الخميس 2 مايو 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك:  العائلة .. بحجم الوطن

وحيد مبارك:  العائلة .. بحجم الوطن

كل الدروس تقف احتراما، كل العبر تنحني إجلالا، للدرس المشعّ نورا وبهاء، الذي يتجاوز حدود البرامج والمقررات، الأكبر من أية  مساحيق تجميلية و"رتوشات"، درس العائلة الذي لا يحدّ من امتداداته لا زمان ولا مكان. العائلة التي انطلق أسود الأطلس من حضنها وهم يتوجهون إلى قطر للمشاركة في المونديال، وخاضوا مبارياتهم هناك متسلحين برضاها وببركة دعائها، ثم عادوا ليقبّلوا جبينها ويعانقوها من جديد بعد أن حطّت بهم الطائرة على "أرضها".

العائلة، التي هي الأم التي أنجبت وربّت وضحّت وناضلت، والأب الذي سقى بكدّه وجهده وسعيه شجرة الإبن فشبّت ونمت وترعرعت، وهي الوطن في كل تفاصيله التي تسكن وجدان الجميع. هي علم المملكة، هي التراب، هي النشيد، هي القميص، هي السواعد والهمم، هي النيّة لأجل مستقبل أفضل، والعزيمة من أجل السعي للمساهمة في مسيرة البناء والنماء وتحقيق التنمية بشكل أشمل. هي العائلة البيولوجية، الروحية، الوجدانية، وهي الهوية بكل عناوينها الشامخة شموخ جبال الأطلس الأبيّة.

لقد ذكّر أسود الأطلس العالم في قطر بقيم العائلة، في شكلها "الصغير" نواة، والكبير درسا، وعرّفوا عليها من كانوا يجهلونها، فبيّنوا للجميع قدسية روابطها، متانة أواصرها، طيبة ترتبها وحجم تجذرها، واعتقد الجميع أن الدرس قد انتهى بوصول رسالته واستيعاب مضمونه خلال زمن المونديال. لكن أول أمس الثلاثاء، جاء الدرس الأكبر الجامع لكل الدروس، المختزل لكل العبر والرسائل، من ملك البلاد، ربّ الأسرة الكبيرة، وراعي العائلة المغربية، من طنجة إلى الكويرة، على امتداد جغرافية المملكة، وخارج حدودها، أينما تواجد المغاربة. درس جديد بليغ بيّن للقاصي والداني، وأنعش ذاكرة كل "متناسي"، كيف أن ثورة الملك والشعب لم تنته، وبأن فصولها تتواصل في كل مناسبة وحين، وكيف أن ملاحم القصر والشعب تنقش بمداد من فخر جماعي في تاريخ هذا الوطن، وبأن حب المغاربة للأسرة العلوية، حب وجداني، عائلي، يحضر في معانيه كل ما هو إنساني.

في القصر الملكي العامر بالرباط، وقف الملك محمد السادس مستقبلا اللاعبين وأمهاتهم، بكل عفوية وتلقائية، بعيدا عن التفاصيل البروتوكولية، في لحظات أحسّ فيها الجميع، حاضرين ومتابعين، بمفهوم وقيمة ووقع العائلة، المحتضنة، المدعّمة، الموجّهة والناصحة، الراعية، المهتمة بكل تفاصيل فلذات كبدها. لقد وثقت صور الاستقبال الملكي لأسود الأطلس لأجمل اللحظات، الحبلى بكل الرمزيات والدلالات، فشعر حينها كل متابع للحدث، بكل تأكيد، بأنه جزء من هذه العائلة العريقة الشريفة، ويتشرّف بفخر الانتساب إليها. عائلة كريمة، مضيافة، لكل فرد فيها من أفرادها حضوره وقيمته ومكانته، وهي توجد في حماية وتحت رعاية ربّ أسرة، هو رمزها وعزّتها وفخرها، الذي يمنح الحب والدفء ويهب الاطمئنان للجميع.

لقد تابع الجميع ابتسامات أب المغرب العفوية، وكلماته الرقيقة الطيبة، وهو يخاطب الكلّ بدون استثناء ويتفاعل مع كل كلمة خاطبت جلالته، وهو يعانق أمهاتنا، وهو يقف بجانبهن ويحاورهن ويضع يده الكريمة على كتفهن، وهو يوشّح أبناء هذا الوطن تكريما لهم على ما بذلوه من جهود لتمثيل البلاد تمثيلا مشرّفا، وهو يتابع تفاصيل الهدايا التي تم جلبها لجلالته، في لحظات عائلية جد راقية، زادها بهاء واحتفالا، ضحكات وابتسامات ولي العهد الأمير مولاي الحسن لعدد من الأسود حين حديثه معهم، التي شاهد الجميع كيف كانت بحجم الوطن، وبحجم الحب والأمل والخير الذي يريده الجميع لهذا البلد، وهو المشهد الذي تكرّر كذلك في تفاعلات الأمير مولاي رشيد مع الجميع، ليتأكد للجميع مرة أخرى أن العرش والشعب كلّ لا يتجزأ، وبأن هذه اللحمة العائلية القوية هي أحد عناصر قوة وشموخ وعزّة المغرب.