطق شمال موريتانيا، ومن الحدود المالية الجزائرية، وتم نقلهم قسرا إلى نواحي مدينة تندوف، منهم العديد من النساء اللواتي تم خطفهن وتركن الأزواج والأطفال وراءهن، وتم تزويجهن غصبا من جديد مما يخالف الأعراف الدولية والدينية. وعانت النساء والفتيات من الاعتداءات الجنسية المتكررة والتعذيب والإجهاض، والاتجار بالرضع المولودين من حوادث الاغتصاب أوعلاقات خارج الزواج مع المسؤولين من "البوليساريو" أوعسكر الجزائر.

ومع توالي السنين ازدادت حدة الأوضاع، حيث ظهرت أعدادا كبيرة من الشباب العاطل عن العمل، حيث تمنع السلطات الجزائرية عليه الاشتغال فوق أراضيها والاندماج بين ساكنة الجنوب، بل وتعمد إلى تشغيل العمال من الدول الإفريقية البعيدة في منشآت النفط والغاز في الجنوب الجزائري. ولم يجد شباب المخيمات وكذا العناصر المجندة، بعد اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991م، مجالا آخر غير احتراف التهريب بكل أنواعه والانخراط في نشاط الجريمة المنظمة والجماعات المسلحة والإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، حيث أن ظاهرة التهريب على الحدود كانت أبرز الظواهر التي جرًفت الكثير من الشباب وتطورت لتشمل مواد وسلع محرمة من بينها الكوكايين.

لقد تصاعدت مؤخرا مظاهر التمرد والتذمر داخل مخيمات تيندوف، وأصبحت تعيش تسيبا أمنيا واسعا، مع اشتداد المواجهات القبلية المسلحة وتزايد سطوة العصابات الإجرامية والإرهابية، وأصبح رأسمال الفرد يتمثل في انتماءه القبلي بشكل لم تشهده السنوات السابقة. وارتفع دور القبيلة في حماية الأفراد والدود عنهم، ناهيك عن ازدياد الصراعات البينية التي تتخذ لبوسا قبليا.

تورط عناصر "البوليساريو" في الجريمة المنظمة والإرهاب

نتيجة لالتحاق أعداد كبيرة من الشباب من مخيمات تندوف بالجماعات الإرهابية، أضحت مخيمات تندوف تعرف استفحال ظاهرة الأسر التي تركها الأب بدون معيل، فضلا عن وجود عدد كبير من أرامل الملتحقين، الذين قتلوا في صفوف تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" المحسوب على"القاعدة " أو تنظيم "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" الموالي لـ "داعش"، أو غيرهما من تنظيمات منطقة الساحل الجهادية. تورط عناصر "البوليساريو" يؤكده أيضا بروز أتباع تنظيم "داعش" في المخيمات بشكل ملحوظ، خاصة بعد صعود نجم عدنان أبوالوليد الصحراوي، مؤسس تنظيم "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" في سماء الإرهاب، وهو أحد شباب مخيمات تندوف. فمنذ سنوات التسعينات بدأت مظاهر التطرف تغزو مخيمات تندوف بعد أن بات ما يعرف بالتيار السلفي يحوز أتباع كثر داخل المخيمات ومع حجم "الانتصارات" التي يحققها "تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى/ داعش " خاصة الكمين الذي نفذه ضد القوات الخاصة الأمريكية في النيجر خلال سنة 2017، حيث قتل أربعة جنود أمريكيين مع التمثيل بجثثهم.

وقد بات للأخير ما يشبه أذرع خفية تنشط في صمت وتعمل على تجييش الشباب والتغرير بهم ودفعهم للالتحاق بصفوف "داعش" للقتال.

ومما يؤكد تغلغل "تنظيم الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى " داخل مخيمات تندوف، نعى التنظيم خلال شهر مارس من سنة 2023، في شريط مرئي، عرض فيه صور مقتل أربعة عناصر من "البوليساريو" بصفوفه، من قيادييه البارزين خلال فترات ماضية، ويتعلق الأمر بكل من أبو الوليد الصحراوي مؤسس التنظيم وزعيمه، وعبد الرحمان الصحراوي، وعيسى الصحراوي، وعبد الحكيم الصحراوي، وقد كان عيسى الصحراوي يشغل منصب المنسق المالي واللوجيستي للتنظيم. أما عبد الرحمان الصحراوي فقد كان مكلفا بـ"إصدار الأحكام". وكان القياديان الإرهابيان عضوان بجبهة "البوليساريو" بالمخيمات قبل أن يتوجها للقتال في صفوف "داعش"، إسوة بغيرهم من الملتحقين بالجماعات الإرهابية بالساحل من مخيمات تندوف.

الانفلات الأمني الذي تعيشه مخيمات تندوف، وانسداد الأفق ووقوف الجميع على فشل المشروع الانفصالي وزيف شعاراته ، فضلا عن فقدان "البوليساريو" قدرتها على مراقبة تأمين مخازن أسلحتها، وانخراط مجنديها من المسلحين بشكل كبير في أنشطة التهريب والإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، شكل معضلة أمنية خطيرة، تستدعي تدخل الأمم المتحدة لحماية المحتجزين بالمخيمات من بطش مليشيات"البوليساريو" وعصابات الجريمة المنظمة والإرهاب وعسكر الجزائر، قبل أن تتوسع حالة التسيب الأمني وتتطور السيولة الأمنية المتفاقمة في المنطقة، لتتحول إلى كارثة إنسانية خطيرة.

 

د .محمد الطيار، باحث في الدراسات الأمنية والاستراتيجية