Friday 16 May 2025
كتاب الرأي

جمال المحافظ: نقابة الصحافة.. بين زمنين 

جمال المحافظ: نقابة الصحافة.. بين زمنين  جمال المحافظ، باحث في القانون العام
في مقال بعنوان "صناعة قوس قزح.. نتاج للوفاء وللروح الديمقراطية والتضحية والترفع"، يعتبر الإعلامي يونس مجاهد، أنه  لا يمكن لأي باحث في قضايا الصحافة والاعلام وفي تاريخ المغرب الحديث، أن يتجاهل الدور الذي لعبته النقابة الوطنية للصحافة المغربية منذ أن تأسست سنة 1963 إذ ساهمت، بشكل متميز في الحركية التي عرفها الحقل وفي مختلف التطورات التي شهدها حقل الصحافة والاعلام، وسجلت حضورا فاعلا أساسيا، إذ قاومت بالخصوص التراجعات التي عرفها المغرب في سنوات الرصاص، بخصوص قانون الصحافة والنشر.
 
وتوقف، مجاهد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عند بعض المحطات من تاريخ نقابة الصحافة التي توال على قيادتها أجيال من القادة والأطر، ساهمت كلها ، نساء ورجالا في مواصلة رسالتها، إذ ساهمت، بشكل متميز في المناظرة الوطنية الأولى للإعلام في 1993، وأن المسيرة النضالية، للنقابة  تواصلت  في الدفاع عن حرية الصحافة وعن الخدمة العمومية في الإعلام العمومي، وغيرها من المطالب الديمقراطية. ونظمت إضرابات واحتجاجات إلى حدود السنوات الأخيرة حول العديد من المطالب والقضايا، وتمكنت من فتح حوار شامل مع المسؤولين في كل القطاعات، لذلك نجحت في تحقيق العديد من المكتسبات، وحضي موضوع أخلاقيات الصحافة بأهمية قصوى في هذا المجال، توجت بالتجربة التأسيسية للتنظيم الذاتي للمهنة.
 
مسؤولية التغيير
 
غير أن يونس مجاهد، أثار الانتباه بأن " حياة التنظيمات وحركيتها الداخلية تخضعان للمد والجزر، معتبرا في هذا الصدد، استنادا الى بعض الدراسات، بأنه يجب على الأفراد اكتساب قدرة جماعية خاصة، لإدارة الصراعات الداخلية، التي تتيح لهم التنظيم بشكل أفضل، وعلى المنظومة تطوير القدرات نفسها، لكن هذه القدرة التنظيمية ليست بالقوة ذاتها لدى جميع أعضاء المنظمة، وذلك حسب لعبتهم الخاصة، وأن هذه المنهجية، تعتبر أن الانسان هو الذي يجب أن يتحمل المسؤولية الأولى في التغيير.
 
وإذا كانت التطورات التي يمكن أن تشهدها المنظمات النقابية والأحزاب السياسية، قد تكون إيجابية أو سلبية، حسب أدوار الفاعلين فيها، فإن مجاهد يوضح، في هذا الصدد، بأنه، ليس هناك خط منتظم للتقدم، في التاريخ - حسب المفكر ميشيل فوكو - بل هناك خط التراجع والنكوص، وأن التغيير التاريخي ليس تراكميا، بل هو عبارة عن قطائع لا متصلة، أي أن اتجاه التقدم نحو الأفضل ليس حتميا بالضرورة " .
 
تنظيم المهنة
 
لوضع الأمور في نطاقها، التاريخي، تجدر الإشارة إلى  أن نقابة الصحافة، انتقلت منذ مؤتمرها الرابع سنة 2000 من نقابة بنظام مختلط للمديرين والصحفيين الى منظمة للصحفيين، حيث كرست هذه المحطة التنظيمية بشكل نهائي التحول الى" نقابة للصحافيين"، في الوقت الذي كانت قد تأسست كتنظيم يقتصر على مديري الصحف، وبعدما  مرت بتجربة تجمع كلا من الصحفيين والمديرين، الذين شكلوا بعد المؤتمر الرابع إطارا جديدا، تحت اسم “الفيدرالية المغربية لناشري الصحف" التي أحدثت على يمين النقابة آنذاك، وهو التغيير الذي مكن النقابة من أن تتحول الى فاعل أساسي في تنظيم مهنة، وعلى أمل أن يصبح الصحفيون مستقبلا قاطرة لأي صناعة إعلامية.
 
كما أن الجسم الصحافي المنظم، بمقدوره المساهمة الفعالة في التأثير الإيجابي على جعل المنشئات الإعلامية بطريقة تضمن الديمقراطية الداخلية، وتوفر شروط النزاهة والشفافية، لقطاع مؤهل ليخوض غمار التحديات السياسية والمهنية والتكنولوجية، تجاوبا مع التطور الحاصل في وسائل الإعلام، لكن على أساس أن تتطور الآليات الداخلية لكل مؤسسة إعلامية، حتى تتمكن نقابة الصحافة من تواجد فعلي لمعالجة مختلف القضايا المطروحة في إطار وحدوي بين مجموع الصحافيين.
 
فاعل أساسي 
 
وكان الأمل خلال هذه المرحلة، أن تتحول نقابة الصحافة إلى فاعل  أساسي في تنظيم المهنة، وألا تظل مجرد تنظيم تعبوي غرضه الوحيد الضغط تحقيق مطالب مادية أو مهنية، بل كان الهدف أن تكون إطارا  للدفاع عن حرية التعبير، واحترام الضمير المهني مع إنتاج دراسات وأبحاث، تعمق الوعي الفكري النقابي والسياسي للصحافيين، وتتعامل مع الإشكاليات التي تثيرها الصحافة والإعلام ، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، في ظل عالم متغير ومشهد وطني في حاجة ماسة لإعلام عصري ومتطور ومحيط دولي تلعب فيه وسائل الاعلام في زمن اللايقين والثورة الرقمية.
 
وعلى الرغم من أن نقابة الصحافة، لكالما حملت المسؤولية  خلال تلك المرحلة للطبقة السياسية وممولي المؤسسات الإعلامية الذين كانوا يتعاملون مع الصحافة كأداة فقط لخدمة أغراضهم الدعائية المباشرة، دون أن يرقى نهجهم إلى اعتبار الإعلام أولا وقبل كل شيء استثمارا من بين أرقى ما توصل إليه العصر، كأداة إعلام وتواصل وتنمية وصناعة ثقافية وفنية وترفيهية. كما عادت على المستوى الذاتي نتيجة تحولات النقابة، طرح أسئلة دمقرطة آليات الاشتغال ومدى حضور النقابة في المشهد الاعلامي وديناميتها، وحدود استقلاليتها  خاصة بعدما عادت  الى الواجهة عدة انتقادات حول " الخصاص الديمقراطي وتبعيتها لأحزاب سياسية بعينها”. ومع تأسيس "الفيدرالية المغربية لناشري الصحف"، وبعدها اطارات أخرى مماثلة، لم تعد النقابة الوطنية للصحافة لمغربية، " ممثلا وحيدا" للجسم الصحفي، كما كان ينظر لها سابقا، وأصبحت تمثيليتها  للصحافيين، مثار نقاش واسع، وموضع جدل عميق.
 
مد وجزر
 
وإذا كان يونس مجاهد، يعتبر في ذات المقال السابق، أن حياة التنظيمات وحركيتها الداخلية تخضعان للمد والجزر، وأنه يجب على الأفراد اكتساب قدرة جماعية خاصة، لإدارة الصراعات الداخلية، التي تتيح لهم التنظيم، بشكل أفضل، وتطوير المنظومة تطوير قدراتها بنفسها، بيد أنه  يوضح " لكن هذه القدرة التنظيمية ليست بالقوة ذاتها لدى جميع أعضاء المنظمة، وذلك حسب لعبتهم الخاصة.. وأن التطورات التي يمكن أن تشهدها المنظمات النقابية والأحزاب السياسية، قد تكون إيجابية أو سلبية، حسب أدوار الفاعلين فيها"، معربا عن اعتقاده الراسخ بأن " ليس هناك أيضا خط منتظم للتقدم في التاريخ، بل هناك خط التراجع والنكوص، .. أي أن  اتجاه التقدم نحو الأفضل ليس حتميا، بالضرورة".
 
مياه كثيرة، جرت تحت جسر نقابة الصحافة، فالتحولات التي عرفها العمل النقابي في الوسط الصحفي وظهور فاعلين جدد في مجال الصحافة والإعلام، تثير كذلك تساؤلات منها أية أدوار يتعين على نقابة من المفروض، أن تكون ممثلة لكافة مكونات الصحافيين الاضطلاع بها، ووسط جسم اعلامي يزداد تنوعا وتشبيبا وتأنيثا وتوسعا أفقيا وعموديا.
تدابير عاجلة
وإذا كانت صحافة الأمس ليست هي صحافة اليوم، وبالضرورة، لن تكون صحافة الغد، فإن الامر لا يتعلق فقط بالأداء النقابي في الميدان الصحافي، بل كذلك بالسياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تختلف حاليا مع مثيلاتها لها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، والتي كان انعكاس على المشهد الصحافي الإعلامي. هذا الوضع وإن كان هناك بالفعل زمنين مختلفين عاشتهما وتعيشهما نقابة الصحافة، فإن ما يتعين الانكباب عليه هو ترجمة الحاجة الملحة في المرحلة الراهنة لاتخاذ تدابير عاجلة، لإحداث النقلة النوعية المأمولة في الصحافة والإعلام، القطاع الحيوي الذي يتطلب توفير إرادة حقيقية، وبيئة ملائمة تتيح فرص اطلاق حوار اعلامي، لفتح آفاق جديدة.   كما أن المطلوب بصفة عامة، انكباب كافة مكونات الجسم الصحفي، من هيئات وتنظيمات، وصحافيات وصحافين على بحث السبل الكفيلة بفتح أفق جديد الذي يمر قطعا عبر تجاوز كل الخلافات والتشرذم، للمساهمة في إعادة المصداقية لقطاع، يعاني أصلا من هشاشة مزمنة، وتراجعا في منسوب الثقة التي كان يحظى بها من لدن الرأي العام الى وقت قريب.