الخميس 9 مايو 2024
كتاب الرأي

سالم عبد الفتاح: موقف فرنسا مرتبط بتوجسها من الاقتصاديين الآخرين للمغرب

سالم عبد الفتاح: موقف فرنسا مرتبط بتوجسها من الاقتصاديين الآخرين للمغرب محمد سالم عبد الفتاح
بعد بضعة أشهر من طي صفحة الخلاف المغربي الإسباني، أنهت باريس أخيراً أزمةً دبلوماسيةً صامتةً مع الرباط، خيّمت على العلاقات بين الجانبين منذ ما يقارب العامين، بالإعلان في مؤتمر صحافي في العاصمة المغربية عن "كتابة صفحة جديدة" في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، إلى المغرب، في 16 دجنبر 2022 جلبت معها إلغاء قرار باريس بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة، والذي اتُّخذ في سبتمبر 2021، بمبرر رفض المغرب استعادة مهاجرين غير نظاميين تريد باريس ترحيلهم من أراضيها.
من جهته، شدد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، على أنه "لا يوجد تعليق رسمي" على خطوة الإليزيه. وقال خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بنظيرته الفرنسية، إن "قرار فرنسا خفض التأشيرات كان أحادياً ولم نعلّق عليه احتراماً لسيادتها. واليوم أيضاً قرار العودة إلى الوضع الطبيعي أحادي الجانب لن نعلّق عليه رسمياً"، مشيراً إلى أنه "يسير في الاتجاه الصحيح".
لم تكن أزمة التأشيرات وحدها موضوع المباحثات المغربية الفرنسية، التي تحوي ضمن أجندتها أيضاً مستوى الشراكة الاقتصادية بين الجانبين، إذ إن تنويع الرباط لشركائها الإقتصاديين، والتقليل من تبعيتها الإقتصادية لباريس، لم يروقا للأخيرة طوال السنوات الماضية، فضلاً عن التنافس حول النفوذ بين الجانبين في دول إفريقيا جنوب الصحراء.
الصحراء "الإشكالية"
تُعَدُّ الصحراء الغربية من أهم ملفات المغرب في تحديد مستوى العلاقات مع الدول الأوروبية والغربية، وهو ما عبّر عنه العاهل محمد السادس، في خطابه يوم 20  غشت 2022 بقوله إن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الذي يقيس به صدق الصداقات"، داعياً شركاء المغرب من الدول "التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء"، إلى توضيح مواقفها ومراجعة مضمونها "بشكل لا يقبل التأويل".
ذكرت وزيرة الخارجية الفرنسية، أنه "يمكن للمغرب التعويل على دعم فرنسا" في الملف، خلال الزيارة الأخيرة التي تلاها لقاء جمع بين  كلاً من رئيس لجنة الدفاع الوطني في البرلمان الفرنسي ورئيس مجلس النواب المغربي الذي أشار عبر موقعه الرسمي إلى أن الجانبين تطرّقا إلى موضوع الصحراء، ومقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط "باعتباره حلاً واقعياً ذا مصداقية"، يحظى بتأييد دولي لحل النزاع، بينما اقتصر البرلمان الفرنسي اليوم على نشر خبر اللقاء عبر حساباته الرسمية من دون ذكرٍ لنزاع الصحراء.
فهل يؤدي تعزيز علاقات الطرفين بعد الأزمة الأخيرة، إلى تحوّل فرنسي في الموقف من النزاع؟
اعتماد متبادل
يرى خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول في وجدة، أن "المغرب ليس دولةً للعلاقات العابرة والمرحلية كما هو الحال بالنسبة إلى علاقات فرنسا مع بعض الدول في أنساق ظرفية من قبيل أزمة الطاقة"، مشيراً إلى أن فرنسا تملك رؤى إستراتيجيةً في علاقتها مع المغرب، "ويمكنها أيضاً الإعتماد عليه في مجموعة من القضايا، وليس فقط أن يعتمد المغرب على فرنسا في قضية الصحراء"، وهذا مكسب بالنسبة إليه بحكم المقعد الفرنسي الدائم في مجلس الأمن.
ذكرت وزيرة الخارجية الفرنسية، أنه يمكن للمغرب التعويل على دعم فرنسا في ملف "الصحراء الغربية"، خلال الزيارة الأخيرة التي تلاها لقاء جمع يوم الإثنين 19 دجنبريرى شيات، في حديثه إلى رصيف22، أن "المغرب لديه سياسة ناجحة"، تجعل فرنسا تعتمد عليه اقتصادياً، مشيراً إلى أنه بالرغم من تنوع شركاء الرباط وتضارب توجهاتهم، "يظل توجهها في إفريقيا غربياً من خلال اعتمادها على واشنطن أو دول الاتحاد الأوروبي حسب المزايا التي يمكن أن يجنيها المغرب من كل مسار على حدة أو من كليهما".
وشدّد على أن سياسة المغرب في القارة السمراء تمكّنه من أن يكون جسراً بين ضفتي المتوسط، "خاصةً في ما يتعلق بالاستقلالية الطاقية لأوروبا التي تُعدّ إفريقيا بالنسبة إليها اليوم أنسب على6 المستوى الإستراتيجي، من غاز روسيا"، مضيفاً أنه تبعاً لذلك "المغرب مهم في كل الحالات بالنسبة إلى فرنسا كما أن الأخيرة طبعاً تظل شريكاً مهماً بالنسبة إلى المغرب"، الذي ليست له رغبة في القطيعة مع شريك أساسي مثل باريس، لافتاً إلى تأييدها قرارات مجلس الأمن التي تصب في صالح الموقف المغربي من ملف الصحراء في صالح الموقف المغربي من ملف الصحراء.
"موقف غامض"
إبداء الرغبة في دعم الموقف المغربي من النزاع على لسان وزيرة خارجية فرنسا، ومن الرباط، بالرغم من أن البعض عدّ من خلالها أن مؤشرات تحول الموقف الفرنسي موجودة على الأرض، خاصةً مع نهاية أزمتين دبلوماسيتين للمغرب مع أوروبا، يعد بتحقيق مكتسبات تاريخية لصالحه، بعدما استطاع ربح دعم صريح من إسبانيا وألمانيا لـ"سيادته" على الصحراء. فيما يرى محللون أن موقف باريس يظل كلاماً غامضاً يحتاج إلى المزيد من التوضيح.
يقول رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان محمد سالم عبد الفتاح ، لصحيفة الرصيف 22 اللبنانية  "إن تبنّي فرنسا لخطاب متّسم بالغموض إزاء قضية الصحراء، يأتي في سياق توجسها من تنويع الرباط لشركائها الاقتصاديين وانفتاحها على قوى دولية أخرى، نظراً إلى الأدوار المهمة التي بات يلعبها المغرب في عمقه الإفريقي، لا سيما في مناطق كانت تُعدّ ضمن نطاق النفوذ الفرنسي".
إبداء الرغبة في دعم الموقف المغربي من النزاع على لسان وزيرة خارجية فرنسا، ومن الرباط، والتأكيد مجددا على موقف فرنسا المساند لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمه الرباط حلال لنزاع الصحراء قد يؤشر على خطوة فرنسية جديدة في صالح الرباط.
يضيف عبد الفتاح، في حديثه إلى رصيف22، أن خصوم المغرب "حاولوا بدورهم ركوب حالة الفتور التي انتابت العلاقات المغربية الفرنسية، من خلال ابتزاز الموقف الفرنسي عبر إعمال إمدادات الغاز، فضلاً عن تلويحهم بالانحياز إلى خصوم فرنسا في الأزمات المستعرة التي تشهدها بلدان مجاورة شهدت تدخلات فرنسيةً من قبيل مالي وبوركينا فاسو".
إلا أن مجمل التطورات التي شهدتها المنطقة مؤخراً، يضيف المتحدث، "عززت ثقة الشريك الفرنسي ومن خلفه مجمل الشركاء الأوروبيين في المغرب، برزانة الرباط في التعاطي مع شركائها وحلفائها الإستراتيجيين، حتى حينما يتعلق الأمر بملفات تشهد مواقف متباينةً معهم، بعكس خصوم المغرب، الذين أبانوا عن مواقف متشنجة وغير مسؤولة قوّضت ثقة الفاعليين الدوليين بهم".
ما يحسم الموقف الفرنسي في رأي الناشط الصحراوي الوحدويّ، هي المقاربة الدبلوماسية للملك محمد السادس، "المتسمة بالندّية والصرامة إزاء شركاء المغرب وحلفائه الإستراتيجيين، جاعلةً من قضية الصحراء بمثابة النظارة التي يرى من خلالها المغرب الخارج"، والتي أفضت بكافة الراغبين في الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب "إلى الخروج من دائرة الغموض بخصوص الموقف من نزاع الصحراء، والتصريح بمواقف واضحة مؤيدة لمغربيتها".
يرى عبد الفتاح، أن فرنسا تراهن اليوم على الشريك المغربي كونه منصةً استثماريةً واعدةً، "لا سيما بالنظر إلى التغلغل المغربي الاقتصادي في القارة الإفريقية، والأدوار المهمة التي بات يضطلع بها إقليمياً، خاصةً على المستويات الاقتصادية والأمنية والطاقية"، ما يفرض على أي متدخل في المنطقة، حسب المتحدث، "الحفاظ على علاقات ودية ومتينة معه.