بعد انتفاضة يونيو 1981 بالدارالبيضاء، تم خلق وكالة حضرية بدعوى تنظيم التعمير بالعاصمة الاقتصادية. ومن المبررات المصاغة آنذاك أن الجماعات الحضرية آنذاك ليست لها القدرة البشرية والخبرة التقنية لمصاحبة النمو العمراني للدار البيضاء .
ووضعت السلطة المركزية يدها على هذه المؤسسة بوضع الوكالة الحضرية تحت إشراف وزارة الداخلية وتنصيب عامل على رأسها ليكون ندا للند مع عمال الدارالبيضاء وعمال العمالات المحيطة بالبيضاء.
لكن للأسف الشديد بدل أن تكون الوكالة الحضرية جهازا استشاريا قويا يساعد المدينة اتحسين مستواها، تحولت الوكالة إلى "مضخة جديدة للاختلات العمرانية والتعميرية" و"حاضنة لأثرياء التعمير الجدد" بالدارالبيضاء، دون أن تكون الوكالة الحضرية فعلا جهازا استشاريا لدى المتدخلين العموميين من جهة، ودون أن تكون خير رفيق يواكب نمو المدينة لتجنب بروز تشوهات واختلالات جديدة أفظع من جهة أخرى.
المقام لا يسمح بسرد كل الأعطاب، لكن حسبي الإشارة هنا إلى إحدى أبشع الجرائم التي أفرزتها تصاميم الوكالة الحضرية للدار البيضاء، إذ بتغيير حي كان مخصصا للفيلات إلى حي مخصص للعمارات وللأنشطة الخدماتية (فنادق، مكاتب، محلات تجارية، إلخ...)، يتم "التسقريم" في الأرض وحذف إلزامية خلق باركينات عمودية أو باطنية بمحيط الشوارع المعنية، أضف إلى ذلك أن التصاميم الجديدة ترخص بتحويل أسفل العمارات إلى مقاهي وصيدليات ومتاجر كبرى ( بيم، كارفور، مرجان....)، ومطاعم ومصحات خاصة ومدارس خاصة وأندية فيتنس، وماشاكل ذلك، دون أن يكون التصميم يتضمن على الأقل un recul بالشارع حتى يتسنى للمتبضعين وزبناء المرافق التجارية والخدماتية بالشارع المذكور الوقوف بسياراتهم لقضاء،أغراضهم دون عرقلة السير والتسبب في جلطة مرورية.
المؤسف أن هذه الأخطاء القاتلة ارتكبت في عهد بانسو في أواخر التمانينات والتسعينات من القرن 20 لما تم إصدار تصاميم نصت على تحويل أحياء عديدة: "بدر وبوركون والمستشفيات و2 مارس، إلخ..." من فيلات إلى عمارات. وبدل أن يتم تدارك هذه الجرائم والفظاعات، نجد الوكالة الحضرية تتمادى في التأشير على مشاريع هندسية، والتي عوض أن تساهم في تجويد العيش تتحول هذه المشاريع إلى سرطان يقتل كل رغبة في التنقل بشوارع الدار البيضاء خاصة وأن التنطيق الجديد يتميز بخلق كثافة سكانية رهيبة في الحي المعني دون تمتيعه بمرافق توازي الضغط السكاني.
صحيح ، المنتخبون لديهم دور في هذا الباب، والإدارة الترابية تتحمل أيضا جزءا من المسؤولية، لكن في نظري تبقى الوكالة الحضرية أكبر جهاز عمومي أجرم في حق الدار البيضاء دون أن تنهض الحكومة أو البرلمان ليضعا حدا لهذا التسيب العمراني بأكبر مدينة بالمغرب، ودون أن تعبئ الأحزاب منتخبيها وخبرائها لحشد الرأي العام حول جرائم الوكالة الحضرية.
انظروا إلى مدن أوربا وأمريكا، لماذا لم يستفد مسؤولو الوكالة الحضرية بالبيضاء من المخططات الحضرية بهاته المدن الغربية؟ ألا يوجد عقلاء بوزارة الداخلية للجم هذه البشاعة بالعاصمة الاقتصادية؟ ألا تتوفر الجامعات والمعاهد المغربية على مهندسين وخبراء ليملأوا الدنيا صخبا وصراخا ضد هذا الإجرام العمراني؟ ألا يوجد في الهيأة الوطنية للأطباء حكماء ليقدموا للرأي العام دراسات حول التأثيراث الكارثية لتصاميم الوكالةالحضرية على الصحة النفسية والعضوية لسكان البيضاء؟ ألا يوجد بالهيأة الوطنية للموثقين وطنيون صادقون ليكشفوا للرأي العام أغنياء التعمير بالبيضاء الذين تحولوا بقدرة تصميم "أرعن" من "الله كريم" إلى كبار الميسورين بالمغرب دون أن يساهموا في تمويل المرافق العمومية؟ ألا يوجد من بين الاقتصاديين المغاربة كفاءات تفضح الخسارات التي يتعرض لها الاقتصاد المحلي بالبيضاء بسبب هذا العمران الكسول الذي لا يستحضر أبسط متطلبات التنقل والعلاقة بين المرفق وتراقصات المواطنين والأضرار الاقتصادية الناجمة عن ذلك؟ ألا يوجد في ولاية أمن البيضاء كوميسير ينتفض ويقول اللهم إن هذا منكر ويستشهد بحالات لشوارع رخصتها تصاميم الوكالة الحضرية حديثا ليواجه بها مدبرو التخطيط الحضري الأعرج، من قبيل: عين البرجة ولاجيروند وشوارع: عبد الله الشرقاوي وميموزا وطريق الوحدة وأبوبكر القادري وطانطان وعبد الرحيم بوعبيد والمنظر العام ومولاي سليمان ومولاي إسماعيل......؟ ألا يوجد بالنيابة العامة قاض رزين يقود مسؤولي الوكالة الحضرية إلى سجن عكاشة ليكونوا عبرة لكل من لم يسخر علمه ومنصبه لتحسين مستوى عيش المغاربة؟ ألا يوجد في الفيدرالية المغربية للمنعشين وفي جمعية المنعشين بجهة البيضاء مستثمر واحد "يقلب الطابلة" على زملائه المنعشين ويقول لهم: "باركا من الريع، شبعنا وتمخمخنا بفضل همزة تصاميم الوكالة الحضرية، وعلينا اليوم أن نتوب إلى الله وأن نسدد جزءا من الديون لسكان البيضاء بإحداث صندوق خاص لتمويل إحداث باركينات وأنفاق وقناطر، من الأرباح الفرعونية التي لهفناها طوال 20 سنة"؟!.
إن لم يتحقق أي من هذه المطالب، نأمل أن يتم "قصف الوكالة الحضرية " وردمها ردمة نهائية مادامت لم تأت بأي قيمة جمالية وعمرانية إضافية للدار البيضاء !