الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

بوزيد: المغرب ربح الكثير في علاقاته المالية والاقتصادية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي

بوزيد: المغرب ربح الكثير في علاقاته المالية والاقتصادية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عزوزي بوزيد
أعلنت مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بأن الاجتماعات السنوية لهاتين المؤسستين سوف تُعقد في أكتوبر 2023 في مدينة مراكش، وذلك لأول مرة في إفريقيا منذ 50 سنة.
في هذا الإطار اتصلت "أنفاس بريس" بالأستاذ الجامعي عزوزي بوزيد ومدير سابق للمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE الرباط لمعرفة وجهة نظره حول ماذا ربح المغرب في تعامله مع هذه المؤسسات الدولية؟ وماهي التأثيرات السلبية التي تخلفها توصياتها التي دأبت على الدعوة إليها بتخلي الدولة عن الخدمات الاجتماعية؟ فأعد الأستاذ عزوزي الورقة التالية: 

المغرب وصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي في أفق أكتوبر 2023 بمراكش
                         

أود بداية أن أؤكد وأسطر على البعد المنهجي في بناء هذا السرد الذي تطلب تركيزا عاليا جدا من أجل توفير كافة المواد الخام لتحريره مع البحث عن بساط السلاسة الهادف إلى إيصال المعطيات البسيطة من أجل تقديم المعرفة اللازمة في أفق نشاط اقتصادي كبير سيعرفه المغرب السنة القادمة بحول الله  مع أبعاد سياسية غاية في الأهمية .
هناك عدد كبير من الجوانب لن يسمح الوقت بالتطرق إليها رغم أهميتها العالية من زاوية المقاربة المنهجية لتقريب عدد من الأبعاد الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وتسليط الضوء على الزوايا الإستراتيجية لتدبير المجتمع في الظروف الصعبة التي يمر منها العالم من أدناه إلى أقصاه.
 
إن الإطار التحريري الذي سلكته ، الملتمس لمزيد من الطموح من أجل إغنائه ، قد يجد عذره في تدبير الوقت من أجل تقديم المحاور الأساسية وذلك في فترة زمنية جد ضيقة.
إن المحاور التي تثيرها الأسئلة المطروحة لها أبعاد عالية الأهمية ، إذ لها عمق اجتماعي-سياسي وفي بعض زواياها لها عمق سياسي-إيديولوجي.
 
قد لا تفي الأجوبة الواردة أدناه بإشفاء الغليل كليا ، نظرا لكونها تتطلب الإطلاع الكافي والمعمق على محتوى الملفات التي تدبرها مختلف الوزارت والهيئات الإقتصادية الممثلة لهذا القطاع ، والمكونات السياسية للمجتمع السياسي ، والإجتماعية مثل النقابات والمجتمع المدني.
 
كل إجابة على هاته الأسئلة خارج نسق التطورات الساخنة الدولية الراهنة ودون التعاطي مع التكيفات اللازمة والواقعية مع هذا النسق هي محض تهيؤات وتخرصات ذات أبعاد نظرية بعيدة عن التعبير عن حاجيات المجتمع المغربي.
في هذا الإطار العام والمحدد للإشكالية المثارة من خلال الأسئلة من جهة ، ولتمكين قراء جريدتيكما من استيعاب الأجوبة التي سأحاول تقديمها مساهمة مني في تنوير الرأي العام من جهة أخرى ، أقترح تسليط الضوء على الأرضية التعريفية للمؤسستين الواردتين ضمن الأسئلة المقترحة. 
 فالاستعدادات قائمة على قدم وساق لتمكين مدينة مراكش من احتضان الإجتماعات السنوية لمجموعة صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي خلال شهر أكتوبر من السنة القادمة 2023.
 
وقد ورد أن عدد المشاركين قد يصل وربما قد يتجاوز 14 ألف شخص يمثلون 189 دولة عضو في صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي مما سينشط الحركة السياحية بالمدينة الحمراء.
 
أود الإشارة إلى  أنني اشتغلت مع صندوق النقد الدولي FMI والبنك الدولي BIRD في ملفات القروض الممنوحة للمغرب كما مع البنك الأوربي للإستثمار BEI والبنك الإفريقي BAD وصناديق التمويل والإستثمار بالدول العربية الشقيقة كصندوق أبوظبي خلال فترات طويلة بالبنك الوطني للإنماء الإقتصادي بالرباط BNDE  نهاية العشرية السابعة من القرن الماضي لمتابعة الملفات الحسابية للقروض وطيلة العشرية الثامنة للقروض الممنوحة لعدد من الشركات المالية والصناعية والسياحية وبداية التاسعة لتمويل المقاولات المتوسطة والصغرى PME.
 
كما شاركت في المفاوضات مع عدد من المسؤولين الإقتصاديين والماليين لهاته المؤسسات من أجل مراقبة القروض الممولة للمشاريع الإستثمارية المتوسطة والكبرى.
 
كانت الإجتماعات مع أطر الصندوق والبنك تتسم بروح المسؤولية العالية والإستعداد بأريحية عالية لمنحنا القروض المطلوبة والكافية لتمويل المشاريع الصناعية على كافة التراب الوطني بدء بإقليم العيون الذي كان على رأس إدارته الترابية آنذاك العامل الشهم الفقيد صلاح زمراك رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.
 
مجموعة من الأجوبة على الأسئلة المطروحة من طرف جريدتي "أنفاس بريس" و "الوطن الآن" تجد صداها في القسمين التاليين: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
 
  •  القسم  الأول 
صندوق النقد الدولي ، ص.ن.د FMI  
 
هو مؤسسة مالية عالمية يوجد مقرّها الرئيسي بواشنطن بالولايات المتحِدة الأمريكية ، وقد تأسس سنة 1944 وبدأ أشغاله عاما من بعد أي سنة 1945 خلال مؤتمر بروتن-وودز  بإيعاز من عدد من المفكرين الإقتصاديين مثل مينارد كينز.
ولم يبدأ فعليا أشغاله إلا 11 سنة من بعد أي سنة 1956 بعد تمكن المؤسسة العتيدة من تجميع 29 دولة التي كان هدفها الأساسي هو إعادة هيكلة النظام الدولي بعد مرحلتين قاسيتين اجتازهم الإقتصاد العالمي:
 
-أ. الأزمة الإقتصادية لسنة 1929.
-ب. الحرب العالمية الثانية وتمويل مخطط مارشال. 
 
من ضمن أهداف ص.ن.د: 

-1. دعم السياسات الاقتصادية التي تعزز الاستقرار المالي والتعاون في المجال النقدي التي تمثل ضرورة للإنتاجية
-2. العمل على تأطير السوق النقدي الدولي 
-3. العمل على الحفاظ على الاستقرار المالي العالمي 
-4. المساهمة في تسهيل توسع التجارة الدولية 
-5. حث الدول على رفع عدد مناصب الشغل 
-6. الدفع بعجلة النمو الاقتصادي المستمر والرفاهية وتحقيق النماء والرخاء المستدام 
-7. المساهمة في تقليص الفقر في القارات الخمس 
-8. عدم تشجيع سياسات الحكومات التي تضر بالرخاء ورفاهية المواطنين والعمل على تحسين ظروف حياتهم .
يلعب ص.ن.د  دورًا حيويا في تدبير المشاكل المرتبطة بالأزمات المالية العالمية بدء من ميزان المدفوعات وانتهاء بمنح القروض.
 
هنا تجدر الإشارة إلى ان الدول المنضوية تحت لوائه وعددها 189، وهي تقريبا نفس البلدان المكونة لهيئة الأمم المتحدة ، تساهم في تمويل احتياطات هذا الصندوق على أساس نظام معروف ب"نظام الحصص" الذي يسمح للدول الأعضاء عندما تواجه مشكلات مالية أساسا في ميزان المدفوعات بالإقتراض من خزينته.
أشير إلى أن ص.ن.د  يدار من طرف الدول الأعضاء وإدارته مسؤولة أمامها.
 
  • القسم الثاني       
    مجموعة البنك الدولي Banque Mondiale
 
البنك الدولي هو مصدر أساسي للدعم المالي والتقني لجميع البلدان الأعضاء، ويقدم القروض والائتمان والمشورة وعددا من الخدمات، كما يقدم المساعدة المالية والتقنية للبلدان الملتمسة للمساعدة.
 
البنك منظمة دولية تتألف من خمسة هيئات:
 
-1. البنك الدولي للإنشاء والتعمير BIRD
-2. المؤسسة الدولية للتنمية AID 
-3. الشركة المالية الدولية SFI 
-4. الوكالة متعددة المهام لضمان القروض AMGI
-5. المركز الدولي لتسوية نزاعات الإستثمارات CIRDI 
 
 ومن بين مهام البنك الدولي:
* التنمية الإقتصادية والعمل على إنهاء الفقر المدقع ، وتشجيع الرخاء وأمن المواطنين ، والتنمية الحضرية والإجتماعية،
* المساهمة في تثبيت أسس العدالة وسيادة القانون وتحسين الحوكمة والمساهمة في إصلاح القطاع العام والحد من الفساد ومكافحته من أجل تهيئة مناخ متميز للعمل التجاري والاستثمارات.
* تحسين الخدمات الأساسية من أجل تنمية استثمار القطاع الخاص
وكذلك الإقراض من أجل العمل التحليلي والاستشاري.
 
  •    القسم الثالث 
         البعد الإجتماعي 
 
جاء في السؤل أعلاه : "ماذا ربح المغرب في تعاملاته مع هذه المؤسسات ؟ "
لقد ربح المغرب الكثير في إطار علاقاته المالية والإقتصادية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والشركة المالية الدولية منذ ستينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا.
إن الإنخراط في دينامية العمل مع المؤسسات المالية الدولية يمكن اقتصادنا ومرافقنا المالية من الإستفادة إلى أبعد الحدود من التمويل والاستشارة والتأطير، بالموازاة مع النفاذ إلى مراكز القرار التي تدبر المالية الدولية والتي تؤثر في القرارات السياسية على مستوى العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف كما في ألمؤسسات الدولية السياسية والإقتصادية والقانونية والصحية بجونيف ونيويورك ولاهاي الخ.
              
واليوم في أفق تهييء اجتماع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المزمع تنظيمه خلال شهر أكتوبر من السنة القادمة 2023  ببلادنا، بدأ أطر الصندوق مجموعة من الإجتماعات بالمغرب لجمع المعطيات حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الحالية، من أهمها: 
 
-1. مشروع تعميم التغطية الاجتماعية 
-2. فرضية تنزيل "مخطط التعاقد" في الوظيفة العمومية 
-3. مخرجات الحوار الاجتماعي الذي تم مؤخرا بين الحكومة المغربية والمركزيات النقابية على أن تتم لاحقا لقاءات هامة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب CGEM
-4. مخرجات ملف التقاعد الذي يناقش مع الحكومة والذي تصرح النقابات بأنها ترفض الإصلاح الذي قديكون على حساب الأجراء salariés لأنها تقول بأن هذا التوجه المعتمد من طرف صندوق النقد الدولي يسعى إلى:

*أ.  تفكيك تشريع العمل من أجل تشجيع خلق مناصب الشغل 
 *ب. خفض تكلفة العمل من أجل تشجيع التشغيل  
*ج. افتقار فرص العمل الهشة للحماية الاجتماعية والصحية 
*د. التعاقد : العمل بالعقدة ، والعقود المحددة الوقت في الإدارة العمومية 
 *ه. حذف صندوق المقاصة وتشطيبه من قائمة المؤسسات العمومية بسبب إثقاله لميزانية الدولة
 وقد ورد عن بعض المصادر الممثلة للمجتمع بأن هذا الأمر قد يمكن الدولة من بعض الأرباح ، لكنه غير متزن اجتماعيا لأنه قد  يتسبب في انخفاض منسوب الإستقرار الإجتماعي.
ما هو أكيد هو أن كل قرار يتخذ من طرف الحكومة ستكون له أبعاد سياسية واجتماعية ؛ ولهذا عليها أن تقوم بدراسات اجتماعية واقتصادية معمقة ذات الأبعاد السياسية والمخرجات المجتمعية بوضع أسئلة حيوية: 
 
-أ. ماهي الأبعاد الإجتماعية للتعاقد؟ 
-ب. كيف ستكون تأثيرات حذف صندوق المقاصة على المجتمع؟
 
إن الأجوبة على هاته الأسئلة لها ارتباطات قوية ووثيقة مع: 
 
-1. مستوى الإستثمارات في الجهات 12 من وجدة إلى طنجة فإلى الكويرة  
-2. عدد مناصب الشغل التي ستخلق فعليا 
-3. علاقة مستوى التكوين لدى طالبي الشغل مع حاجيات المقاولات من الناحية التكنولوجيات المتوفرة 
-4.  مدى القدرة المالية للدولة على توفير شروط ملائمة لمستوى العيش اللائق والتعليم والتطبيب والتنقل في ظروف تستجيب لطموحات المواطنين الذين أصبحوا ملتصقين بشاشة الهاتف النقال الذي يوفر المعلومة الواردة من البرازيل أو إفريقيا الجنوبية أو كوريا الجنوبية في وقتها الخ ويجعلهم يقارنون محيطهم مع ما يصل إليه عبر الفضاء الأزرق 
-5. ما هي القيمة الإقتصادية المضافة في الناتج الداخلي الخام مقابل القيمة الإجتماعية المفرزة وحيثياتها؟
-6.  كيف يصبح ميزان الأداءات والميزان التجاري ومدى تأثر الإقتصاد الوطني بالتضخم وبالتالي بالقدرة الشرائية للمواطن؟
-7.  ما هي قدرة صمود المواطن المغربي في تدبير مصاريف دراسة أبنائه وقوتهم وملبسهم وتطبيبهم وتنقلهم؟ 
عبر هاته الأسئلة، تفرز مجموعة من التساؤلات تتبادر إلى مقدمة اللسان حين تنظر المواطنة صباحا في المرآة وترى جفنين شاحبين وعينين جاحظتين تحسرا وخوفا من أن لن تقدر أسرتها على توفير وجبة أكل لأبنائها أو شراء دواء لرضيعها ...
 
قد يكون من السهل المناداة بنظرية مينارد-كينز أو ريكاردو أو كالبرايت أو فريدمان وغيرهم ولكن هل يمكن تطبيق تلك النظريات التي جاء بها القرن العشرون على مجتمعنا الذي يعيش في القرن الواحد والعشرين بخصوصياته في فضاء دولي متأزم عجز عن تدبيره الساسة الذين صنعتهم السلطة الرابعة ذلك الإعلام الخاص ، صنعتهم لحاجة في نفس يعقوب ، وتوارى عن الأنظار زعماء سنين الوفرة لتقديم الاقتراحات من أجل انتشال مواطنيهم من براثين العوز؟
السؤال هو ليس اختيار فكري أي ليبيرالية أو نيوليبرالية أو غيرهما بقدر ما هو "سياسة بعد النظر في إطار نظام السوق" مع وظعها في قالبها الآني والوضعي والموضوعي.
أعتقد بأن تدبير الشأن العام خلال القرن الحالي تغير كليا وجذريا عما كان عليه الحال خلال النصف الثاني من القرن الماضي، لكل زمان قواعده السياسية كما هو الحال لرجاله فكرا وتدبيرا وحنكة وتكيفا.
ما هو أكيد هو أن التهيئة المجالية aménagement du territoire أصبحت أولوية مع كل ما يرافقها من تدبير إداري وحوكمة رائدة:
 
-1. التجاوب السريع مع بناء المنشئات الأساسية infrastructures de base مع الحاجيات الجهوية من طرق ، وهاتف ، وماء ، وضوء ، ومراكز ثقافية ، ودور شباب ، وملاعب الخ ، 
-2. خلق مناطق صناعية ومناطق أنشطة اقتصادية 
-3. منح الرخص الإدارية بسرعة كبيرة بل قصوى للمقاولين من أجل جعل القطاع الخاص هو القاطرة للتنمية الإقتصادية 
-4. محاربة الفساد الإداري من رشوة وتباطؤ في تدبير الملفات الإستثمارية والمانحة للإمتيازات التي يمنحها القانون، هذا الفساد الذي يثبط العزائم ويفرمل الإرادات الوطنية العالية الحساسية بمسؤولياتها الإقتصادية والإجتماعية
 
وقد طرقنا باب العشرية الثالثة من القرن21 فالإختيارات لم تبق إديولوجية بقدر ما أن لها عمقا اجتماعيا-سياسيا محضا.
المطلوب هو نزاهة الإدارة بكل مكوناتها تدبيرا وتسييرا بإحكام ، وأخلاقا عالية ، وقيما وطنية سامية ، بالموازاة مع تأطير التعليم بنفس المقومات الأخلاقية والقيمة من أجل صناعة الطفل المغربي الوطني النزيه والقادر على أن يصبح رجلا ناجحا بمفهومه المغربي وبعده الوطني.
إذا ما سارت الإدارة على هذا الدرب فالمجتمع سيسلك مسلكا مغايرا لما عرفناه سالفا.
كلما تعلم المغربي وتثقف، وأصبحت الإدارة نظيفة، بنت الديمقراطية هيكلتها بثبات وأمان، وتمكن وطننا الغالي من الصعود إلى مقدمة الدول والأمم.
إن الإنتماء إلى قائمة الدول النامية ليس قدرا محتوما، فلنا من الموارد البشرية الكفئة العديدة والطبيعية الكافية والموقع الجغرافي الإستراتيجي، ما يوفر لنا كافة الشروط لإقلاع أقوى وأسرع بالقيادة الرشيدة لجلالة الملك سيدي محمد السادس حفظه الله وأمده بالصحة والعافية وأطال في عمره الذي بكل شجاعة وقوة وجرأة أعطى انطلاقة فعلية ونوعية فريدة وعالية الحيوية لنمو المغرب بكل أبعاده منذ اعتلاء عرش أسلافه الميامين يوم 30 يوليوز سنة 1999.