الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

منصور جدوي: إن من فتح الأبواب يغلقها وإن من أشعل النيران في قطاع المحاماة يطفيها

منصور جدوي: إن من فتح الأبواب يغلقها  وإن من أشعل النيران في قطاع المحاماة يطفيها أشرف منصور جدوي

توظيف هذا البيت الشعري للشاعر الكبير نزار قباني ليس رحلة رومانسية على شط جميل بل هو محاولة للفت الإنتباه لكرة ثلج تكبر على مهل لرقعة زيت تتمدد كل يوم في ربوع هذا الوطن.

وإن كنت محاميا فإني لست أهلا للدفاع عمن ارتضوا عن قناعة  ارتداء البدل السوداء فذاك ديدنهم وهم جدر وأقدر عن الدفاع عن أنفسهم،  لكني لو لم أكن محاميا لأخترت ان أكون محاميا.

أعود لأقول أن المحاماة خلقت للدفاع عن الحق والحريات عن المستضعفين والمظلومين إنها الملاذ الآمن وصمام أمان للمجتمع فمن ذا الذي أشعل كل هذه النيران الملتهبة اليوم في البدل السوداء هل هو غياب الحوار وروح النقاش المسؤول أم هو بحث فقط عن تضريب كل شيء في هذا الوطن حتى الهواء.. ما كان للأمور أن تصل الى هذا الحد ولست هنا ناصحا ولا واعظا لأن في المحاماة عظة ونصح إنها مهنة الشرفاء لكني هنا مساهم من باب المسؤولية في ضرورة فتح نقاش عمومي حول ما وقع وما سيقع مستقبلا..؟ من يصر على إخراج الطبقة الوسطى من محامين وعدول وموثقين واطباء وصيادلة تماما كمن يلعب بالنار لأن كل هؤلاء هم صمام أمان كل مجتمع...

لست ضد تضريب المحامين ولا غيرهم من المهن لكن كيف ومتى هو السؤال المطروح في المحاماة شباب وشابات ولجن المهنة دون ان يساعدهم أحد انهم أبناء هذا الشعب الذي امتصت المحاماة جزء كبير من عطالته  دون أدنى تدخل من الوزارة وبلا تعويضات ولا معاهد تكوين وبرسوم  ومع ذلك قاوم هؤلاء ومنهم من يحمل مكتبه في هاتفه ومنهم من يناضل من اجل واجبات مهنية شهرية، المحامي ليس جابي ضرائب وليس تاجرا أو هكذا على الأقل يجب أن يكون لذا ينوب أحيانا إحسانا او مضطرا لأن موكليه ليسوا دائما شركات او أبناء أولئك او مؤسسات عمومية، هناك من يحتكر كل هذا وعددهم قليل ونعرفهم بل يعرفهم حتي  الذين لا ينتمون للمهنة تماما كما في مهن أخرى تخضع للاحتكار او التراتبية، لانستغرب فلسنا كلنا ملائكة ولسنا أيضا شياطين نحن فقط أبناء لهذا الوطن نتأثر بخيباته وبانتصاراته وحين يهون وحين يهون كل شيء نهون نحن المحامين جزء من هذا الوطن.

نتأثر بهذا الوطن وفينا يؤثر ويوم كانت الجامعة والمحاماة والنقابات والبرلمان بصحة جيدة كان مستوى النقاش مرتفعا وكانت هناك أصوات مختلفة تصدح بالدفاع عن الوطن فاتركوا على الأقل لهذا الوطن جسما نقيا غير عليل يصدح بالحق رجاء لاتقتلو كل شيء، فالمحاماة صوت لكل مظلوم هي جزء من نسيج إجتماعي لهذا الوطن تماما كما القضاء هما وجهان لعملة واحدة تخرجوا من نفس الجامعة وغرفوا من نفس المعين إنهم أبناءنا واخواننا واصدقاءنا كل منهم يدافع عن العدالة من موقعه لذا لسنا خصوما ولا أعداء بل توائم في العدل والقانون فلا يجب أن تكون المعركة بين جسم واحد، معركة المحامون مع الحكومة مع من أقر التضريب دون إتفاق على الشروط والمباديء التي ترضي الجميع وتحتضن الكل في نقاش يسمو فيه الوطن لا المصالح الخاصة معركة المحامين هي الدفاع عن المواطن الذي سيدفع في النهاية كل هذه الاداءات لذلك واهم من يختزل النقاش في الضريبة وحدها جزء من واجبات المحامي كمواطن هو أداء الضريبة لكن وفق اي شكل وأي منطق هنا مكمن الخلاف مع وزارة العدل ومن بعدها الحكومة.

كبيرة هي الخلافات حين لا نحتكم الى لغة العقل صغيرة حين نستشار ونتشاور بكل تواضع وأدب وقتها يذوب الخلاف كقطعة ثلج....في المعركة القائمة الآن لايجب ان ننتظر من سيربح ليسجل نقاط واهم من يفكر بمنطق لي الاذرع، الرابح هو الوطن حين يفتت مشاكله على طاولة التفاوض حين يتراجع من أخطأ او حتى يستقيل ليس نهاية العالم،  هكذا هي الأمم الديمقراطية والأنظمة كما درسناها على يد فقهاء القانون الدستوري أما ان تستمر سياسة الأذن الصماء وان يظل الاحتكام للشارع حلا فأقول ان اليوم هذه الاحتجاجات هي لمهن منظمة ومؤطرة قانونيا ولها هيئات تحتكم وتنصت لها وتعرف سقف ما ترفع وماتقول اما مادون ذلك اذا تركنا الشارع ملاذا فهناك من لايؤطره أحد ولايتحكم فيه أحد وحده القهر وغلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية من يؤطرانه لذا لابد من وجود الحكمة والحكماء داخل هذا الوطن من أجل إيجاد حلول ترضي كل الأطراف قاعدة المحاماة شبابية بامتياز هم أمل المستقبل ورهانه لسنا كلنا ملاك ضيعات ولا أصحاب فيلات فسيحة ولا مصانع جزء قليل منهم من يرفل في هذه النعم ومنهم من قضى سنوات طويلة جدا في مهنة لاتقاعد فيها الا موتا او مرضا وحان الوقت ليترجلوا ويستريحوا أو على الأقل لينصتوا لهمس الشباب وتطلعاته.

المحاماة مهنة محترمة يأتي لها الجميع حتى من تقاعدوا من كل القطاعات العمومية يأتون لها عشقا أحيانا تقاعدا واحايين كثيرة لغسل القلوب والجيوب العامرة أكثر من اللازم في وطن جميل لايسأل إلا نادرا من أين لك هذا؟

ختاما أقول ابحثوا عن حلول راجعو قانون الميزانية فليس حتما قرأنا منزلا هناك دائما فرصة للحل اما مايقع الآن من شد للحبل فلا يخدم اي مصلحة...

وإذا هُنَّا كما هان الجميع فلا نريد لوطننا الوهن بل هو شامخ وأسمى من أي مصالح ضيقة أو عنتريات خاوية على عروشها.

أعود لأقول أعرف جيدا من فتح الأبواب ومن أشعل النيران لكني حتما لا أعرف من سيطفيها قبل أن تمتد أكثر من اللازم.