ونحن نتلقى نعي صانع الفرحة، ونُفْجَع بخبر مغادرته الدنيا إلى دار البقاء صباح هذا اليوم، تهاطلت الخواطر وتناثرت عن رجلٍ مَلَكَ القلوب، وتَسَيَّدَ عرشَها، حين أحبه الكبير والصغير حبا خالصا لا تشوبه شائبة.
تساءلت، وسألت نفسي، وأعدت طرح السؤال مرات ومرات: كيف لرجل بسيط أن يرتقي إلى هذا العلو المرتفع من الحب والتقدير، ويصل إلى اعتبارٍ، قد تُصرفُ من أجل الرغبة في الظفر به الملايير، دون أن يتحقق المراد؟
وأنا أنصت إلى تصريح سابق له، بثه أحد الأصدقاء في صفحته الفيسبوكية، أدركت السر حين سمعته يقول ما معناه: كانت نساء فقيرات يطلبن مني (فرفارات) ، لأبنائهن، وكنت أمنحهن إياها، وكان يأتي من يزودني بورقة مالية من فئة درهم، دون أن يأخذ شيئا، ثم تابع: هكذا الدنيا حماد يخلص على محماد.
يا لروعة تفكير الرجل، والله لو عمل كل منا بهذا المبدإ لعشنا الفردوس، ولأنزلنا المدينة الفاضلة من برج الطوباوية إلى الواقع، ولصرنا ملائكة تنشر المحبة والسلام، كما نشرهما باسلام بعفويته وتلقائيته وفطرته السليمة، وعجزنا نحن عن مجاراته، وعن التأسي به، رغم ما تطفح به رؤوسنا من نظريات الحب والجمال، ومن اجتهادات الفلاسفة والأدباء والمصلحين الاجتماعيين.
لو قُدِْر لِ "دون كيشوت" أن يتحول من كائن ورقي إلى شخص من لحم ودم، وعايش تجربة با سلام مع طواحين الهواء (الفرفارات)، لغير منهج حياته، ولأنهى صراعه مع مع هذه الطواحين التي توهم أنها شياطين تنشر الشر في العالم، فهاجمها وغرس فيها رمحه، ليَعْلَقَ بها، وترفعه عالياً، قبل أن تُطوّحَ به أرضاً.
لو عايش "سرفانتيس" باسلام، لغير حبكة روايته، وهو يرى بأم عينيه كيف صنع با سلام أسطورته الشخصية بطواحين الهواء، وكيف ارتقت به هذه الطواحين عاليا، واحتفظت به في القمة، وجعلتنا جميعا نضع أيدينا على جباهنا، متطلعين إلى روحه السابحة هناك، المترفلة في نعيم السعادة وراحة البال.
لو عايش "سرفانتيس" باسلام، لغير حبكة روايته، وهو يرى بأم عينيه كيف صنع با سلام أسطورته الشخصية بطواحين الهواء، وكيف ارتقت به هذه الطواحين عاليا، واحتفظت به في القمة، وجعلتنا جميعا نضع أيدينا على جباهنا، متطلعين إلى روحه السابحة هناك، المترفلة في نعيم السعادة وراحة البال.
رحمك الله وأسكنك فسيح الجنان، وسَلِمْتَ ميتا كما سلمت حيا، رغم أن أمثالك لا يموتون، بل يخلدون في الذاكرة، ويحجزون مكانا متقدما فيها. ويظلون من سكانها الدائمين في كل الأحوال والظروف.