الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا

أحمد الحطاب: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا أحمد الحطاب
عنوان هذه المقالة هو جزء من الآية الكريمة رقم 30 من سورة الكهف وهذا نصُّها الكامل : "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا". و ما يمكن استخلاصُه من هذه الآية هو أن اللهَ يُجزي كل إنسانٍ (رجلٌ أو إمرأةٌ) قام بعملٍ نافعٍ له ولغيره. عملٌ تمَّ في نِطاق ما أوصى به اللهُ من خيرٍ لعباده، أي عملٌ تمَّ في نِطاق الأخلاق الحميدة التي هي أساسُ كل المعاملات.
لكن ما أثار انتباهي في هذه الآية الكريمة،هو فِعل "أحْسَنَ". لما اطَّلعتُ على ما قاله مُفسِّرو القرآن الكريم، كالطبري وابن كثير والسعدي...، وجدتُ  أن تفاسيرَهم يطغى عليها الطابعُ الديني. وهذا صحيح لأنه، من المفروض، أن يتمَّ العملُ في إطار التَّعاليم الدينية التي جاء بها الإسلامُ. لكن، إذا نظرنا لهذه الآية الكريمة بعينِ الحاضر و بعينِ ما راكمته الدراسات والأبحاث في مجال التَّدبير والتَّسيير، سنجد، أولا، أن عبارةَ "أَحْسَنَ عَمَلاً"، حسب عدَّة معاجم عربية، تعني "أتْقَنَ" و "أَجادَ" هذا العملَ. ثانيا، كل هذه المعاجم تُقدِّم فعلي "أتْقَنَ" و "أَجادَ" كمرادفين لفعل "أَحْسَنَ". ثالثا، إن كل مَن باستطاعته أن "يُحْسِنَ" أو أن "يُتقنَ" أو أن "يُجِيدَ" عملاً، له من الصفات ما يجعله قادرا على إدخال الجودة و الإتقان على هدا العمل. وكل شخصٍ له هذه الصفات، يُقال إنه شخصٌ كُفْءٌ أو شخصٌ له من الكفاءة ما يجعلُه قادرا على تحسين وإتقان وتجويد عملِه.
و الدليلُ على ذلك أن فعلَ "أَتْقَنَ" وردَ، على الأقل، في حديثين للرسولَ (ص) و هما : "إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ" أو : "رحم اللهُ عبدا عمِل عملاً فأتقنه".
وما أثارَ كذلك انتباهي سواءً في الآية الكريمة السالفة الذكر أو في الحديثين الشريفين المشار إليهما أعلاه، هو أن كلمةَ "عَمل" جاءت على صيغة نَكِرَةٍ. وهذا يعني أن الأمرَ يتعلَّق بعملٍ غير محدَّد وغير معيَّن. أو بعبارةٍ أخرى، يتعلَّق الأمرُ بأي عمل كيفما كان نوعُه شريطةَ أن يكونَ عملا نافعا أو صالحا مُتقنا. في هذه الحالة، فكلمة "عمل" وردت في الآية السالفة الذكر بالمعنى العام، أي ممارسة نشاطً من طرف شخصٍ ما بذل أو يبذل جهداً للوصول إلى نتيجة فيها منفعة.
ولا داعي للقول أن حياةَ الإنسان اليومية مليئةٌ بالأعمال النافعة. بل تكامل هذه الأعمال النافعة هو الذي يضمن السيرَ العادي لهذه الحياة اليومية بجميع جوانبِها الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، التربوية، التجارية، الصناعية، الفلاحية، الإنتاجية… ولهذا، فإن الحياةَ اليوميةَ البشريةَ متوقِّفةٌ على تكامل الأعمال التي يقوم بها أعضاءُ المجتمع، أفراد وجماعات، رجال. نساء. وكي تكونَ هذه الأعمالُ نافعةً للمجتمع، من المفروض، إنسانياً، أخلاقيا ودينياً، القيامُ بها بإخلاص وإتقان وكفاءة وجودة. والإخلاصُ في العمل والقيامُ به بكفاءة وإتقان وجودة، هو ما تُشير إليه عبارة "أحْسَنَ عَمَلاً" في الآية الكريمة المشار إليها أعلاه.
وكل مَن (رجل أو إمرأة) ساهم في تكامل الأعمال وجعلِها تُكَلَّلُ بمنفعةٍ للناس، إن اللهَ خصَّص له أجرا (جزاءً) في الدنيا والآخرة كما جاء في الآية الكريمة التي هي عنوانُ هذه المقالة.
غير أنه من المؤسف، في أيامنا هذه، أن نلاحظَ أن الإخلاصَ في العمل والكفاءةَ والإتقانَ والجودةَ، أصبحوا عملات نادرة، إلا مَن رحم ربي،  وخصوصا في المرافق العمومية التي يتردَّد عليها ألمواطنون لقضاء أغراضهم اليومية. مرافقٌ حلَّ بها الفسادُ (رشوة، زبونية، محسوبية…) الذي هو نتيجةٌ لسياسيين فاسدين ومُفسدين ولأحزابهم السياسية الانتهازية والفاقدة للمسئولية والمصداقية. سياسيون وأحزاب سياسية ما يهمهم هو الوصول إلى السلطة ومن بعدهم، الطوفان. سياسيون، أجرُهم في الدنيا هو الريع والاغتناء غير المشروع والجشع. أما أجرُهم في الآخرة، الله وحده عليمٌ به.