شكلت تطبيقات التواصل الاجتماعي أداة معتمدة في كثير من الصراعات السياسية والقضايا الاجتماعية في مختلف دول العالم، وغدت جزءا من الصراعات التي تخوضها جماعات التطرف العنيف. وطيلة العقدين الأول والثاني من القرن 21 تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى سلاح مركزي في معارك هذه التنظيمات خاصة بعد أن تمت محاصرتها على أرض الواقع. فتمكنت هذه التنظيمات من التعامل مع الإمكانيات التي تتيحها الشبكات الاجتماعية، من خلال استقطاب أعداد كبيرة من المتعاطفين والمناصرين لها. وكان لافتا أنها توجهت إلى المراهقين والشباب.
وعرفت رحاب جامعة محمد الخامس بكلية علوم التربية في مؤخرا، مناقشة أطروحة الدكتوراة، في موضوع: "الشبكات الاجتماعية وتشكيل التطرف العنيف، محاولة رصد تمثلات الشباب لقضايا الجهاد الإلكتروني، شباب مدينة سلا نموذجا"، أعدها الباحث نور الدين بنمالك.
وعرفت رحاب جامعة محمد الخامس بكلية علوم التربية في مؤخرا، مناقشة أطروحة الدكتوراة، في موضوع: "الشبكات الاجتماعية وتشكيل التطرف العنيف، محاولة رصد تمثلات الشباب لقضايا الجهاد الإلكتروني، شباب مدينة سلا نموذجا"، أعدها الباحث نور الدين بنمالك.
صرح المدير المركزي للشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن لوطني، محمد الدخيس، في حوار نشر في العدد 444 من مجلة “الأمن والحياة“ بأن الأمن المغربي أصبح يعطي أهمية كبيرة لمواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للحد من الجريمة، وأن الأمن الوطني المغربي يكثف مجهودات مراقبته عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول مروجي الفكر المتطرف. هل فعلا هناك حضور قوي لجماعات التطرف العنيف في وسائل التواصل الاجتماعي؟
فعلا على مدار سبع سنوات الأخيرة، وهي مدة اشتغالي على رسالة دكتوراة في الموضوع بجامعة محمد الخامس، أكدت جميع المقابلات تقريبا التي أجريناها مع عينة من الشباب الذين سبق لهم أن انضموا لهذه التيارات، أن عملية التجنيد الإلكتروني تنشط في صفوف المعتقلين السابقين والمتشبعين بالأفكار الجهادية. كما أن العملية تستمر مع كل متصل به حيث يتولى بدوره نشر أفكار التنظيم ويعمل على تجنيد غيره من الشباب، وبعد التأكد من ولائه تتم إسناد قيادة خلية له في بلاده قبل أن يسافر للانضمام للتنظيم في سوريا.
فجميع الشباب الذين ذهبوا إلى سوريا ثم عادوا إلى المغرب أو ممن لا يزالون هناك، يروون قصصا متطابقة عن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في عملية التسويق للجهاد في سوريا، في العقد الثاني من هذا القرن، حيث يقوم عدد من الشباب ممن التحقوا بساحات المعارك أو ممن هم في الطريق إليها عبر صفحاتهم على شبكة “الفيسبوك“، ويتواصلون بشكل يومي مع أصدقائهم المغاربة لتحفيزهم على الالتحاق بهم. وقد قامت هذه التنظيمات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، عبر استراتيجيات محكمة، بتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب ذكورا وإناثا. سواء عبر موقع “الفيسبوك“ من خلال حسابات مستعارة، او تطبيق “تيليغرام“.
من خلال أطروحتك واشتغالك الميداني، هل توصلت إلى طرق وتكتيكات استغلال شبكات التواصل الاجتماعي من طرف هذه التنظيمات؟
اللافت في الأمر أن طرق اشتغال هذه التنظيمات ليست بتقليدية، ففي بعض المقابلات وقفنا على جزء من هذه التكتيكات، حيث يبدأ مسلسل الاستقطاب عبر الاهتمام بالحسابات التي تتميز بطابع ديني من خلال منشورات تشير إلى أن من وراء هذا الحساب شخص متدين. ثم إذا تبين من منشوراته أنه يناصر القدس مثلا وقضايا الأمة أو يتعاطف مع الجهاديين، هنا يباشرون الحساب عمليا فيكثرون من التفاعل معه عبر تسجيل “إعجابات“؛ مشاركات؛ تعليقات؛ دعاية للحساب.. حتى يكون أكثر نشاطا ومتابعة. ثم بعد فترة من ذلك يبادرون إلى الدردشة مع صاحب الحساب المستهدف، ويشرعون بالنصح أو التوجيه أو الاستفسار عن مسألة شرعية معينة.. يوما بعد يوم تبدأ نقاشات العقيدة، واستكناه مواقف المعني من قضايا التوحيد، البدعة، الولاء والبراء، الحاكمية، الجاهلية.. ما أن يطمئن المستقطب للمستقطب حتى يبدأ في التعارف على المستوى الشخصي، وهنا يتعرفون على نقاط ضعفه من قوته فإن كان وحيدا ملؤوا وحدته.. وإن كان محتاجا ساعدوه ماليا وإن كان مضطربا أرشدوه حتى يتكون رابط قوي.. وعند هذه الفترة ينصحونه بالهجرة إليهم في سوريا". حسب ما أكدت لنا بعض الشهادات.
هذا يعني أن الشباب المغربي الذي سقط في هذا الفخ كان عددهم كبيرا؟
هذا صحيح، يكفي أن نشير إلى أن من أبرز الجماعات الجهادية التي استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي في الدعاية والتجنيد نجد “حركة شام الإسلام“. والتي استطاعت بذلك أن تستقطب المئات من الشباب المغاربة منذ صيف 2013، وضمت بحسب بعض التقديرات أزيد من 700 مقاتل مغربي شكلوا عمودها الفقري، بقيادة “إبراهيم بن شقرون“، المعتقل السابق في سجن “غوانتانامو“. الذي اشتهر بلقب “أبو أحمد المغربي“ وكذا بلقب “أمير الاقتحاميين“ واعتبر الشخصية الأكثر تأثيرا على المتطوعين المغاربة الذين توجهوا للقتال في سوريا، ولاسيما من فئة المعتقلين السلفيين السابقين ممن ربطته معهم علاقات صداقة في السجون المغربية.
هذا رقم كبير، كيف حصل ذلك؟
خلال مقابلة مع أحد أعضاء هذه الحركة، يحمل اسم “ياسين أبو إبراهيم“ كان عضوا في الخلية الإعلامية للحركة والمكلف بتصوير المعارك، وتسويقها على مواقع التواصل الاجتماعي، كشف لنا كيف وظف تنظيم “بنشقرون“ الشبكات الاجتماعية وخاصة “فايسبوك وتوتير“ من أجل استقطاب الجهاديين المغاربة الذي خرجوا من السجون المغربية على خلفية قضايا تتعلق بالإرهاب من أجل أن يلتحقوا للقتال في سوريا، ومن أبرزهم “محمد العلمي السليماني“ الذي كان يعتبر من رموز السلفية الجهادية بفاس، وكان بدوره من قدماء سجن “غوانتانامو“ وسلم للمغرب في عام 2006 وأفرج عنه من السجون المغربية في عام 2011، ليسافر بدوره مباشرة إلى سوريا، حيث لقي حتفه مع عشرات المغاربة خلال المواجهات الأخيرة مع النظام السوري في محافظة اللاذقية.
بالرغم من هدوء شخصيته، فإن بنشقرون تميز براديكالية نظرته للدين ولواقع المغرب وبلدان العالم الإسلامي، وعبر من خلال وثيقة أطلق عليها “ميثاق حركة شام الإسلام“ كما أكد لنا ذلك أحد أتباعه خلال مقابلة لنا به، صحة ما نسب فيها إليه، والتي اعتبر فيها أن “مبادئ الديمقراطية تعد كفرا بالله تعالى، ومعتقدا مناقضا لشريعة رب العالمين..“ بل تعتبر “الدعوة إليها وممارستها عملا من أعمال الكفر يأثم صاحبه إثما قد يصل به إلى الخروج من دائرة الإسلام، وذلك بحسب اعتقاده بها ونوع ممارسته لها ونصيبه من الإعذار بالجهل والتأول“.
وقد اشتهر من قيادات “حركة شام الإسلام إلى جانب “أبو أحمد المغربي“ كل من “أبو حمزة المغربي“ “القائد العسكري والميداني للحركة“ و“أبو أديب المغربي“ و“صخر أندرون الأنصاري“ و“أبو الأشبال المغربي“ و“خالد أندرون الأنصاري“ و“رضوان طنجاوي“ و“عادل غلام أبو ولاء المغربي“، و“أمير في ريف اللاذقية“ المدعو “ستافي النصر عبد المحسن الشارخ“، و“باسم داوود الأنصاري“، و“ﺍﺑﻮآﺩﻡ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ“ و“أبو رواء المهاجر“ أغلبهم قادة مغاربة في التنظيم قتلوا في المعارك الدائرة مع النظام السوري في ريف اللاذقية.
ويعتبر “محمد مزوز“ من الأسماء “الجهادية“ المعروفة، حيث خاض تجارب قتالية إلى جانب “أسامة بن لادن“، وكان أحد أبرز معتقلي “سجن غوانتنامو“ وأحد مؤسسي “حركة شام الإسلام“ بسوريا، وقد ظهر مطلع السنة الجارية في شريط فيديو يحرض الشباب المغربي على “الالتحاق بالجهاد“ في أرض سوريا ومبايعة “أمراء حركة شام الإسلام“.
لكن كيف استطاع هذا التنظيم تكثيف نشاطه بهذا الشكل في غفلة من الجميع؟
كما سبق أن أشرت لقد شكل المعتقلون السابقون في قضايا متعلقة بالإرهاب مادة اشتغال هذا التنظيم، فمحدثي نفسه “أبو إبراهيم“ سبق أن اعتقل في المغرب سنة 2006 ضمن خلية مكونة من 13 فرد من مدينة الدار البيضاء، وجهت لهم تهم التحضير للقيام بأعمال إرهابية، في إطار تكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب تلك الاعمال، والمشاركة في مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام، والاعتداء على حياة الأشخاص. حيث أدين سنة 2008 بالسجن لمدة عشر سنوات “قضى منها خمس سنوات في السجن ثم أفرج عنه سنة 2011“.
فإعادة استقطابه مرة أخرى تم عبر شبكة الفايسبوك، حيث في الوقت الذي كان فيه “أبو إبراهيم“ يستعد لبداية مرحلة جديدة من عمره عبر الزواج والاستقرار في المغرب، بعد 5 سنوات من عمره قضاها في السجن، شاهد شريطا مصورا على موقع التواصل الاجتماعي، «فايسبوك»، يصور معركة جرت في سوريا، أطلق عيها “معركة بارودة“ سنة 2013. شاهد في هذا الشريط، مشاركة مجموعة من الشباب الذين يعرفهم، منهم “إبراهيم بنشقرون“، و“بوشتى المعطاوي“، و“أحمد السبيع“، و“نور الدين الأسمري“، و“محمد السليماني العلمي“. فشريط “الفايسبوك“ هذا دفع “أبو إبراهيم“ إلى إلغاء فكرة الاستقرار في المغرب، فقرر مباشرة بعد الزواج، الالتحاق بحركة “شام الإسلام“، بعد أن أقنع زوجته بمرافقته. وفي 20 شتنبر من سنة 2013 وصل “ياسين“ وزوجته الأراضي التركية ليجد أنه في نفس اليوم وصل معه من المغرب 15 شابا مغربيا، من دون أن يكون له سابق علم بذلك. تعرف على البعض منهم داخل المطار مثل “حمزة خلوفي“، و“حمادي أمزيان“، و“أمين لعرج“. توجهوا إلى أنطاكيا، ومنها إلى سوريا، حيث وجدوا شخصا سلم لكل واحد منهم مبلغ 50 أورو. ثم منحهم مؤونة كل أسبوعين وكذا مبلغ 100 دولار خصصت للمتزوجين.
وبعد انتهاء التداريب، كلف بالاشتغال في المركز الإعلامي لحركة “شام الإسلام“، ليقوم بمهمة تصوير غارات النظام السوري، على ريف اللاذقية، وإرسالها للجنة الإعلامية في مدينة حلب، والتي تعمل على توضيب ما تم تصويره، ونشره على “الفايسبوك وتويتر“. بعد أن وُفِّرت له تجهيزات عبارة عن حاسوبين محمولين، وثلاث كاميرات رقمية، إضافة إلى كاميرا مثبتة على سيارة، وطابعة، وجهاز استقبال.
نحن إذن أمام برنامج محكم لهذه التنظيمات في هذا المجال، ماهي معالمه؟
الاستقطاب وتجنيد الشباب المغاربة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان أمرا محوريا وحيويا لهذه الجماعات. فبعد نشر الفيديوهات على “الفيسبوك“ يتم رصد الأشخاص المتفاعلين مع الفيديوهات إما تعليقا أو تعبيرا عن الإعجاب، ويتم الدخول إلى صفحاتهم الشخصية والاطلاع على مضامينها وإعداد تقارير حولها، ثم بعد ذلك يتم التواصل مع الصفحات المختارة بعناية من أجل إقناعهم بالمجيء إلى سوريا، حيث كانت “حركة شام الإسلام“ خلال تلك الفترة تستقبل من 10 إلى 15 شخصا يوميا.
هذا بالنسبة للذكور، ماذا عن العنصر النسوي؟
الخلاصة المفاجأة التي توصلت إليها في هذا الباب، أن انضمام النساء لجماعات التطرف العنيف لا يتم دائما نتيجة الضغط والإكراه، بل في كثير من الأحيان يكون انضمامهن طواعية، نتيجة قناعة ايديولوجية ونظرا لتأثير الأقران، أو السعي للحرية والمغامرة والمشاركة في تأسيس دولة “الخلافة“ المزعومة، أو لتحقيق مكاسب مادية.
وتتعدد الأدوار التي قامت بها النساء المنخرطات في صفوف الحركات الجهادية المتطرفة، إذ قمن بحملات التجنيد الإلكترونية والدعم العملياتي وتمويل الجماعات المتطرفة، والإنجاب، وتمرير ايديولوجية التنظيمات المتطرفة عبر تعليم الأطفال، كما قمن بمهام عسكرية عهد بها إليهن من حمل السلاح والقيام بتفجيرات إرهابية، فقد عرفت المشاركة النسائية في العمليات الإرهابية، ارتفاعا ملحوظا لا من حيث العدد ومن حيث النوعية.
هل يمكن أن تبسط لنا أمثلة في هذا المجال؟
يمكن ان نستحضر هنا نساء شهيرات مثل “مليكة العروض“ الشهيرة باسم “أم عبيدة“ والتي كانت من بين أكثر نساء الحركات الجهادية المتطرفة شهرة وحضورا في وسائل الإعلام العالمية خلال العقدين الماضيين. حيث وضعتها جريدة “النيويورك تايمز“ في شهر ماي 2008 على رأس الجهاديات على شبكة الإنترنت. وقد صنفت “الأرملة السوداء“ الحاملة للجنسيتين المغربية والبلجيكية كأبرز وجه نسائي يقوم بالتحريض والتعبئة لصالح تنظيم القاعدة، ففي حديث نادر لها مع الجريدة الأمريكية صرحت أنها “تحث الرجال المسلمين على الذهاب للقتال وتدعو النساء لتبني القضية.. فلدي سلاح وهو الكتابة والكلام، هذا هو جهادي، حيث يمكنك القيام بالكثير عن طريق الكلام، وتعد الكتابة قنبلة هي الأخرى“.
نجد أيضا “فتيحة حساني، المعروفة بـ “أم آدم المجاطي“، حيث كانت من أبرز الشخصيات وأكثرها شعبية في تنظيم الدولة الإسلامية “داعش“ فقد صنفتها مجلة “جون أفريك“ الفرنسية سنة 2015 ضمن أقوى خمسين سيدة في أفريقيا. وهي أرملة عضو تنظيم القاعدة “كريم المجاطي“، الذي قُتل على يدي الأمن السعودي عام 2005. وتُعرف بالمرأة الأشد قسوة داخل التنظيم، والمكلفة برئاسة دور “المضافة“، البيت المخصص لإيواء النساء العازبات والأرامل والمطلقات من نساء “داعش“ في مدينة الرقة بسوريا.
وفي عام 2014 وقبل الإعلان عن رحيلها إلى تنظيم “داعش“، كتبت “فتيحة المجاطي“ في حسابها على “تويتر“ بيعتها إلى أبي بكر البغدادي قائلة: “أجدد بيعتي أنا أمة الله فتيحة محمد الطاهر حسني، أم الشهيد آدم، للخليفة أمير المؤمنين إبراهيم عواد القريشي“. وظهرت بعد ذلك في أشرطة فيديو نشرها تنظيم “داعش“ على مواقع التواصل الاجتماعي، تخضع لتدريبات شاقة، لتعلم السلاح وصناعة المتفجرات.