يفكّك الدكتور عصام لعروسي، الخبير في الشّؤون الإستراتيجية والأمنيّة وتسوية النّزاعات، تمظهرات العلاقات المغربية الأمريكية بعد اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الصحراء وبجدّية مخطط الحكم الذاتي، وكذا مستقبل البلدين في المنطقة، وفي ظل التّقاطبات والتّجاذبات الدولية".
وأوضح لعروسي في حوار مع أسبوعية "الوطن الآن" أن الثقل الإستراتيجي والأمني الذي صار يشكّله المغرب من خلال حكامة أمنيّة جيدّة وعمل استخباراتي منظّم وموقعه الأساس داخل الوطن العربيّ والإفريقيّ، جعل الإدارة الأمريكية تعي ذلك وتراهن على المغرب في الكثير من القضايا، بل وتعمّق جوانب التّعاون العسكري والأمني والاستخباراتي أكثر فأكثر لصدّ خطر الإرهاب في المنطقة وبدول السّاحل".
وأوضح لعروسي في حوار مع أسبوعية "الوطن الآن" أن الثقل الإستراتيجي والأمني الذي صار يشكّله المغرب من خلال حكامة أمنيّة جيدّة وعمل استخباراتي منظّم وموقعه الأساس داخل الوطن العربيّ والإفريقيّ، جعل الإدارة الأمريكية تعي ذلك وتراهن على المغرب في الكثير من القضايا، بل وتعمّق جوانب التّعاون العسكري والأمني والاستخباراتي أكثر فأكثر لصدّ خطر الإرهاب في المنطقة وبدول السّاحل".
يلاحظ خلال العقدين الأخيرين أن المغرب والولايات المتّحدة الأمريكية دخلا في مرحلة تعميق التعاون الإستراتيجي بينهما اتّخذ سرعة قياسية منذ 2015 إلى اليوم. ما قراءتك لما حصل ويحصل؟.
أظنّ أن فهم العلاقات المغربية الأمريكية لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال فهم طبيعة هاته العلاقة وتفكيك مدخلاتها ومخرجاتها ومرتكزاتها من خلال التركيز على عمقها التاريخي أولا، الإستراتيجي والجيوسيّاسي ثانيا.
يجب أخذ هذه العوامل البنيوية بعين الاعتبار وكذا تقاطع الاستراتيجية الامريكية مع نظيرتها المغربية في العديد من الملفات، خاصّة وأن التّقارب المغربي الأمريكي في إطار ما يسمّى بـ "اعتراف أمريكا بمغربية الصّحراء" بشكل لحظة تاريخية مفصلية بالنسبة لقضية الصحراء المغربية. والجدير الذكر أيضا أن هذه العلاقات لها عمق تاريخي كبير حيث ارتبط الملوك المغاربة والولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات دبلوماسية فيها الكثير من الندية، خاصّة خلال القرون الـ 17 و 18 و 19 و 20. وتطوّرت هذه العلاقات بشكل كبير إبان الحرب الباردة وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية باعتبار انتماء المغرب للمعسكر الغربي واتّباع سياسات اقتصادية ليبرالية مقابل تفادي الارتماء كما فعلت العديد من الدول العربية في فلك المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفييتي.
هذا العمق التاريخي والاستراتيجي الذي يميز هذه العلاقات، شكل حلقات متواصلة للتعاون المشترك بين البلدين، خاصة في العقدين الأخيرين حيث سجّل فيها التعاون الأمني والاستخباراتي الامريكي المغربي ذروته، وخاصة مع ترسيم مواعيد قارة لهذا التعاون البناء من خلال مناورات الأسد الافريقي التي تجرى سنويا في المغرب والتّنسيق مع المغرب بشأن التهديدات الإرهابية ، وأيضا تنسيق على مستوى الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية واقتناء العتاد العسكري ، حيث يحاول المغرب الاستفادة من سياسة التّقاطبات الدّولية، لتحقيق مصالحه الحيوية.
وشكلت الفترة الاخيرة توقيع العديد من اتفاقيات الشراكة بين المغرب و واشنطن بداية من اتفاقية التبادل الحر سنة 2004 وتم تدعيم هذه الشراكة والتسريع من وتيرتها حينما تمّ توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الأمنيّة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية والاقتصادية بين البلدين سنة 2015، تم تثمينها في عام 2018. وتوالى التنسيق والمشاورات والزيارات طيلة السنوات الاخيرة.
شهدت هذه الوثيرة خلال العشرين سنة الأخيرة، تعميق العلاقات بين البلدين، والانتقال إلى السّرعة القياسية، على اعتبار أن الولايات المتّحدة الأمريكية لها أهداف استراتيجية في المنطقة، خاصة في منطقة المتوسّط وفي القارة الافريقية وما تعرفه منطقة شمال افريقيا والساحل جنوب الصحراء من اضطراب وعدم استقرار، واعترافا بالدور المغربي المحوري في المنطقة فهو أصبح بفضل الاختراقات الهامة للقارة الافريقية والديناميات الجديدة التي تم اعتمادها من طرف الرباط، منصة رئيسية لإطلاق العديد من المبادرات وصلة الوصل الأساسية بين أوروبا والقارة الإفريقية، وبالتّالي المغرب له ميزة جغرافية جيوسيّاسية، ممّا حدا بالولايات المتّحدة الأمريكية لتطوير حجم هذه العلاقات بالنّظر للوزن والثّقل الاستراتيجي للمغرب، واستقرار المملكة واستقلال وتحرر القرار المغربي السّيادي من الدوائر الكلاسيكية التي كانت تتحكم في أمور السياسة والاقتصاد والثقافة، مما مكّنه من الهروب من تجاذبات وتأُثيرات بعض القوى الاستعمارية من قبيل فرنسا وإسبانيا.
وأظنّ أن الولايات المتحدة الأمريكية تعطي الاولوية للمغرب في استراتيجيتها وسياستها الخارجية لكل الأسباب ولاعتبارات الأنفة الذكر وخاصة تلك المتعلقة بالتّهديدات الأمنية واندلاع الأزمات في المنطقة الافريقية، خاصّة مخاطر الإرهاب في المنطقة. وفي ظلّ الحرب الرّوسية الأوكرانية، وما بعد أزمات الرّبيع العربي الذي تعيشه المنطقة في ليبيا ومنطقة السّاحل جنوب الصّحراء، فالمغرب بالنّسبة للولايات المتّحدة الأمريكية هو من عوامل الاستقرار في المنطقة، باعتبار أنّ اتّفاق 2020 الموقّع بين المغرب والولايات المتّحدة الأمريكية شكّل لحظة تاريخية مفصلية في العلاقات بين البلدين وتم تثمين المواقف المغربية الأمريكية توّج بتأكيد اعتراف أمريكيا بمغربية الصّحراء.
من خلال تفحّص مسار التّعاون واللقاءات المشتركة بين البلدين، يتضح أن بروفايلات المسؤولين الذين يملأون المشهد، ينتمون إلى الحقل الأمني العامّ (القوات المسلحة، الأجهزة الاستخباراتية والأمنية..) في كلتا الدولتين. لماذا؟ هل هناك مخاطر تهدد أمريكا؟ وهل هناك خوف على المصالح الأمريكية أم أن المغرب له موقع راسخ والأقوى في الحكامة الأمنية والإستخباراتية في هذا الموقع الإفريقي والعربي؟.
بطبيعة الحال ومن خلال معاينة مسارات وأبعاد الشراكة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، يتضح تركيز واشنطن على مجالي التّعاون الأمني والإستخباراتي وتطوير العلاقات مع المصالح الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، وتعمل هذه المؤسسات السيادية للتنسيق بين الطّرفين في ملفات حارقة ترتفع حدّتها مع تطور الأحداث الاقليمية والدولية ومع تغير بنيات النظام الدولي والتغيرات الأمنية التي تعرفها المنطقة.
بطبيعة الحال ومن خلال معاينة مسارات وأبعاد الشراكة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، يتضح تركيز واشنطن على مجالي التّعاون الأمني والإستخباراتي وتطوير العلاقات مع المصالح الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، وتعمل هذه المؤسسات السيادية للتنسيق بين الطّرفين في ملفات حارقة ترتفع حدّتها مع تطور الأحداث الاقليمية والدولية ومع تغير بنيات النظام الدولي والتغيرات الأمنية التي تعرفها المنطقة.
من بين أهم عوامل الاهتمام بالجوانب الامنية والجيوسياسية في علاقة واشنطن بالمغرب:
- أولا: التّنافس الدولي على القارة الافريقية التي أصبحت جغرافية جاذبة للعديد من القوى الدولية، مما يجعل أمريكا تفكّر في الاستعانة والاشتغال والتنسيق مع فاعل إقليمي وازن لتحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية في القارة السمراء. بالإضافة إلى التنسيق مع المغرب على مستوى حلحلة بعض الأزمات، وهناك تنسيق متواصل أيضا في مجال التدريبات والتّزود بالعتاد والأسلحة خاصّة بالنّسبة للجيش المغربي، تجسّدها عملية "الأسد الأفريقي" السّنوية، وعمليات مماثلة مشتركة أخرى.
وسجّلت السنتين الأخيرتين أيضا، قدوم العديد من المسؤولين الأمنيين والإستخباراتيّين الأمريكان إلى المغرب ممّا يترجم هذه المجهودات، ومعها الأهداف الإستراتيجية في المنطقة، التي تتقاطع مع الهواجس الأمنيّة للمغرب، والذي يرغب في التّصدي للمخاطر الأمنيّة المحتملة والمتوقّعة بالمنطقة عبر الاستعانة بالولايات المتّحدة الأمريكية واصطفافات وازنة لتحقيق التوازن في مواجهة المخاطر المحدقة بالمملكة، على سبيل المثال قامت الولايات المتحدة الامريكية بإنجاز صفقة لبيع صواريخ "هيمارس" للمغرب، وهو سلاح نوعي هامّ يدخل في باب الرّدع العسكري ولقطع الطريق أمام تزود المغرب بالأسلحة من الصين و روسيا.
وسجّلت السنتين الأخيرتين أيضا، قدوم العديد من المسؤولين الأمنيين والإستخباراتيّين الأمريكان إلى المغرب ممّا يترجم هذه المجهودات، ومعها الأهداف الإستراتيجية في المنطقة، التي تتقاطع مع الهواجس الأمنيّة للمغرب، والذي يرغب في التّصدي للمخاطر الأمنيّة المحتملة والمتوقّعة بالمنطقة عبر الاستعانة بالولايات المتّحدة الأمريكية واصطفافات وازنة لتحقيق التوازن في مواجهة المخاطر المحدقة بالمملكة، على سبيل المثال قامت الولايات المتحدة الامريكية بإنجاز صفقة لبيع صواريخ "هيمارس" للمغرب، وهو سلاح نوعي هامّ يدخل في باب الرّدع العسكري ولقطع الطريق أمام تزود المغرب بالأسلحة من الصين و روسيا.
- ثانيا: الإهتمام الأمريكي بالجوانب الأمنية والعسكرية، يرجع لطبيعة المنطقة المقسّمة ما بين العديد من التّقاطبات والتّنافس الدّولي الذي تتنازعه روسيا والصّين وإيران عبر تحالفات صاعدة، وتشكل قضية الصّحراء المغربيّة بمثابة «حصان طروادة» للجزائر التي تستغلّ «بوليساريو» للقيام بقلاقل واضطرابات في المنطقة وتصريف الأجندة الجزائرية غير المعلنة الرّاغبة في استمرار هذا النزاع المفتعل حول الصحراء واعتباره البوابة الحقيقية لبسط النفوذ الجزائري عبر توظيف مليشيا إرهابية محكوم عليها بالفشل.
- ثالثا: هناك اعتبار آخر، ألا وهو الثقل الأستراتيجي والأمني الذي صار يشكّله المغرب من خلال حكامة أمنيّة جيدّة وعمل استخباراتي منظّم وموقعه الأساس داخل الوطن العربيّ والإفريقيّ. والمغرب بلد مجهودات كبيرة في محاربة الإرهاب، وهذا تعيه جيّدا الولايات المتحدة الأمريكية، وترؤسه لأكثر من هيئة دولية لمحاربة العنف والإرهاب صحبة دول إقليمية كبرى، إلى جانب احتضان المغرب لعدد من اللقاءات والمنتديات الدولية والمنظمات الدولية الأممية لتطوير أسس التّعاون لمحاربة الإرهاب، سواء تعلّق الأمر بمحاربة الجماعات الإرهابية المتطرّفة، أو المخاطر المتصاعدة في منطقة مضطربة بدول السّاحل جنوب الصّحراء من جماعات إرهابية وجماعات الجريمة المنظّمة العابرة للحدود، خاصة «داعش» و«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، و«المرابطين» وغيرها. حتى أن بعض الدّول من قبيل الجزائر تشجع وجود مثل هؤلاء التنظيمات الإرهابية في المنطقة.
يسجّل مراقبون صلابة التّعاون الديبلوماسي الأمني العسكري الإستخباراتي بين البلدين، مقابل تعاون محتشم في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والإقتصاد والتجارة والهجرة، لماذا هذا التوجه وما خلفياته؟.
حينما نحاول قياس حجم العلاقات بين الولايات المتّحدة الأمريكية والمغرب نجد أن الجانب الأمني والسّياسي والإستخباراتي والعسكري يحتلّ نصيب الأسد في العلاقات، بينما الجانب الإقتصادي والثقافي والاكاديمي والبحثي والعلمي يشغل اهتماما أقلّ. وهذا ربّما يعود للبعد الجغرافي بين البلدين ولأسباب تاريخية أيضا. كما أن شركاء المغرب هم القريبون منه جغرافيا حيث يرتبط المغرب بشراكات تفضيلية مع الاتحاد الأوروبي وعلاقات اقتصادية وديمغرافية واجتماعية مع دول تقليدية كإسبانيا وفرنسا مثلا.
وفي قطاع التعليم، هناك محاولات مغربية لاقتباس نجاح النّماذج الأنكلوساكسونيّة، خاصّة النّموذج الأمريكي، على اعتبار أن اللّغة الإنجليزية لغة عالمية، وأن كلّ المعارف والإنتاجات العلميّة تتمّ باللّغة الإنجليزية. فالمغرب يتفاعل حاليا مع هذا المتغير يحاول التخلّص من العباءة والوصاية الفرنسية التي كانت هي المصدر الأساسي للتجارب المغربية في قطاعي التّربية الوطنية والتّعليم العالي والبحث العلميّ، على الرغم من استمرار وجود جيوب للرفض من نخب مغربية ما زالت تراهن على الرافد الفرنكفوني الذي يعيش أزمة انحصار وتقزيم على الصعيد العالمي، أكثر من هذا أصبحت فرنسا في موقف حرج من خلال رفض النخب الجديدة في القارة الإفريقية للوصاية الفرنسية السياسية والإقتصادية والثّقافية اللّغوية.
وربّما ستكشف السنوات القادمة تغييرا وتوجّها في البوصلة المغربية نحو الثّقافة الأنجلوساكسونية التي تقدّم العديد من المخرجات وفي شتّى المجالات العلمية والتكنولوجية. فالمغرب ينهج سياسة تنويع الشركاء، ويحاول تغيير العقلية الفرنكوفونية بعقليات أخرى تشجّع على التّنافس العالمي والمبادرة والابداع، لتنجح في حلّ عدد من المعضلات تهم التّقدم التكنولوجي والعلمي والأكاديمي بعدد من القطاعات.
أظن أن من أبرز معيقات تحقيق طفرة في التعاون الأمريكي المغربي هو البعد الجغرافي، وحتى بالنسبة لموضوع الهجرة لا وجود لهجرة مؤثرة في أمريكا "Morocco`s Diaspora"، وسط نهج الولايات المتحدة سياسة انتقائية لسياسة الهجرة واللجوء. وحتى النماذج المغربية التي تعيش في الولايات المتحدة تقدّم نفسها كنخب وتجارب فردية ناجحة وليس كجماعة بشرية مؤثرة على غرار الجماعة الصينية أو الهندية واللاثينية، وهو ما يحتاج إلى استكمال عمل على مستوى التعاون العلمي/البحثي، وخلق دينامية جديدة في هذا المجال، وتدعيم أسس الهجرة نحو البلاد الأمريكية، خاصة في أوساط الطّلاب المغاربة، وبالتالي فالديبلوماسية المغربية الأمريكية ينبغي أن تتجاوز ما هو أمني عسكري استخباراتي ليصل إلى مجالات أعمق على المستوى العلمي والثقافي، سوف يكون لها تأثير كبير في تغيير العقليات عبر برامج وإقامات لغوية للمغاربة و لما لا إنشاء مراكز أبحاث علمية مشتركة Think- tank تكون بمثابة مؤسسات للتأثير والضّغط Lobbying لخدمة المصالح المشتركة للبلدين ولولوج شتّى مجالات البحث العلمي والرفع من وتيرة التّعاون الأكاديمي والتكنولوجي.
حينما نحاول قياس حجم العلاقات بين الولايات المتّحدة الأمريكية والمغرب نجد أن الجانب الأمني والسّياسي والإستخباراتي والعسكري يحتلّ نصيب الأسد في العلاقات، بينما الجانب الإقتصادي والثقافي والاكاديمي والبحثي والعلمي يشغل اهتماما أقلّ. وهذا ربّما يعود للبعد الجغرافي بين البلدين ولأسباب تاريخية أيضا. كما أن شركاء المغرب هم القريبون منه جغرافيا حيث يرتبط المغرب بشراكات تفضيلية مع الاتحاد الأوروبي وعلاقات اقتصادية وديمغرافية واجتماعية مع دول تقليدية كإسبانيا وفرنسا مثلا.
وفي قطاع التعليم، هناك محاولات مغربية لاقتباس نجاح النّماذج الأنكلوساكسونيّة، خاصّة النّموذج الأمريكي، على اعتبار أن اللّغة الإنجليزية لغة عالمية، وأن كلّ المعارف والإنتاجات العلميّة تتمّ باللّغة الإنجليزية. فالمغرب يتفاعل حاليا مع هذا المتغير يحاول التخلّص من العباءة والوصاية الفرنسية التي كانت هي المصدر الأساسي للتجارب المغربية في قطاعي التّربية الوطنية والتّعليم العالي والبحث العلميّ، على الرغم من استمرار وجود جيوب للرفض من نخب مغربية ما زالت تراهن على الرافد الفرنكفوني الذي يعيش أزمة انحصار وتقزيم على الصعيد العالمي، أكثر من هذا أصبحت فرنسا في موقف حرج من خلال رفض النخب الجديدة في القارة الإفريقية للوصاية الفرنسية السياسية والإقتصادية والثّقافية اللّغوية.
وربّما ستكشف السنوات القادمة تغييرا وتوجّها في البوصلة المغربية نحو الثّقافة الأنجلوساكسونية التي تقدّم العديد من المخرجات وفي شتّى المجالات العلمية والتكنولوجية. فالمغرب ينهج سياسة تنويع الشركاء، ويحاول تغيير العقلية الفرنكوفونية بعقليات أخرى تشجّع على التّنافس العالمي والمبادرة والابداع، لتنجح في حلّ عدد من المعضلات تهم التّقدم التكنولوجي والعلمي والأكاديمي بعدد من القطاعات.
أظن أن من أبرز معيقات تحقيق طفرة في التعاون الأمريكي المغربي هو البعد الجغرافي، وحتى بالنسبة لموضوع الهجرة لا وجود لهجرة مؤثرة في أمريكا "Morocco`s Diaspora"، وسط نهج الولايات المتحدة سياسة انتقائية لسياسة الهجرة واللجوء. وحتى النماذج المغربية التي تعيش في الولايات المتحدة تقدّم نفسها كنخب وتجارب فردية ناجحة وليس كجماعة بشرية مؤثرة على غرار الجماعة الصينية أو الهندية واللاثينية، وهو ما يحتاج إلى استكمال عمل على مستوى التعاون العلمي/البحثي، وخلق دينامية جديدة في هذا المجال، وتدعيم أسس الهجرة نحو البلاد الأمريكية، خاصة في أوساط الطّلاب المغاربة، وبالتالي فالديبلوماسية المغربية الأمريكية ينبغي أن تتجاوز ما هو أمني عسكري استخباراتي ليصل إلى مجالات أعمق على المستوى العلمي والثقافي، سوف يكون لها تأثير كبير في تغيير العقليات عبر برامج وإقامات لغوية للمغاربة و لما لا إنشاء مراكز أبحاث علمية مشتركة Think- tank تكون بمثابة مؤسسات للتأثير والضّغط Lobbying لخدمة المصالح المشتركة للبلدين ولولوج شتّى مجالات البحث العلمي والرفع من وتيرة التّعاون الأكاديمي والتكنولوجي.
توّج مسار اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصّحراء ومخطّط الحكم الذاتي، لكن ظلت نقطة معلّقة إلى يومنا هذا وهو "فتح قنصليّة جديدة" في الداخلة، رغم أن موقف أمريكا لم يتغيّر، واستكمال الإتفاق لم يتمّ بعد. كيف تقرأ ذلك؟.
حينما قدّم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامبّ» مبادرة اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصّحراء وجدّية مبادرة مخطّط الحكم الذّاتي، مقابل استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل. وبالرغم من التغيّر في الإدارة الأمريكية، ووصول «جون بايدن» من الحزب الديمقراطي الى سدة الحكم، وحفاظا على استمرارية القرارات السيادية للدولة الأمريكية واصلت الإدارة الأمريكية التنسيق مع المغرب، مقابل تجاهل الجزائر، ومقابل قرارات تصب في اتجاه تقريع وانتقاد الجزائر لكونها ارتمت في أحضان الحليف الروسي من خلال التسلح الروسي، والأدوار التي تقوم بها في أزمات المنطقة.
هذه التحفّظات تترجم استمرار واشنطن ثقتها في المغرب كحليف استراتيجي ثابت وموثوق فيه. وبخصوص عدم فتح واشنطن لقنصلية أمريكية في الداخلة كما وعدت بدلك في عهد ترامب، يرجع ربما لاهتمام الإدارة الأمريكية بتفعيل الدينامية الجديدة للمغرب من خلال بوابة التّعاون العسكري والأمني، ومن بوابة تشجيع الإستثمار، خاصة في المناطق الجنوبية، ودعم هاته الشراكة الناجحة، شراكة تقوم على إنجاح المشاريع الإقتصادية المشتركة.
لكن بالمقابل قد لا تريد واشنطن أيضا في ظل سياسة التوازن بين المغرب والجزائر «شريك اقتصادي لواشنطن» أن تتخذ هذا القرار في هذا الوقت بالذّات، حيث تواصل واشنطن سياسة فصل المسار بين الإعتراف واستمرار التسوية الأممية، فالولايات المتحدة الأمريكية قد تدفع لنجاح مشاورات «ديميستورا» ومحاولة جمع الأطراف حول طاولة المفاوضات ، لأنه مباشرة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصّحراء هناك العديد من الدّول تراجعت عن مواقفها السابقة، وأشادت بمبادرة الحكم الذاتي من قبيل ألمانيا وإسبانيا التي أشادت بمبادرة الحكم الذاتي في قضية الصحراء المغربية، وتماهت مع القرار الأمريكي، مما يعني أن الأهم هو إنجاح هاته المساعي واختمار الفكرة لدى الأمم المتحدة في أزمة عمّرت أكثر من 40 عاما، وبالتالي فهي مسألة سياسية ومسألة أولويات.
كما أن الإدارة الأمريكية الحالية تنحو منحى جديدا ولها نهج مختلف في عدد من القضايا من قبيل الأزمات السورية واليمنية والليبية، فالإدارة الأمريكية تعرف بعدم تبنيها لقرارات حاسمة، وهو ما يظهر في طريقة التعاطي مع الأزمة الروسية الأوكرانية، فهناك تلكّؤ وعدم الرّغبة في مباشرة أي مبادرة ديبلوماسية إذا لم تقاس بمنطق المصلحة الأمريكية. وبالتّالي فربّما أرى أنّ عدم فتح القنصلية هو من باب الحسابات والقراءات النفعية التي تؤمن بها إدارة «بايدن» الأمريكية التي تتعامل بحذر شديد مع قضية الصّحراء المغربية وغيرها من الأزمات الدولية ، وإن كان المغرب يحتاج لهاته الخطوة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصّحراء ومخطط الحكم الذاتي. فهذا السّلوك الأمريكي يعود إلى طبيعة الإدارة الأمريكية التي لا تحسم في العديد من القرارات وربما تترك الأمور لإطالة الأمد لبعض القرارات حتى تتّضح الرؤى في المستقبل القريب.
حينما قدّم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامبّ» مبادرة اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصّحراء وجدّية مبادرة مخطّط الحكم الذّاتي، مقابل استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل. وبالرغم من التغيّر في الإدارة الأمريكية، ووصول «جون بايدن» من الحزب الديمقراطي الى سدة الحكم، وحفاظا على استمرارية القرارات السيادية للدولة الأمريكية واصلت الإدارة الأمريكية التنسيق مع المغرب، مقابل تجاهل الجزائر، ومقابل قرارات تصب في اتجاه تقريع وانتقاد الجزائر لكونها ارتمت في أحضان الحليف الروسي من خلال التسلح الروسي، والأدوار التي تقوم بها في أزمات المنطقة.
هذه التحفّظات تترجم استمرار واشنطن ثقتها في المغرب كحليف استراتيجي ثابت وموثوق فيه. وبخصوص عدم فتح واشنطن لقنصلية أمريكية في الداخلة كما وعدت بدلك في عهد ترامب، يرجع ربما لاهتمام الإدارة الأمريكية بتفعيل الدينامية الجديدة للمغرب من خلال بوابة التّعاون العسكري والأمني، ومن بوابة تشجيع الإستثمار، خاصة في المناطق الجنوبية، ودعم هاته الشراكة الناجحة، شراكة تقوم على إنجاح المشاريع الإقتصادية المشتركة.
لكن بالمقابل قد لا تريد واشنطن أيضا في ظل سياسة التوازن بين المغرب والجزائر «شريك اقتصادي لواشنطن» أن تتخذ هذا القرار في هذا الوقت بالذّات، حيث تواصل واشنطن سياسة فصل المسار بين الإعتراف واستمرار التسوية الأممية، فالولايات المتحدة الأمريكية قد تدفع لنجاح مشاورات «ديميستورا» ومحاولة جمع الأطراف حول طاولة المفاوضات ، لأنه مباشرة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصّحراء هناك العديد من الدّول تراجعت عن مواقفها السابقة، وأشادت بمبادرة الحكم الذاتي من قبيل ألمانيا وإسبانيا التي أشادت بمبادرة الحكم الذاتي في قضية الصحراء المغربية، وتماهت مع القرار الأمريكي، مما يعني أن الأهم هو إنجاح هاته المساعي واختمار الفكرة لدى الأمم المتحدة في أزمة عمّرت أكثر من 40 عاما، وبالتالي فهي مسألة سياسية ومسألة أولويات.
كما أن الإدارة الأمريكية الحالية تنحو منحى جديدا ولها نهج مختلف في عدد من القضايا من قبيل الأزمات السورية واليمنية والليبية، فالإدارة الأمريكية تعرف بعدم تبنيها لقرارات حاسمة، وهو ما يظهر في طريقة التعاطي مع الأزمة الروسية الأوكرانية، فهناك تلكّؤ وعدم الرّغبة في مباشرة أي مبادرة ديبلوماسية إذا لم تقاس بمنطق المصلحة الأمريكية. وبالتّالي فربّما أرى أنّ عدم فتح القنصلية هو من باب الحسابات والقراءات النفعية التي تؤمن بها إدارة «بايدن» الأمريكية التي تتعامل بحذر شديد مع قضية الصّحراء المغربية وغيرها من الأزمات الدولية ، وإن كان المغرب يحتاج لهاته الخطوة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصّحراء ومخطط الحكم الذاتي. فهذا السّلوك الأمريكي يعود إلى طبيعة الإدارة الأمريكية التي لا تحسم في العديد من القرارات وربما تترك الأمور لإطالة الأمد لبعض القرارات حتى تتّضح الرؤى في المستقبل القريب.