الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد البقالي: الساحرة المستديرة.. لعبة لكنها لعبة بأبعاد سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية

محمد البقالي: الساحرة المستديرة.. لعبة لكنها لعبة بأبعاد سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية محمد البقالي
صحيح هي لعبة، ولكنها لعبة بأبعاد سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية. وهي قبل ذلك وبعده مصنع لإنتاج التمثلات والرموز والقيم!
عندما يصل المغرب الى ادوار متقدمة في كأس العالم فأثر ذلك يتجاوز أرضية الملعب، ونتيجته لا تقتصر على تحقيق تقدم على سبورة ترتيب المنتخبات العالمية. قد تكون هذه أقل ما يجنى من فوائد.
ثمة نتائج أهم وأكبر تجعل منها أكبر من مجرد لعبة!   
هناك أولا لحظات الفرح الجماعي التي تصنعها الانتصارات. وعلاوة على أن الفرح يطلب لذاته فهذه اللحظات تحقق  ما هو أهم في حسابات الأوطان، وهي تلك اللحمة الوطنية التي لا تصنعها إلا الأحداث الكبرى ومن بينها التأهل لنصف نهائي كأس العالم.  
وهذه اللحمة هي أعز ما يطلب في زمن " تراجع اليقينيات"، وأكثر من ذلك فإن لحظات الانتصار هذه لم تصنع فقط لحمة داخل رقعة الوطن الواحد بل تجاوزته لتصنع لحمة أمة وقارة! 
 
انظروا إلى هذا الفرح الجماعي من المحيط إلى الخليج. إنه يعيد بناء تلك اللحمة التي نسينا وجودها حتى خلنا أنها اندثرت. انظروا الى الاحتفالات الممتدة من فلسطين الى اليمن الى مصر الى تونس الى الجزائر! وسيتبين لكم أنها ليست مجرد لعبة! 
الذين كانوا يعتقدون أن المغرب جزيرة معزولة ربما سيراجعون موقفهم بسبب هذه " اللعبة". 
ثم إن في ثنايا "اللعبة" صناعة للتمثلات والقيم! 
انظروا الى إلى هؤلاء الابطال الذين صنعوا هذا النصر وانظروا الى كبيرهم وليد الركراكي الذي علمهم كيف ينتصرون! وإلى تلك المشاهد عقب كل مباراة. 
هذه الصورة (صورة بوفال مع أمه، وقبله صور حكيمي وغيره من اللاعبين رفقة أمهاته) تتجاوز قيمتها كل الشعارات التي يمكن أن نرفعها بشأن قيم الأسرة و بر الوالدين. هي تجسيد فعلي لذلك! 
 
يحدث هذا في وقت يبدو فيه الجيل الجديد في أمس الحاجة إلى النموذج!! بعيدا عن  جيش المؤثرين التافهين  ممن رسخوا  ثقافة  "النجاح" السريع دون جهد مبذول. 
ثم انظروا إلى كلمات المدرب. قيمة النية التي تستبطن الصدق والوضوح، وتستبطن بذل الجهد في حده الأقصى! 
انظروا إلى صورة  السجود عقب كل انتصار. وأرى فيها استحضارا لمعاني الشكر والامتنان واستكمالا لفضيلة التوكل فالجهد وحده لا يغني عن التوفيق. 
 
وأخيرا أنظر إلى الصورة الأخرى! صورة اللاعبين وهم وهم يرفعون علم فلسطين. وأرى فيها إعادة للاعتبار لمكانة فلسطين في وجدان المغاربة كما كانت دائما وضربا لحسابات تجار القضية ممن ظنوا أن الدم يمكن أن  يصبح  ماء! ونسوا أو تناسوا أن ما بين المغاربة وفلسطين دم مشترك! 
 
من يعتقد أنها مجرد لعبة كمن يظن أن وسائل التواصل الاجتماعي هي مجرد "فضاء افتراضي" لا علاقة له بالواقع، حتى يأتي يوم ويكتشف أن عملية التنشئة الاجتماعية التي خضع لها أبناؤه وأبناء جيلهم قد تمت في ذلك الواقع الافتراضي الذي كان يعتقد أنه لا علاقة له بالواقع "الحقيقي".