الخميس 2 مايو 2024
كتاب الرأي

مـحمـد بـنـمبـارك: المغرب وإفريقيا معا بالمربع الذهبي.. اليوم رياضة وغدا سياسة

مـحمـد بـنـمبـارك: المغرب وإفريقيا معا بالمربع الذهبي.. اليوم رياضة وغدا سياسة مـحمـد بـنـمبـارك

 آن الأوان لكي ترفع إفريقيا رأسها عاليا بين الأمم بعد الإنجاز المغربي الكبير والتاريخي في مونديال قطر2022، فقد جاءت هذه المعجزة الكروية لتبرز  أن للقارة السمراء من المقومات والمؤهلات والطاقات والثروات البشرية والطبيعية والموقع الاستراتيجي كقلب للقارات الخمس وفضاء شاسعا للتلاقي بين شعوب المعمور وجوار بحري دائري/ بيضاوي مع الأوربيين والآسيويين والأمريكيين والأستراليين، فضلا عن ثراء التنوع الثقافي والحضاري والإثني والعرقي والديني واللغوي، هذه العوامل مجتمعة كفيلة بأن تجعل شعوب ودول القارة السمراء من بين سادة الأرض وأرقاها.

  لكن الوجه النقيض لهذه القارة يظل حاضرا فارضا قيوده وكلبشاته التاريخية البغيضة بماض أليم، تحولت فيه إفريقيا المكلومة إلى أرض المستعمرات واستغلال الإنسان واختطافه من جذوره والإبادة والميز العنصري، وانتشار الحروب والنزاعات والاضطرابات المدنية والمجاعات والتخلف والفساد والفقر والبطالة والهجرة والأمراض وعبء المديونية والاقتصادات المتهالكة، فظلت على مر الزمن ساحة تنافس وصراع القوى العظمى لنهب خيراتها واستغلال ثرائها الطاقي والهيمنة على دولها وتكريس التبعية، والتلاعب بحدود بلدانها وتقسيم أراضيها وتشطير شعوبها، والتأسيس لإثبات أنظمة حكم العسكر مما أقحمها في مسلسل الانقلابات العسكرية اللامنتهي، فحالت هذه السياسات دون التوجه نحو التأسيس لأنظمة حكم ديمقراطية متحررة، لتظل إفريقيا مجالا مفتوحا للفتن والشتات والتناحر والتطاحن وعدم الاستقرار وحرمان الإنسان الإفريقي من حقه بالعيش في أمن وسلام. كل هذه الانتكاسات أبعدت إفريقيا وشعوبها عن الالتحاق بركب الدول المتقدمة، وأقحمتها في دوامة نزاعات وتخلف.

بالرغم من ذلك تظل الطاقات البشرية لإفريقيا حاضرة، كبراكين غضب خامدة تنتظر لحظاتها لكي تنفجر وتثور على هذا الواقع المزري والأليم، لتثير انتباه العالم إلى أن لهذه القارة وشعوبها من القوة والمقومات ما يجعلها تسجل حضورها على المستوى الكوني من خلال كل أشكال التعابير والمخرجات والمنجزات الحضارية والثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية والرياضية.

وحري بنا هنا أن نشير إلى الطفرة التي حققتها عدة بلدان إفريقية خلال العشرين سنة الأخيرة، من خلال المعطيات والأرقام المذهلة المسجلة لدى الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي حول مؤشرات التنمية المستدامة، ومساعي النهوض بأوضاعها الاقتصادية والمالية والاستثمارية والصحية والتعليمية والمعيشية للمواطن الإفريقي، نذكر منها: موريشيوس، سيشيل، رواندة، المغرب، السنغال، إثيوبيا، الغابون، غينيا الاستوائية، بوتسوانا، ناميبيا، بوركينا فاسو، نيجيريا ومصر...

على درب هذه البيانات القارية المشجعة، جاءت الرياضة / كرة القدم الإفريقية لتقول كلمتها في مونديال قطر لكرة القدم 2022، من خلال مشاركة خمس منتخبات: المغرب، السنغال، الكاميرون، تونس وغانا، التي شاركت من أجل ضمان تمثيل مشرف لبلدانها أمام المنتخبات الكبرى من أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية التي تأتي للمونديال وعينها على الظفر بكأس العالم، بينما الأفارقة وغيرهم من الأمم، اعتادوا على دخول هذه المغامرة الكروية بطموح لا يتعدى بداية تأمين مقعد المشاركة في المونديال، ونهاية التطلع  لحضور لائق وتجنب نتائج مخيبة للآمال.

 لكن نسخة مونديال قطر، عرفت مفاجأة من العيار الثقيل أذهلت العالم ولفتت أنظار عشاق الكرة المستديرة، إلى منتخب خرج عن تلك الطقوس التقليدية في مشاركات الدول من الدرجة الثانية، ليرتقي إلى الصفوة، من خلال النتائج المبهرة التي حققها عن جدارة واستحقاق وباعتراف خبراء كرة القدم العالمية. إنه المنتخب الوطني التي رفع راية المغرب عالية في سماء مونديال قطر ورفع معه راية إفريقيا خفاقة.

 وقد أكد الناخب الوطني، وليد الركراكي، في هذا الصدد، أن اللاعبين المغاربة قدموا صورة ناصعة وايجابية عن كرة القدم المغربية والإفريقية في مونديال قطر 2022، كما أظهروا للعالم الهوية الجديدة لكرة القدم بإفريقيا، عبر مجمل النتائج المبهرة التي تم تحقيقها خلال مباريات كأس العالم.

 المغرب حامل لواء القارة الإفريقية في المونديال تمكن من الوصول إلى مكانة الكبار بجهد كبير واستثنائي، حين تجاوز منتخبات عالمية من العيار الثقيل كرواتيا بلجيكا اسبانيا والبرتغال والوقوف ندا للند في النصف النهائي أمام المنتخب الفرنسي بطل النسخة السابقة لمونديال روسيا 2018، في مباراة  عاكسه الحظ فيها و ظلمه الحكم المكسيكي بقراراته التي أثارت  الكثير من الجدل، ففازت فرنسا لكن المغرب خرج أيضا منتصرا بأدائه البطولي. ليتابع مشواره في البطولة بمباراة الترتيب/ النهاية الصغرى أمام كرواتيا.

هذا المسار المشرف أثار إعجاب قادة وشعوب إفريقيا جميعها، فانهالت التهاني من القادة الأفارقة ومسؤولي الاتحاد الإفريقي على جلالة الملك محمد السادس، التي أشادت بأداء المنتخب الوطني وبالتمثيل المشرف للمغرب للقارة الأفريقية الذي غير من النظرة إلى الكرة الإفريقية ورفع من شأنها بين الأمم، كما قدم الاتحاد الإفريقي لكرة القدم "كاف" شكره للمنتخب الوطني، بعد تحقيقه إنجازا تاريخيا في نهائيات كأس العالم كأفضل نهائي من قبل دولة إفريقية.  الجماهير الإفريقية بدورها في العديد من الدول تابعت بشغف وجنون منتخب المغرب وهو يخوض غمار مباريات المغلوب في الثمن وربع ونصف النهائي وخرجت إلى الشوارع معبرة عن فرحها بالمعجزة المغربية، هذه الملحمة المونديالية المغربية أسالت بدورها مداد الصحافة الإفريقية، التي نوهت بالانجاز التاريخي المغربي، ووصوله إلى المربع الذهبي، ضمن موقع الصفوة لكرة القدم العالمية، الأرجنتين، فرنسا، كرواتيا ومعهم المغرب.

تمكن المغرب من خلال مغامرته الجميلة من وضع إفريقيا في القمة، فوضعته إفريقيا بدورها في القمة، فبهذه الحصيلة جد المشرفة يشعر الطرفان بالفخر والاعتزاز والتميز في ملحمة مونديال قطر التاريخية والرائعة، التي خرجت عن نطاق المألوف في كل شيء، وشهدت وافدا جديدا ترك بصمته وأعلن حضوره بين الكبار إنه المغرب وإلى جانبه إفريقيا، في انتظار مواعيد جديدة تعزز موقع المغرب والقارة السمراء على المستوى العالمي كلاعبين ومدربين وفرق ومنتخبات وجامعات كرة، لتفتح أمام الأفارقة آفاق مستقبل واعد وزاهر، يلفت نظر العالم إلى القارة السمراء كقارة للعطاء والنماء والطاقات والمنجزات الكبرى في الرياضة وغيرها من المجالات.

على قادة الدول القارة الإفريقية الالتفات إلى هذا الحدث المتميز وأخذ العبرة من هذا الإنجاز الكبير، الذي وحد القارة السمراء رياضيا ورفع من شأنها عالميا، وجعلها تتحدث بلغة واحدة متضامنة متآلفة، واغتنام الفرصة للاستثمار في هذا الحدث الرياضي، بالإسراع  نحو تطويق خلافاتها السياسية ومعالجة المشاكل الحقيقية المضعفة والمحبطة للقارة، وشق الطريق على نمط الهتافات الشهيرة للجمهور المغربي بالمدرجات وبالساحات والشوارع " سير، سير، سير، سير.." نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والتخلص من التبعية والنهوض الاقتصادي والتكنولوجيا والاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية، والرفع من شأن الإنسان الإفريقي وتطويق الصراعات والتعاون الجماعي البناء من أجل أن يعم الرخاء والتقدم والنماء إفريقيا المتضامنة الموحدة، والانفتاح والتعاون مع العالم أجمع وفق معادلة رابح ــ رابح  وليس على قاعدة التبعية والهيمنة والاستغلال البشع لأرض وإنسان إفريقيا، حتى تتمكن القارة السمراء من الارتقاء إلى المكانة اللائقة بها بين الأمم.

 ونحن بصدد الحديث عن الدلالات الوحدوية لشعوب القارة السمراء، أتساءل بالمناسبة عن دواعي إقدام القادة الأفارقة سنة 2002 على تغيير اسم منظمتهم إلى " الاتحاد الإفريقي" بدلا من " منظمة الوحدة الإفريقية" ، فلطالما أثارني هذا التغيير، فقد كانت هذه التسمية التاريخية أكثر دلالة وعمقا تنم عن تطلعات قادة التأسيس سنة 1963 بأديس أبابا.

     لقد فازت الأرجنتين في النهاية بكأس العالم لكن ما علينا بذلك، فيكفي أن المغرب ومن خلفه إفريقيا والعرب قد فازوا بالعالم أجمع، بعد أن حظوا باحترامه وتقديره وتشجيعه وتصفيقات قادته وشعوبه، ورفعت لهم القبعة. فطالما كرس الاستعمار ثقافة التعامل مع الأفارقة باستصغار واحتقار وخنوع وإفراغهم من ذواتهم لتكريس نمط التفوق.

 لكن جاء اليوم الذي حلم فيه المغاربة فتحول الحلم إلى حقيقة خطوة بخطوة بكل ثبات وحكمة وعزيمة وإرادة وتضحية، إلى أن وصل المغرب إلى المربع الذهبي، فارتفعت درجة القناعة والطموح لدى المنتخب الوطني ومعه المغاربة بالتطلع إلى مباراة النهائي ولم لا الفوز بكأس العالم، لكن هذا الطموح توقف عند حدود المربع الذهبي، كذلك يجب أن يكون عليه الشأن في الواقع السياسي والاقتصادي والتنموي الإفريقي من الحلم إلى الحقيقة. 

   مـحمـد بـنـمبـارك،  دبلوماسي سابق