Saturday 17 May 2025
سياسة

عصام لعروسي: ثلاثة مداخل لفهم العلاقات الاستراتيجية بين المغرب وأمريكا

عصام لعروسي: ثلاثة مداخل لفهم العلاقات الاستراتيجية بين المغرب وأمريكا الدكتور عصام لعروسي، خبير في الشّؤون الإستراتيجية والأمنيّة وتسوية النّزاعات
يفكّك‭ ‬الدكتور‭ ‬عصام‭ ‬لعروسي،‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬الشّؤون‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬والأمنيّة‭ ‬وتسوية‭ ‬النّزاعات،‭ ‬تمظهرات‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بعد‭ ‬اعتراف‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬وبجدّية‭ ‬مخطط‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬وكذا‭ ‬مستقبل‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التّقاطبات‭ ‬والتّجاذبات‭ ‬الدولية‭".‬
‭ ‬وأوضح‭ ‬لعروسي‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬أسبوعية
‭ "‬الوطن‭ ‬الآن‭"‬‭ ‬أن‭  ‬الثقل‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬والأمني‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يشكّله‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حكامة‭ ‬أمنيّة‭ ‬جيدّة‭ ‬وعمل‭ ‬استخباراتي‭ ‬منظّم‭ ‬وموقعه‭ ‬الأساس‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬العربيّ‭ ‬والإفريقيّ،‭ ‬جعل‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تعي‭ ‬ذلك‭ ‬وتراهن‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬بل‭ ‬وتعمّق‭ ‬جوانب‭ ‬التّعاون‭ ‬العسكري‭ ‬والأمني‭ ‬والاستخباراتي‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬لصدّ‭ ‬خطر‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وبدول‭ ‬السّاحل‭".‬

يلاحظ‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬والولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬دخلا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تعميق‭ ‬التعاون‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬بينهما‭ ‬اتّخذ‭ ‬سرعة‭ ‬قياسية‭ ‬منذ‭ ‬2015‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬ما‭ ‬قراءتك‭ ‬لما‭ ‬حصل‭ ‬ويحصل؟‭.‬
أظنّ‭ ‬أن‭ ‬فهم‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتمّ‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فهم‭ ‬طبيعة‭ ‬هاته‭ ‬العلاقة‭ ‬وتفكيك‭ ‬مدخلاتها‭ ‬ومخرجاتها‭ ‬ومرتكزاتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬عمقها‭ ‬التاريخي‭ ‬أولا،‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬والجيوسيّاسي‭ ‬ثانيا‭.‬
يجب‭ ‬أخذ‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬البنيوية‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬وكذا‭ ‬تقاطع‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الامريكية‭ ‬مع‭ ‬نظيرتها‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الملفات،‭ ‬خاصّة‭ ‬وأن‭ ‬التّقارب‭ ‬المغربي‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ ‬بـ‭ ‬"اعتراف‭ ‬أمريكا‭ ‬بمغربية‭ ‬الصّحراء"‭ ‬بشكل‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬مفصلية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لقضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭.  ‬والجدير‭ ‬الذكر‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬لها‭ ‬عمق‭ ‬تاريخي‮ ‬كبير‭ ‬حيث‭ ‬ارتبط‭ ‬الملوك‭ ‬المغاربة‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بعلاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الندية،‭ ‬خاصّة‭ ‬خلال‭ ‬القرون‭ ‬الـ‭ ‬17‭ ‬و‭ ‬18‭ ‬و‭ ‬19‭ ‬و‭ ‬20‭. ‬وتطوّرت‮ ‬‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭  ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وبعد‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬باعتبار‭ ‬انتماء‭ ‬المغرب‭ ‬للمعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬واتّباع‭ ‬سياسات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ليبرالية‭ ‬مقابل‭ ‬تفادي‭ ‬الارتماء‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬المعسكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬بزعامة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭.‬‮ ‬
هذا‭ ‬العمق‭ ‬التاريخي‭ ‬والاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬يميز‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات،‭ ‬شكل‭ ‬حلقات‭ ‬متواصلة‭ ‬للتعاون‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬حيث‭ ‬سجّل‭ ‬فيها‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬والاستخباراتي‭ ‬الامريكي‭ ‬المغربي‭ ‬ذروته،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭  ‬ترسيم‭ ‬مواعيد‭ ‬قارة‭ ‬لهذا‭ ‬التعاون‭ ‬البناء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مناورات‭ ‬الأسد‭ ‬الافريقي‭ ‬التي‭ ‬تجرى‭ ‬سنويا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬والتّنسيق‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬بشأن‭ ‬التهديدات‭ ‬الإرهابية‭ ‬،‭ ‬وأيضا‭ ‬تنسيق‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬والتكتيكات‭ ‬العسكرية‭ ‬واقتناء‭ ‬العتاد‭ ‬العسكري‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬يحاول‭ ‬المغرب‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬التّقاطبات‭ ‬الدّولية،‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحه‭ ‬الحيوية‭.‬
وشكلت‭ ‬الفترة‭ ‬الاخيرة‭ ‬توقيع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اتفاقيات‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬و‭ ‬واشنطن‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬التبادل‭ ‬الحر‭ ‬سنة‭ ‬2004‭ ‬وتم‭ ‬تدعيم‭ ‬هذه‭ ‬الشراكة‭ ‬والتسريع‭ ‬من‭ ‬وتيرتها‭  ‬حينما‭ ‬تمّ‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمنيّة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬سنة‭ ‬2015،‭ ‬تم‭ ‬تثمينها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭. ‬وتوالى‭ ‬التنسيق‭ ‬والمشاورات‭ ‬والزيارات‭ ‬طيلة‭ ‬السنوات‭ ‬الاخيرة‭.‬
‮ ‬شهدت‭ ‬هذه‭ ‬الوثيرة‭ ‬خلال‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تعميق‮ ‬‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬السّرعة‭ ‬القياسية،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‮ ‬‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لها‭ ‬أهداف‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المتوسّط‭ ‬وفي‭ ‬القارة‭ ‬الافريقية‭ ‬وما‭ ‬تعرفه‭ ‬منطقة‭ ‬شمال‭ ‬افريقيا‭ ‬والساحل‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭ ‬وعدم‭ ‬استقرار،‭ ‬واعترافا‭ ‬بالدور‭ ‬المغربي‭ ‬المحوري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬فهو‭ ‬أصبح‭ ‬بفضل‭ ‬الاختراقات‭ ‬الهامة‭ ‬للقارة‭ ‬الافريقية‭ ‬والديناميات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اعتمادها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الرباط،‭ ‬منصة‭ ‬رئيسية‭ ‬لإطلاق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭  ‬وصلة‭ ‬الوصل‭ ‬الأساسية‭ ‬بين‭ ‬أوروبا‭ ‬والقارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وبالتّالي‭ ‬المغرب‭ ‬له‭ ‬ميزة‭ ‬جغرافية‭ ‬جيوسيّاسية،‭ ‬ممّا‭ ‬حدا‭ ‬بالولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتطوير‭ ‬حجم‮ ‬‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬بالنّظر‭ ‬للوزن‭ ‬والثّقل‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للمغرب،‭ ‬واستقرار‭ ‬المملكة‭ ‬واستقلال‭ ‬وتحرر‭ ‬القرار‭ ‬المغربي‭ ‬السّيادي‭ ‬من‭ ‬الدوائر‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والثقافة،‭ ‬مما‮ ‬‭ ‬مكّنه‭ ‬من‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬تجاذبات‭ ‬وتأُثيرات‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬فرنسا‭ ‬وإسبانيا‭.‬
وأظنّ‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تعطي‭ ‬الاولوية‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬وسياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬لكل‭ ‬الأسباب‭ ‬ولاعتبارات‭ ‬الأنفة‭ ‬الذكر‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتّهديدات‭ ‬الأمنية‮ ‬‭ ‬واندلاع‭ ‬الأزمات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الافريقية،‭ ‬خاصّة‭ ‬مخاطر‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وفي‭ ‬ظلّ‭ ‬الحرب‭ ‬الرّوسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬أزمات‭ ‬الرّبيع‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ومنطقة‭ ‬السّاحل‭ ‬جنوب‭ ‬الصّحراء،‭ ‬فالمغرب‭ ‬بالنّسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬باعتبار‭ ‬أنّ‭ ‬اتّفاق‭ ‬2020‭ ‬الموقّع‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬شكّل‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وتم‭ ‬تثمين‭ ‬المواقف‭ ‬المغربية‭ ‬الأمريكية‭ ‬توّج‭ ‬بتأكيد‭ ‬اعتراف‭ ‬أمريكيا‭ ‬بمغربية‭ ‬الصّحراء‭.‬
 
من‭ ‬خلال‭ ‬تفحّص‭ ‬مسار‭ ‬التّعاون‭ ‬واللقاءات‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬بروفايلات‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬يملأون‭ ‬المشهد،‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬الحقل‭ ‬الأمني‭ ‬العامّ‭ ‬(القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬الأجهزة‭ ‬الاستخباراتية‭  ‬والأمنية‭..‬)‭ ‬في‭ ‬كلتا‭ ‬الدولتين‭. ‬لماذا؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬مخاطر‭ ‬تهدد‭ ‬أمريكا؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬خوف‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬له‭ ‬موقع‭ ‬راسخ‭ ‬والأقوى‭ ‬في‭ ‬الحكامة‭ ‬الأمنية‭  ‬والإستخباراتية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬الإفريقي‭ ‬والعربي؟‭.‬
بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬معاينة‭ ‬مسارات‭ ‬وأبعاد‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬يتضح‭ ‬تركيز‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬مجالي‭ ‬التّعاون‭ ‬الأمني‭ ‬والإستخباراتي‭ ‬وتطوير‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬المصالح‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والاستخباراتية،‭ ‬وتعمل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬السيادية‭ ‬للتنسيق‭ ‬بين‭ ‬الطّرفين‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬حارقة‭ ‬ترتفع‭ ‬حدّتها‭ ‬مع‭  ‬تطور‭ ‬الأحداث‭ ‬الاقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬ومع‭ ‬تغير‭ ‬بنيات‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬والتغيرات‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬المنطقة‭. ‬

من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالجوانب‭ ‬الامنية‭ ‬والجيوسياسية‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬واشنطن‭ ‬بالمغرب:
- أولا:‭ ‬التّنافس‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬القارة‭ ‬الافريقية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬جغرافية‭ ‬جاذبة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬أمريكا‭ ‬تفكّر‭ ‬في‭ ‬الاستعانة‭ ‬والاشتغال‭ ‬والتنسيق‭ ‬مع‭ ‬فاعل‭ ‬إقليمي‭ ‬وازن‭ ‬لتحقيق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭  ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬حلحلة‭ ‬بعض‭ ‬الأزمات،‭ ‬وهناك‭ ‬تنسيق‭ ‬متواصل‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التدريبات‭ ‬والتّزود‭ ‬بالعتاد‭ ‬والأسلحة‭ ‬خاصّة‭ ‬بالنّسبة‭ ‬للجيش‭ ‬المغربي،‭ ‬تجسّدها‭ ‬عملية‭ ‬"الأسد‭ ‬الأفريقي"‭ ‬السّنوية،‭ ‬وعمليات‭ ‬مماثلة‭ ‬مشتركة‭ ‬أخرى‭. ‬
وسجّلت‭ ‬السنتين‭ ‬الأخيرتين‭ ‬أيضا،‭ ‬قدوم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمنيين‭ ‬والإستخباراتيّين‭ ‬الأمريكان‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬ممّا‭ ‬يترجم‭ ‬هذه‭ ‬المجهودات،‭ ‬ومعها‭ ‬الأهداف‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬التي‭ ‬تتقاطع‭ ‬مع‭ ‬الهواجس‭ ‬الأمنيّة‭ ‬للمغرب،‭ ‬والذي‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬التّصدي‭ ‬للمخاطر‭ ‬الأمنيّة‭ ‬المحتملة‭ ‬والمتوقّعة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬عبر‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬واصطفافات‭ ‬وازنة‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المخاطر‭ ‬المحدقة‭ ‬بالمملكة،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬قامت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الامريكية‭ ‬بإنجاز‭ ‬صفقة‭ ‬لبيع‭ ‬صواريخ‭ ‬"هيمارس"‭ ‬للمغرب،‭ ‬وهو‭ ‬سلاح‭ ‬نوعي‭ ‬هامّ‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الرّدع‭ ‬العسكري‭ ‬ولقطع‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬تزود‭ ‬المغرب‭ ‬بالأسلحة‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬و‭ ‬روسيا‭.‬
 
- ثانيا‭:‬ ‬الإهتمام‭ ‬الأمريكي‭  ‬بالجوانب‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬يرجع‭ ‬لطبيعة‭ ‬المنطقة‭ ‬المقسّمة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التّقاطبات‭ ‬والتّنافس‭ ‬الدّولي‭ ‬الذي‭ ‬تتنازعه‭ ‬روسيا‭ ‬والصّين‭ ‬وإيران‭ ‬عبر‭ ‬تحالفات‭ ‬صاعدة،‭ ‬وتشكل‭ ‬قضية‭ ‬الصّحراء‭ ‬المغربيّة‭ ‬بمثابة‭ ‬«حصان‭ ‬طروادة»‭ ‬للجزائر‭ ‬التي‭ ‬تستغلّ‭ ‬«بوليساريو»‭ ‬للقيام‭ ‬بقلاقل‭ ‬واضطرابات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وتصريف‭ ‬الأجندة‭ ‬الجزائرية‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬الرّاغبة‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭ ‬واعتباره‭ ‬البوابة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لبسط‭ ‬النفوذ‭ ‬الجزائري‭ ‬عبر‭ ‬توظيف‭ ‬مليشيا‭ ‬إرهابية‭ ‬محكوم‭ ‬عليها‭ ‬بالفشل‭.‬
 
- ثالثا:‭ ‬هناك‭ ‬اعتبار‭ ‬آخر،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الثقل‭ ‬الأستراتيجي‭ ‬والأمني‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يشكّله‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حكامة‭ ‬أمنيّة‭ ‬جيدّة‭ ‬وعمل‭ ‬استخباراتي‭ ‬منظّم‭ ‬وموقعه‭ ‬الأساس‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬العربيّ‭ ‬والإفريقيّ‭. ‬والمغرب‭ ‬بلد‭ ‬مجهودات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وهذا‭ ‬تعيه‭ ‬جيّدا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وترؤسه‭  ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬هيئة‭ ‬دولية‭ ‬لمحاربة‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬صحبة‭ ‬دول‭ ‬إقليمية‭ ‬كبرى،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬احتضان‭ ‬المغرب‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬اللقاءات‭ ‬والمنتديات‭ ‬الدولية‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬الأممية‭ ‬لتطوير‭ ‬أسس‭ ‬التّعاون‭ ‬لمحاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬سواء‭ ‬تعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بمحاربة‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬المتطرّفة،‭ ‬أو‭ ‬المخاطر‭ ‬المتصاعدة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬مضطربة‭ ‬بدول‭ ‬السّاحل‭ ‬جنوب‭ ‬الصّحراء‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬إرهابية‭ ‬وجماعات‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظّمة‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود،‭ ‬خاصة‭ ‬«داعش»‭ ‬و«القاعدة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭ ‬الإسلامي»،‭ ‬و«المرابطين»‭ ‬وغيرها‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدّول‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الجزائر‭ ‬تشجع‭ ‬وجود‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‮ ‬‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬
 
يسجّل‭ ‬مراقبون‭ ‬صلابة‭ ‬التّعاون‭ ‬الديبلوماسي‭ ‬الأمني‭ ‬العسكري‭ ‬الإستخباراتي‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬مقابل‭ ‬تعاون‭ ‬محتشم‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬والإقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬والهجرة،‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬وما‭ ‬خلفياته؟‭.‬
حينما‭ ‬نحاول‭ ‬قياس‭ ‬حجم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والمغرب‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬الأمني‭ ‬والسّياسي‭ ‬والإستخباراتي‭ ‬والعسكري‭ ‬يحتلّ‭ ‬نصيب‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬العلاقات،‭ ‬بينما‭ ‬الجانب‭ ‬الإقتصادي‭ ‬والثقافي‭ ‬والاكاديمي‭ ‬والبحثي‭ ‬والعلمي‭ ‬يشغل‭ ‬اهتماما‭ ‬أقلّ‭. ‬وهذا‭ ‬ربّما‭ ‬يعود‭ ‬للبعد‭ ‬الجغرافي‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬ولأسباب‭ ‬تاريخية‭ ‬أيضا‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬شركاء‭ ‬المغرب‭ ‬هم‭ ‬القريبون‭ ‬منه‭ ‬جغرافيا‭ ‬حيث‭ ‬يرتبط‭ ‬المغرب‭ ‬بشراكات‭ ‬تفضيلية‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وعلاقات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وديمغرافية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مع‭  ‬دول‭ ‬تقليدية‭ ‬كإسبانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬مثلا‭.‬
وفي‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم،‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬مغربية‭ ‬لاقتباس‭ ‬نجاح‭ ‬النّماذج‭ ‬الأنكلوساكسونيّة،‭ ‬خاصّة‭ ‬النّموذج‭ ‬الأمريكي،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬اللّغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬لغة‭ ‬عالمية،‭ ‬وأن‭ ‬كلّ‭ ‬المعارف‭ ‬والإنتاجات‭ ‬العلميّة‭ ‬تتمّ‭ ‬باللّغة‭ ‬الإنجليزية‭. ‬فالمغرب‭ ‬يتفاعل‭ ‬حاليا‮ ‬‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المتغير‮ ‬‭ ‬يحاول‭ ‬التخلّص‭ ‬من‭ ‬العباءة‭ ‬والوصاية‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬المصدر‭ ‬الأساسي‭ ‬للتجارب‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬قطاعي‭ ‬التّربية‭ ‬الوطنية‭ ‬والتّعليم‭ ‬العالي‭ ‬والبحث‭ ‬العلميّ،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬وجود‭ ‬جيوب‭ ‬للرفض‭ ‬من‭ ‬نخب‭ ‬مغربية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬الرافد‭ ‬الفرنكفوني‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬أزمة‭ ‬انحصار‭ ‬وتقزيم‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬أصبحت‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬حرج‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفض‭ ‬النخب‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬للوصاية‭ ‬الفرنسية‭ ‬السياسية‭ ‬والإقتصادية‭ ‬والثّقافية‭ ‬اللّغوية‭.‬
وربّما‭ ‬ستكشف‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬تغييرا‮ ‬‭ ‬وتوجّها‭ ‬في‭ ‬البوصلة‭ ‬المغربية‭  ‬نحو‭ ‬الثّقافة‭ ‬الأنجلوساكسونية‭ ‬التي‭ ‬تقدّم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المخرجات‭ ‬وفي‭ ‬شتّى‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية‭ ‬والتكنولوجية‭. ‬فالمغرب‭ ‬ينهج‭ ‬سياسة‭ ‬تنويع‭ ‬الشركاء،‭ ‬ويحاول‭ ‬تغيير‭ ‬العقلية‭ ‬الفرنكوفونية‭ ‬بعقليات‭ ‬أخرى‮ ‬‭ ‬تشجّع‭ ‬على‭ ‬التّنافس‭ ‬العالمي‭ ‬والمبادرة‭ ‬والابداع،‭ ‬لتنجح‭ ‬في‭ ‬حلّ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المعضلات‭ ‬تهم‭ ‬التّقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬والعلمي‭ ‬والأكاديمي‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭.‬
أظن‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬معيقات‭ ‬تحقيق‭ ‬طفرة‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬الأمريكي‭ ‬المغربي‭ ‬هو‭ ‬البعد‭ ‬الجغرافي،‭ ‬وحتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لموضوع‭ ‬الهجرة‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لهجرة‭ ‬مؤثرة‭  ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬"Morocco`s Diaspora"،‭ ‬وسط‭ ‬نهج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سياسة‭ ‬انتقائية‭ ‬لسياسة‭ ‬الهجرة‭ ‬واللجوء‭. ‬وحتى‭ ‬النماذج‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تقدّم‭ ‬نفسها‭ ‬كنخب‭ ‬وتجارب‭ ‬فردية‭ ‬ناجحة‭ ‬وليس‭ ‬كجماعة‭ ‬بشرية‭ ‬مؤثرة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الجماعة‭ ‬الصينية‭ ‬أو‭ ‬الهندية‭ ‬واللاثينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استكمال‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التعاون‭ ‬العلمي/البحثي،‭ ‬وخلق‭ ‬دينامية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وتدعيم‭ ‬أسس‭ ‬الهجرة‮ ‬‭ ‬نحو‭ ‬البلاد‭ ‬الأمريكية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الطّلاب‭ ‬المغاربة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالديبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أمني‭ ‬عسكري‭ ‬استخباراتي‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‮ ‬‭ ‬مجالات‭ ‬أعمق‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العلمي‭ ‬والثقافي،‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‮ ‬‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬العقليات‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬وإقامات‭ ‬لغوية‭ ‬للمغاربة‭ ‬و‭ ‬لما‭ ‬لا‭ ‬إنشاء‭ ‬مراكز‭ ‬أبحاث‭ ‬علمية‭ ‬مشتركة‭ ‬Think- tank‭ ‬تكون‭ ‬بمثابة‭ ‬مؤسسات‭ ‬للتأثير‭ ‬والضّغط‭  ‬Lobbying‭ ‬لخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬للبلدين‭ ‬ولولوج‭ ‬شتّى‭ ‬مجالات‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬وتيرة‭ ‬التّعاون‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والتكنولوجي‭.‬
 
‬توّج‭ ‬مسار‭ ‬اعتراف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بمغربية‭ ‬الصّحراء‭ ‬ومخطّط‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬لكن‭ ‬ظلت‭ ‬نقطة‭ ‬معلّقة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬وهو‭ ‬"فتح‭ ‬قنصليّة‭ ‬جديدة"‭ ‬في‭ ‬الداخلة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬أمريكا‭ ‬لم‭ ‬يتغيّر،‭ ‬واستكمال‭ ‬الإتفاق‭ ‬لم‭ ‬يتمّ‭ ‬بعد‭.  ‬كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬ذلك؟‭.‬
حينما‭ ‬قدّم‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬«دونالد‭ ‬ترامبّ»‭ ‬مبادرة‭ ‬اعتراف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بمغربية‭ ‬الصّحراء‭ ‬وجدّية‮ ‬‭ ‬مبادرة‭ ‬مخطّط‭ ‬الحكم‭ ‬الذّاتي،‭ ‬مقابل‭ ‬استئناف‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وإسرائيل‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬التغيّر‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ووصول‭ ‬«جون‭ ‬بايدن»‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬وحفاظا‭ ‬على‭ ‬استمرارية‭ ‬القرارات‭ ‬السيادية‭ ‬للدولة‭ ‬الأمريكية‭ ‬واصلت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬مقابل‭ ‬تجاهل‭ ‬الجزائر،‭ ‬ومقابل‭ ‬قرارات‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬تقريع‭ ‬وانتقاد‭ ‬الجزائر‭ ‬لكونها‭ ‬ارتمت‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬الحليف‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التسلح‭ ‬الروسي،‭ ‬والأدوار‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬المنطقة‭. ‬
هذه‭ ‬التحفّظات‭ ‬تترجم‭ ‬استمرار‭ ‬واشنطن‮ ‬‭ ‬ثقتها‭ ‬في‮ ‬‭ ‬المغرب‭ ‬كحليف‭ ‬استراتيجي‭ ‬ثابت‭ ‬وموثوق‭ ‬فيه‭. ‬وبخصوص‭ ‬عدم‭ ‬فتح‭ ‬واشنطن‭ ‬لقنصلية‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬الداخلة‭ ‬كما‭ ‬وعدت‭ ‬بدلك‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ترامب،‭ ‬يرجع‭ ‬ربما‭ ‬لاهتمام‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بتفعيل‮ ‬‭ ‬الدينامية‭ ‬الجديدة‭ ‬للمغرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بوابة‭ ‬التّعاون‭ ‬العسكري‭ ‬والأمني،‭ ‬ومن‭ ‬بوابة‭ ‬تشجيع‭ ‬الإستثمار،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الجنوبية،‭ ‬ودعم‭ ‬هاته‭ ‬الشراكة‭ ‬الناجحة،‭ ‬شراكة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬إنجاح‭ ‬المشاريع‭ ‬الإقتصادية‭ ‬المشتركة‭.‬
لكن‭ ‬بالمقابل‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬واشنطن‭  ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سياسة‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬«شريك‭ ‬اقتصادي‭ ‬لواشنطن»‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذّات،‭  ‬حيث‭ ‬تواصل‭ ‬واشنطن‭ ‬سياسة‭ ‬فصل‭ ‬المسار‭ ‬بين‭ ‬الإعتراف‭ ‬واستمرار‭ ‬التسوية‭ ‬الأممية،‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭  ‬لنجاح‭ ‬مشاورات‭ ‬«ديميستورا»‭ ‬ومحاولة‭ ‬جمع‭ ‬الأطراف‭ ‬حول‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬،‭ ‬لأنه‮ ‬‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بمغربية‭ ‬الصّحراء‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدّول‭ ‬تراجعت‭ ‬عن‭ ‬مواقفها‭ ‬السابقة،‭ ‬وأشادت‭ ‬بمبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬ألمانيا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬التي‭ ‬أشادت‭ ‬بمبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬وتماهت‭ ‬مع‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬إنجاح‭ ‬هاته‭ ‬المساعي‭ ‬واختمار‭ ‬الفكرة‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬عمّرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬عاما،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬مسألة‭ ‬سياسية‭ ‬ومسألة‭ ‬أولويات‭. ‬
كما‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحالية‭ ‬تنحو‭ ‬منحى‭ ‬جديدا‭ ‬ولها‭ ‬نهج‭ ‬مختلف‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الأزمات‭ ‬السورية‭ ‬واليمنية‭ ‬والليبية،‭ ‬فالإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تعرف‭ ‬بعدم‭ ‬تبنيها‭  ‬لقرارات‭ ‬حاسمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬فهناك‮ ‬‭ ‬تلكّؤ‭ ‬وعدم‭ ‬الرّغبة‮ ‬‭ ‬في‭ ‬مباشرة‭ ‬أي‭ ‬مبادرة‭ ‬ديبلوماسية‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تقاس‭ ‬بمنطق‭ ‬المصلحة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وبالتّالي‭ ‬فربّما‭ ‬أرى‭ ‬أنّ‭ ‬عدم‭ ‬فتح‭ ‬القنصلية‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحسابات‭ ‬والقراءات‭ ‬النفعية‭ ‬التي‭ ‬تؤمن‭ ‬بها‭ ‬إدارة‭ ‬«بايدن»‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬بحذر‭ ‬شديد‭ ‬مع‭ ‬قضية‭ ‬الصّحراء‭ ‬المغربية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‭ ‬،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬يحتاج‮ ‬‭ ‬لهاته‭ ‬الخطوة‭ ‬بعد‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بمغربية‭ ‬الصّحراء‭ ‬ومخطط‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭. ‬فهذا‭ ‬السّلوك‭ ‬الأمريكي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحسم‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬وربما‭ ‬تترك‭ ‬الأمور‭ ‬لإطالة‭ ‬الأمد‭ ‬لبعض‭ ‬القرارات‭ ‬حتى‭ ‬تتّضح‭ ‬الرؤى‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭.‬