من بين 2421 مطعما بمدينة نابولي الإيطالية، لم أعثر إلا على مطعم واحد مفتوح بعد منتصف الليل. ففي ليلة الأحد 2 أبريل 2023، خرجت متأخرا من "ملعب ماراداونا" الذي احتضن مقابلة بين فريقي "نابولي وميلان"، وبدل التوجه للفندق فضلت التجول ليلا بالضاحية الشمالية لهذه المدينة ذات 3000 سنة من الثقل التاريخي.

سائق الطاكسي أخبرني أن الليل أرخى سدوله، وباستثناء بضع محلات سناك، سيكون من الصعب إيجاد مطعم مفتوح. لكن بعدما استشار مسؤولي نقابته بالهاتف، تم إرشاده إلى مطعم يبقى مفتوحا إلى ساعة متأخرة من الليل، وهو مطعم "البحر" DEL MAR، الموجود داخل قلعة بمارينا خليج نابولي تسمى(CASTELL DELL'OVO) أي قصر البيضة.

القصر من القلاع العسكرية القديمة، يعود بناؤه للقرن 12 الميلادي، وتحكي الأساطير أن ساحرا وضع بيضة تحت أساسات المبنى كي لا تنهار القلعة، وبالتالي إذا زالت البيضة لن تنهار القلعة لوحدها بل وستنهار نابولي كلها. وبسبب سطوة هذه الأسطورة يحرص الأزواج الجدد بنابولي على توثيق زواجهم بمدخل القصر بأخذ صور تذكارية.

لما دخلت للمطعم طلبت طبقا من سباغيتي بفواكه البحر، لكن النادل ذو السحنة الآسيوية خاطبني بالإنجليزية:"Are you muslim"

أجبته بنعم، وأضفت: "أنا من المغرب وتحديدا من كازابلانكا".

قام النادل بخفض صوته وهمس في أذني:" أنصحك بأخذ طبق آخر، الأكلة التي طلبتها تطهى ببعض النبيذ".

سألته: ما هو اسمك وهل أنت سيريلانكي؟( الجالية السريلانكية هي ثاني جالية بمدينة نابولي بعد الإيثيوبيين، وتليها جالية أوكرانيا تم الأفارقة جنوب الصحراء).

رد علي:" لا، أنا من بنغلاديش، واسمي عمران Imrane".

قلت له:" طيب ياعمران، رغم أني أصبت بالتخمة من فرط أكل الحوت، ناولني طبقا من السمك. لكن شريطة أن يكون لذيذا".

في هذه اللحظة أحسست وكأني ضيف عند عمران بمنزله وليس زبونا بالمطعم الذي يشتغل فيه، إذ علت ابتسامة محياه وأشار إلى بحركة يده بأنه سيتولى الأمر وبأنه سيأتيني بأحسن أكلة سمك يهيئها الشاف بمطعم "البحر".

ورغم أني لم أطلب سلاطة، أحضر عمران واحدة من كرمه وفضله عبارة عن سلاطة بالطماطم والفلفل الأحمر والخس وحبات الرمان وأنواع مختلفة من البقدونس، في انتظار تحضير الوجبة المطلوبة.

اختيار البنغالي عمران لم يكن عبثا، إذ كانت الوجبة طبقا شهيا جدا تسمى باللغة الإيطالية branzino، وهو سمك "ذئب البحر"، لكنه محضر بطريقة مختلفة عن النوع الذي سبق لي تناوله في مطعم آخر بنابولي. إذ تم طهي السمك في الفرن، وتم خلطه في صلصة محلية الصنع la sauce، مع بهارات أضفت نكهة خاصة على الأكل.

وكعربون على تقديري لنوع الخدمة الجيدة المقدمة ولحسن اختياره للوجبة المقدمة لي، استأذنت عمران في أخذ صورة معه وأخبرته أني سأنشرها بحسابي بالفايسبوك. فصعقني بتأكيده:" انشرها، واكتب بأني أبعث رسالة محبة مني نيابة عن مسلمي نابولي، للمغاربة أجمعين في شهر رمضان."