لماذا يتسم وضعنا العام بتفاقم المفارقات على مستوى حاضر المدن ومستقبلها؟ ولماذا يلعب دور «البطولة» في إقرار هذه المفارقات بعض مسؤولي الإدارة الترابية، الولاة والعمال والمنتخبون المفروض أنهم هم حراس المدن وحماتها؟.
هذه بعض الأسئلة التي سننطلق منها في ملف هذا العدد لنرصد بعض اختلالات المشهد الاجتماعي، والحضري تحديدا.
لمعالجة ذلك نضع هذا المشهد، أولا، ضمن الصورة العامة لما يحدث في مغرب اليوم حيث لا نحتاج لكثير من الجهد لإثبات أن المنحنى السياسي والاقتصادي الذي عرفه المغرب، منذ رحيل الاستعمار في نهاية خمسينيات القرن الماضي، قد انطبع بالتدرج من خلال العبور من مرحلة الصراع حول السلطة بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية، خاصة ما يهم موضوع شرعية الحكم كما حدث بالضبط على امتداد الستينيات حيث كانت الكلفة غالية. فلقد تمت الاعتقالات والمحاكمات، وتوترت الأوضاع، وتعطلت رهانات التنمية. ثم حصل الاستثناء.
لمعالجة ذلك نضع هذا المشهد، أولا، ضمن الصورة العامة لما يحدث في مغرب اليوم حيث لا نحتاج لكثير من الجهد لإثبات أن المنحنى السياسي والاقتصادي الذي عرفه المغرب، منذ رحيل الاستعمار في نهاية خمسينيات القرن الماضي، قد انطبع بالتدرج من خلال العبور من مرحلة الصراع حول السلطة بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية، خاصة ما يهم موضوع شرعية الحكم كما حدث بالضبط على امتداد الستينيات حيث كانت الكلفة غالية. فلقد تمت الاعتقالات والمحاكمات، وتوترت الأوضاع، وتعطلت رهانات التنمية. ثم حصل الاستثناء.
بعد ذلك دخلنا مرحلة "التصالح" عبر تدشين توافقات وطنية تميزت بتظافر جهود المؤسسة الملكية والأحزاب الوطنية وعموم الشعب المغربي من أجل الظفر برهان المسيرة الخضراء، واستعادة أقاليمنا الصحراوية، وتميزت بعدها بولوج مسيرة ثانية لبناء الديمقراطية عبر تدافع الأحزاب من أجل الاستحقاقات البرلمانية والجماعية..
على هذا الايقاع المتراوح بين بسط قبضة الحكم وتشديدها، وذلك بحسب ميزان القوى آنذاك، تمكن المغفور له الحسن الثاني من أن يعبر بالبلاد كل المنعطفات باتجاه التمرن على الديموقراطية. وكذلك ظل الحال إلى أن تم إقرار تجربة التناوب سنة 1998، وبعدها بسنة كان المرض فرحل الملك الحسن الثاني بعد أن هيأ لخلفه كل شروط الاستقرار.
بناء على ذلك تمكن العهد الجديد، بعد تولي الملك محمد السادس الحكم، من دخول مرحلة أخرى عرفت تحقق الكثير من المكتسبات والإشراقات، وقيام الكثير من التحديات في نفس الوقت. لكن العنصر المؤكد، في مجال التقييم، يفيد بأن المغرب صار بالفعل بصورة جديدة، سواء على مستوى وزنه في الخارج باعتباره متدخلا فعالا في مجال استتباب السلم في العالم، وفي مكافحة الإرهاب ومحاربة الهجرة السرية والتهريب والاتجار بالبشر، أو على مستوى ما يبلوره من جهد باعتباره بلد ماض في تحديث بنياته، باتجاه ترسيخ الممارسة الديمقراطية وحماية الحقوق والحريات، وجعل المغرب ورشا مفتوحا على العالم.
لكن، ومقابل كل هذه الصور الإيجابية، يبدو مشهد المدن المغربية كما لو تعيش زمنا آخر غير هذا الذي أوضحنا بعض ملامحه.
من هنا تبرر فداحة الاختلالات حيث تحيا هذه المدن كما لو هي لم تدخل بعد مجال التمثيل والانتداب الذي يفرضهما النظام الديمقراطي. بل لنقل كما لو انها لا تزال تعيش الزمن الاستعماري. فلا هي مؤطرة بولاة وعمال ومدراء شركات التنمية أكفاء، ولا هي مسيرة بمستشارين يمثلون النخبة السياسية أحسن تمثيل. الأنكى من ذلك أن بعض هؤلاء المسؤولين، المكلفين افتراضا بحماية تلك المدن وربطها بروافد المستقبل، هم مفسدو تلك المدن، المقامرون بخيراتها وأموالها، وبحاضر سكانها وبمستقبلهم. ولذلك نجدهم يتلكؤون في رعاية المشاريع المسطرة، ونجدهم عكس ذلك يهدرون الزمن الحضري عبر إغلاق الحوار مع المستثمرين والهيئات المدنية وعموم الساكنة، ومن خلال ذلك تبديد الأمل في أن تكون للمدن غير صورها الراهنة، ويعمدون إضافة إلى ذلك إلى سد منافذ الاستثمار مع المعنيين، أو الحوار معهم، ومع غيرهم من ممثلي الساكنة، وإلى إقبار كل مبادرات التنمية تماما كما لو كانوا «استعمارا» جديدا يوجد فقط للنهب والعبث بالناس والهواء والعمران.
إن أسباب النزول هنا هي الحالة التي تعيشها مدينة الدار البيضاء على وقع الزيارة الملكية (أبريل 2023)، وهي الزيارة التي أوضحت بالملموس أن العاصمة الاقتصادية كانت تعم في سبات عميق بدليل عدم اكمال بناء المنشآت الكبرى، وضمنها ما هو حيوي مثل استكمال خطوط «الترام»، والساحل الشرقي والحدائق ومداخل المدينة وغيرها من الأوراش والحرص الدائم على الأقل على توفير شروط المدينة نظيفة بلا اكتظاظ وبلا اختناق هوائي أو مروري أو حفر أو شوارع مظلمة...
لكن ما أن تقررت زيارة الملك محمد السادس حتى نهض المسؤولون من سباتهم ليوقدوا أضواء الشوارع، وليبلطوا إسفلتها المتآكل، وليفتحوا الأنفاق، ولينبتوا النخيل على الأرصفة. والمشكل الأكثر مدعاة للتساؤل وهو أن هذا «الماكياج» لا يهم إلا الشوارع والممرات المركزية الكبرى، في حين تظل الهوامش والمعابر الضيقة والأحياء الشعبية غارقة في السبات...
ومع ذلك نطرح السؤال: هل كان لابد انتظار يوم زيارة الملك ليفيق هؤلاء من كسلهم المستدام؟
أليسوا موظفين عموميين، أو منتخبين وهذه هي مهمتهم الأولى والأخيرة؟
وهل كتب على الملك أن يترصد هؤلاء في كل مدن المملكة، أي أن يتحمل ضريبة تقاعس هؤلاء، ورصدهم يوميا ليضيف ذلك إلى مهامه الكبرى، وفي صدارتها حماية وحدتنا الترابية، وضمان حضور فعال لديبلوماسيتنا، وامتداداتها في الفضاءات الإفريقية والعربية والإسلامية والدولية، إضافة إلى مهامه الدستورية الأخرى ومن بينها ضمان حسن سير المؤسسات وغيرها؟
ألم يكفهم خطب الملك التي طالما دعا فيها الإدارة والمنتخبين إلى رعاية مصالح السكان وقضايا المواطنين؟
أليسوا موظفين عموميين، أو منتخبين وهذه هي مهمتهم الأولى والأخيرة؟
وهل كتب على الملك أن يترصد هؤلاء في كل مدن المملكة، أي أن يتحمل ضريبة تقاعس هؤلاء، ورصدهم يوميا ليضيف ذلك إلى مهامه الكبرى، وفي صدارتها حماية وحدتنا الترابية، وضمان حضور فعال لديبلوماسيتنا، وامتداداتها في الفضاءات الإفريقية والعربية والإسلامية والدولية، إضافة إلى مهامه الدستورية الأخرى ومن بينها ضمان حسن سير المؤسسات وغيرها؟
ألم يكفهم خطب الملك التي طالما دعا فيها الإدارة والمنتخبين إلى رعاية مصالح السكان وقضايا المواطنين؟
إن على هؤلاء المسؤولين الذين يزرعون المفارقات في وطننا أن يعوا أن المطلوب منهم هو ترجمة مضامين تلك الخطب على ساحة الفعل، لأن مسؤوليتهم الإدارية هي واجب أخلاقي وديني ووطني وحضري. وبالتالي فإن كل تقاعس هو خيانة مؤكدة، وإسهام منهم في جعل المغرب متعثر بين سرعتين متنافرتين: سرعة تجسدها إرادة الملك، وسرعة متخاذلة مهترئة يمثلها خونة لله والوطن والملك.
وإذا استمر الحال على ما هو عليه من نفاق وخيانة للقسم، علينا إحداث ثورة جديدة للملك والشعب ضد فساد الإدارة!.
وإذا استمر الحال على ما هو عليه من نفاق وخيانة للقسم، علينا إحداث ثورة جديدة للملك والشعب ضد فساد الإدارة!.
تفاصيل أوفى في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"