الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

في كتاب حول العيون: عبد الله أعطار يكشف مسار التحولات النوعية في مدن الصحراء بعيون إسبانية

في كتاب حول العيون: عبد الله أعطار يكشف مسار التحولات النوعية في مدن الصحراء بعيون إسبانية الدكتور عبد الله أعطار لدى تقديم الكتاب في حفل نظمته المدرسة العليا للتكنولوجيا بالعيون
 يشرح الدكتور عبد الله أعطار، أستاذ بجامعة ابن زهر بأكادير تخصص الدراسات الإسبانية، مسار التحول النوعي والتاريخي والعمراني الذي شهدته الأقاليم الجنوبية المغربية، منذ فترة الاستعمار الاسباني إلى اليوم، والذي يرصده الكتاب: " مشروع العيون: بنية المجال الحضري إبان التواجد الإسباني بالصحراء"، والذي نزل للمكتبات باللغة العربية في نونبر 2022.
ويؤكد أعطار، العضو  المؤسس للجمعية المغربية للدراسات  الايبيرية والايبروأمريكية (AMEII)، وعضو مختبر البحث حول المغرب والعالم  الناطق بالاسبانية (LIMHIS)، في حوار مع موقع "أنفاس بريس"، على أن مسار البنيات التحتية والتنمية بالأقاليم الجنوبية يضاهي نظيرتها في بعض الدول الأوربية كما رصدها كتابه المترجم من الكاتب الصحفي 
 الاسباني "خواكين كاسارييغو ميريز"، وما تلاه من تحويلات بنيوية وعمرانية انعكست على ما هو ثقافي واجتماعي واقتصادي":
 
 
صدر لك عن "المدرسة العليا للتكنولوجيا بالعيون"، كتاب مترجم من الإسبانية إلى العربية بعنوان "مشروع العيون: بنية المجال الحضري إبان التواجد الإسباني". ما الجديد الذي قاربه مؤلفك؟
كتاب "مشروع العيون: بنية المجال الحضري إبّان التّواجد الإسبّاني بالصّحراء". هو ترجمة من الإسبانية إلى العربية لدراسة علمية وأكاديمية حديثة على الأقاليم الجنوبية للمغرب في موضوع التعمير والتمدين والتنمية الشاملة التي تشهدها منطقة الصحراء، ليس فقط إبان التواجد الاسباني بالمنطقة، وإنما كذلك منذ أواخر السبعينات إلى الحاضر، إلى جانب نبذة عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية لساكنة الصحراء والمسار التاريخي الذي ميز مختلف مراحل التوغل الاسباني بالصحراء اللذين خصص لهما الكاتب "خواكين كاسا رييغو راميريز" Joaquin Casariego Ramrez، معظم صفحات كتابه. هناك أيضا دراسة تقنية للأساليب الهندسية والتصاميم المعمارية التي اتبعها مهندسو الجيش الاسباني لإرساء النواة الأولى لمفهوم المدينة العصرية بالصحراء، وخاصة مدينة العيون. وأكثر من هذا وذاك، فالكاتب "كاسارييغو ميريز"، أبى إلا أن يربط ماضي التنمية الحضرية والعمرانية بالصحراء بحاضرها، حيث أوكل مهمة كتابة مدخل الكتاب المعنون بـ"العيون: هنا جانبا"، إلى الكاتب الصحفي "آنخل تريستان بيميينتا"، وهو شخص متمرس في الميدان العسكري، سبق أن أوكلت إليه الدولة الإسبانية عدة مهمات استراتيجية في مستعمراتها بعدة مناطق من العالم. تريستان بيميينتا وصل إلى الصحراء ـ مدينة طانطان ـ سنة 2013 للاطلاع على المسيرة التنموية بهذه الربوع قبل كتابة المدخل لهذا الكتاب، وهي المرحلة التي قادته بمعية أحد مغاربة الصحراء، من قبيلة أولاد دليم، إلى كل من مدينة العيون والداخلة في الأخير.
 
بسط كتابك دراسة علمية أكاديمية حول المنطقة. ما النتائج المتوصل إليها ضمن الإصدار الجديد؟
تتميز مدينة العيون، مسقط رأس الكاتب، بنسيج عمراني فريد، ما جعل المباني الرئيسية لهذه المدينة تلازم ذاكرة "خواكين كاسارييغو راميريز"، الذي خلف لنا في السنوات الأخيرة من عمره دراسة علمية معمقة حاول أن يجيب فيها على الإشكاليات التالية: ما الأسباب التي جعلت المنطقة تنتظم بطريقة وليس بأخرى؟. ما العوامل التي تتحكم في التوزيع السكاني وإنشاء المواقع العسكرية والمدنية؟ كيف كان ممكنا التفكير في تنزيل وتشييد المدن؟ أي نوع من المدن؟ مدن من أجل من؟ مدن صمّمت من طرف من؟... 
 
في هذا الجانب عمد الكاتب إلى إظهار الدور الأساسي لمهندسي الجيش الاسباني الذين راكموا تجربة كثيرة في المستعمرات الاسبانية في أمريكا وآسيا وأفريقيا، وبذلك يتمتعون  بحرية العمل لا يتمتع بها كثير من نظرائهم في الميدان المعماري. كما أنهم في منأى عن التوجهات الايديولوجية للدولة، مما انعكس إيجابا على إبراز مهاراتهم التقنية في التصاميم الهندسية والتوسعات والمخططات التوجيهية للمباني والشوارع والأزقة والساحات..
 
إن ظهور مدن استعمارية بهذه الخصائص، خاصة المهنية في اختيار موقعها الجغرافي وبنيتها الأساسية، هو تتويج لمسار كولونيالي الذي انطلق منذ عقود متعددة، والذي كان من نتائجه خلق أماكن حضرية ساحرة. بالمقابل تظهر كذلك مواقع هامشية لهذه المراكز الحضرية، وهي أماكن للمليشيات الموالية للمستعمر، والتي تسهر على ضمان  بسط المحتل سيطرته على كافة الأراضي الواقعة في مجال نفوذه. هذه المراكز الهامشية بدورها، مع مرور الزمن، تخضع للتهيئة ضمن برامج تنموية عملاقة أطلقت في السنوات الأخيرة في عموم المجال الصحراوي.
 
 تشكل وضعية المدن الكولونيالية، على غرار مدينة العيون، "مجمعات حضرية ثنائية"، تناط بها أدوار اقتصادية في شكل عقدة "هيكلية تربطها بنظيراتها التي تشترك معها في نفس الخصائص في المستعمرات الأخرى. هذه البلدات ذات الطابع الحضري يتم الدفاع عنها بقوة لأنها تحتضن الأنشطة الحيوية للمستعمر ويتم حراستها على شكل قاعدة عسكرية مغلقة ووحيدة الشأن يستحضر  النظام القديم "الفاكطوريا" الشائع في القرن التاسع عشر.
 
يقع عاتق تنمية المجال الجغرافي على المدن التي تقع على ذلك المجال بحكم سهولة الحصول على الفضاء العقاري المزمع تهييئه للتمدين، وذلك بتطبيق ملكية "الأمر الواقع" إبان سنوات الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. وهذا من طرف الاحتلال العسكري.
 
ما مكن اختيار موقع العيون بعناية فائقة من طرف مهندسين أكفاء الذين تفننوا في تهيئته الحضرية، في هندسته العمرانية والتصميم الهيكلي للمدينة. وكانت النتيجة ظهور نواة حضرية تقع في مكان متميز ويحيط بها فضاء جد متجانس وجذاب. 
 
ركّز الكتاب في ثلثيه على الجوانب الثقافية والتاريخية والإجتماعية. كيف هي قراءتك للتداخل بين الجوانب التاريخية والثقافية والاجتماعية؟.
معظم فصول الكتاب يتداخل فيها ما هو تاريخي وثقافي واجتماعي، بالإضافة طبعا لظاهرة التمدين بالصحراء. هدف الكاتب من ذلك هو الإحاطة بكل الظروف التي ميزت ظهور المدن بالصحراء وكيف تمّ الانتقال من نمط البدو إلى التمدن، علما أن الحياة في الصحراء يغلب عليها طابع الترحال.
 
 على المستوى التاريخي لاحظ الكاتب أن ساكنة الصحراء كانت دائما في علاقة تجارية بين ساكنة وسط المغرب وبلدان أو قبائل أو التجمّعات السكنية المتواجدة جنوب الصحراء، في مالي  والنيجر وموريتانيا..
 
أما على المستوى الاجتماعي، فالمجتمع الصحراوي، في نظر الكاتب، عبارة عن خليط متجانس بين العرب والأمازيغ، بالإضافة إلى تواجد أعراق مختلفة من جنوب الصحراء، يعيشون في ودّ وسلم وأمان، خاصة في مدينة العيون التي زارها سنة 2013 "آنخل تريستان بيميينتا" الذي أوكل له الكاتب كتابة "مدخل" الكتاب.
 
وبالنسبة للمستوى الثقافي، فهو نتاج لكل هذه العلاقات التي تربط تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا ساكنة الصحراء بوسط شمال المغرب وبدول جنوب الصحراء. كل ذلك نتج عنه عادات وتقاليد  وأساليب العيش التي تميز الآن ساكنة الصحراء، مما جعلها أرضا للتعايش السلمي والتنوع الثقافي الذين أصر الكاتب على إظهارهما في العديد من فقرات وفصول هذا الكتاب. كل ذلك انعكس في نموذج البناء الحضري والعمارة في الصحراء، حيث يعتمد على مواد بناء مختلفة، تتكون من مواد بدائية كالطين والحجر والخشب إلى مواد أكثر تطورا كالإسمنت المسلح والحديد والياجور ومواد أخرى أكثر تطورا وتدخل في البناء الحديث. وبين الأصالة والمعاصرة في البناء، نلاحظ ظهور نوع من العمارة المستدامة التي تعتمد على مواد طبيعية أكثر حفاظا للبيئة مما جعلها في طليعة المباني الأقل استهلاكا للطاقة والمواكبة للتوجهات الدولية ضد التغيرات المناخية.
 
هذا يقود إلى سؤال مفاده أنه بعد استقلال المنطقة عن الاستعمار الاسباني سارع المغرب للاستثمار الاقتصادي والاجتماعي والتنموي طيلة 47 عاما. ما تقييمك لما تحقق؟
إذا كان الكاتب  "خواكين كاسارييغو  راميريز"  قد  خصص  كتابه لفترة ما قبل  أواخر  السبعينيات من القرن الماضي، فإن الكاتب الصحفي  "آنخل تريستان بيميينتا" الذي  أوكل له  صاحب الكتاب كتابة  "المدخل"، قام  بزياة  للمنطقة سنة 2013 وقادته إلى مدينة طانطان، ثم العيون، وختمها  بمدينة الداخلة. في هذه الزيارة وقف  الكاتب على المنجزات التي تحققت في الصحراء بعد الاستقلال، ووصف لنا كيف تطور البناء في الصحراء. وأصبحت معظم المدن، وخاصة  تلك التي زارها  تضاهي مثيلاتها ببعض الدول الأوروبية. كما ركز على أحد أهم شوارع  مدينة العيون "نهج محمد السّادس" حاليا، ليصف لنا كيف أن المباني تظهر في خط مستقيم  ومتناغمة، كما أن بعضها يبدو شاهقا يوحدها اللّون الآجوري.
 
 أعتقد أنه لو أتيحت لهذا  الكاتب الصحفي فرصة زيارة جديدة في هذه الأيام إلى الأقاليم الجنوبية  للمغرب لكتب أكثر مما كتب عن التنمية والبنيات التحتية في الصحراء في "مدخل" كتاب "مشروع  العيون:  بنية المجال الحضري إبان  لتواجد الاسباني بالصحراء"، خاصة  في ظل أوراش النموذج التنموي الخاص بالأقاليم  الجنوبية للمغرب.
 
 
لم يكن المغرب في حالة سلم وهو يسترجع صحرائه، كما هو شأن عدد من الدول، بل كان في فترة حرب مع الجزائر وحلفائها من 1975 الى 1991، ومع ذلك تمكن من خلق أقطاب حضرية ومدن وبنيات تحتية وعمران وشيد مدارس وكليات وموانئ و...، في نظرك  كيف كسب المغرب هذا الرهان وأغاض الخصوم؟
يمكن اعتبار هذا الكتاب برمته بمثابة الإجابة عن السؤال. فحينما ظهر الكتاب سنة 2014، وكأنه يدعم التوجه الذي سار فيه المغرب لإعمار الصحراء. هذا الكتاب يدعم بقوة مغربية الصحراء في عدة مقاطع منذ بداية الدراسة العلمية إلى نهايتها. ومن مجملها حينما يؤكد الكاتب على تشبت ساكنة الصحراء بالهوية المغربية. الكاتب الصحفي "آنخل تريستان بيميينتا" لاحظ اطلاعه على ذكريات وصور تاريخية التي احتفظ بها رفيقه المغربي من قبيلة "أولاد دليم"، كيف أن ساكنة الصحراء مازالوا يحتفظون بصور المغفور له الملك الحسن الثاني في خيامهم وفي سكناهم، معبرين بذلك عن ولائهم الدائم لملوك المغرب؛ والتجانس الحاصل بين ساكنة الصحراء التي يمزها توافق اجتماعي و"إحساس بنظام وقائي"، على غرار ساكنة الضفة الأخرى أو "كما هو شائع كذلك في جزر الكناري".
 
 كل الشهادات وغيرها تبين في نظر الكاتب أن منطقة الصحراء "معروفة منذ القدم كجزء لا يتجزأ من الجنوب المغربي، كما أن منطقة الصحراء أو "بيربيريا"Berberia و"خانديا"Jandia أو جزر الكناري هما منطقتان تربطهما علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية على مر العصور. ومن شأن مسؤولي  المنطقتين في الوقت الحاضر استثمار هذه المعطيات للإسهام في تحسين وتطوير العلاقة بين الطرفين لترسيخ قيم "التضامن وحسن الجوار".