رغم أن الملك محمد السادس زار جهة طنجة أكثر من 300 مرة منذ توليه الحكم عام 1999، فإن الزيارة الحالية التي يقوم بها لعاصمة البوغاز هي المحطة التي تحظى أكثر بكشافات الضوء من طرف المتتبعين. ليس لأن الملك «ربى الكبدة» على منطقة الشمال منذ أن كان وليا للعهد، لدرجة أن البعد الإنساني هو الذي يضبط علاقته بالشمال أو لأنه يتخذ الشمال كمكان مفضل لكل الأنشطة ذات الشحنة الرمزية (حفلات الولاء + تعيين كبار ضباط الجيش + استقبال رؤساء الأجانب فضلا عن إصداره لمعظم التعيينات من هناك)، بل لأن الزيارة الملكية الحالية تأتي في سياق خطير جدا ألا وهو سياق التمرد العلني ضد الدولة وتحدي السلطة الأمنية بشكل مستفز من طرف «أصحاب الغبرة» والسلفيين الوهابيين. لدرجة أن هذا التحالف (تحالف مافيا الكوكايين مع الأصوليين) إن استمر فمن شأنه أن يحول المغرب إلى «كولومبيا إفريقيا». فمن جهة هناك تطور في أشكال الجريمة المنظمة والسطو على المؤسسات المصرفية بالسلاح الناري، ومن جهة ثانية تجرؤ الأصوليين على إعلان طنجة «إمارة سلفية محررة» عنوانها البارز التهجم على الصحفية نسيمة الحر، ليس لشخصها، بل لقناة «دوزيم» ضدا على اختراقها الفضاء الأصولي واستجوابها لنساء السلفيين، وهنا الخطر على الأمن بالمغرب. ففي الأمن الروحي يعد منع دوزيم والتهجم عليها من قبل دعاة الوهابيين بمثابة اقتطاع جزء من التراب الوطني عن سيادة البلاد! فيما يعد قلب سيارة الشرطة وتحقير البوليس بطنجة بمثابة تجلي للاعتداء على الأمن المادي للدولة. من هنا تلك الإشارة الذكية المتمثلة في تدشين الملك لمسجد بمعقل الأصوليين في طنجة واختيار اسم العلامة عبد الله كنون ليكون اسم هذا المسجد. ليس لأن المرحوم كنون يرمز لإحدى الأسر العريقة بطنجة أو لكونه أمينا عاما سابقا لرابطة علماء المغرب فحسب، بل لأن إطلاق اسم عبد الله كنون بمثابة رد الاعتبار للرموز الفكرية المغربية المتنورة ضد زحف الفقهاء المشارقة ذوي النزعة الظلامية، ثم ثالثا هو (أي اختيار الاسم) انتصار للفكر السلفي المغربي المتنور ضد الفكر السلفي الوهابي المتزمت والمنغلق. إن تحالف «مافيا الغبرة» مع الوهابيين بطنجة أيقظ السلطات من نشوة الوهم المتمثلة في أن 240 مليار درهم التي صرفت كاستثمار عمومي في الشمال في السنوات العشر الماضية كافية لتحقيق المصالحة مع المنطقة وتضميد الجراح التي خلفتها سنوات الرصاص. ذلك أن الانزلاق الأمني الخطير الذي عرفته عاصمة البوغاز وتحول مدن الشمال إلى مضخة لإنتاج الانتحاريين وصنع خلايا الجهاديين عقب «زواج الكوكايين مع السلفيين» أظهر أن الاستثمار في «الزفت» وفي «الإسمنت» وفي «الشوانط» لم يكن كافيا لامتصاص الاحتقان، ولم يكن كافيا لامتلاك القلوب. من هنا الصحوة التي أعلنتها الدولة مؤخرا في وجوب استدراك الخلل لجعل الاستثمارات المادية تكون متلازمة مع الاستثمارات في الجوانب البشرية. وما تسطير مشروع طنجة الكبرى إلا أحد المداخل لتجفيف «منابع الغبرة» والتطرف الديني بالشمال، بدليل أن تدشين مسجد عبد الله كنون لن يتوقف عند استنبات اسم مغربي أصيل في «إمارة السلفيين»، بل هو «ميساج» إلى أن طنجة لن تبقى خارج الرادار، خاصة وأن عدد المساجد بطنجة أصيلا لا يتعدى 630 مسجدا (منها حوالي 400 تخصص لصلاة الجمعة فقط)، بينما في إقليم شفشاون المجاور نجد 1400 مسجد، علما بأن هذا الإقليم قروي بامتياز وأقل كثافة سكانية مقارنة مع طنجة ومع ذلك يفوقها عددا في المؤسسات الروحية، مما يبرز ذاك التلازم بين قلة المساجد وضيق مساحتها بطنجة من جهة وضيق مساحة الاعتدال لدى السكان من جهة ثانية. فإذا كانت طنجة تؤرخ لنفسها بخطاب العرش عام 2002 الذي أفرد خمس فقرات لعاصمة البوغاز (امتياز لم تحظ به أي مدينة بالمغرب)، فإن زيارة الملك الأخيرة (مارس 2014) ستدخل في الحوليات للتأريخ لمرحلة استرجاع الدولة لطنجة من «مافيا الكوكايين والوهابيين». ففي المرحلة الأولى عرفت جهة طنجة ضخ الملايير للبنية التحتية (ميناء + طرق+ سكك+ أوطوروت + مناطق حرة + تأهيل حضري...إلخ.) وفي المرحلة الثانية ستوجه الجهود لطمأنة النفوس من سموم التطرف و«الغبرة» و«السيوف». وهذا هو السبب الذي حذا بـ«الوطن الآن» إلى طرق باب محمد اليازغي القيادي الاتحادي والوزير السابق في إعداد التراب الوطني الذي كان من أوائل المغاربة الذي حذر من التحالف المقدس بين تجار الكوكايين وشيوخ السلفيين الوهابيين ليقدم قراءته لزيارة محمد السادس الحالية للشمال فور عودته من الجولة الإفريقية.
محمد اليازغي، القيادي الاتحادي والوزير السابق لإعداد التراب الوطني
المخطط الملكي لتأهيل طنجة هو إعلان حرب على تجار الكوكايين والسلفيين
يقدم محمد اليازغي، القيادي الاتحادي والوزير السابق لإعداد التراب الوطني، قراءته لأسباب تردد الملك محمد السادس على الشمال التي يجملها في هدف كبير عنوانه الأساسي هو: رد الاعتبار للمنطقة التي عانت من الاستعمار الإسباني وقمع عهد الحسن الثاني من جهة وربط المغرب بمحيطه المتوسطي في أفق استرجاع سبتة ومليلية من جهة ثانية. ولم يفت الأستاذ اليازغي التوقف عند التحالف الخطير الذي يعرفه الشمال (خاصة طنجة) بين مافيا المخدرات والأصوليين وهو التحالف الذي توطد لسيادة الفكر المتطرف من جهة ولاستقالة الأحزاب عن مباشرة تأهيل سياسي يتماشى مع التأهيل الاقتصادي للمنطقة...
حاوره: عبد الرحيم أريري
+ في نظرك ما سر اهتمام الملك بالشمال عموما وطنجة خصوصا، بدليل ها هو يوجد حاليا في زيارة عمل لعاصمة البوغاز؟
- سؤالك يفرض علينا الرجوع أولا إلى الوراء شيئا ما لمعرفة الأوضاع السلبية التي أثرت في الشمال. إذ علينا أن لا ننسى أن الاحتلال القديم لسبتة ومليلية حرم المغرب من ميناءين طبيعيين أساسيين، وحرمه بالتالي من بعده المتوسطي.. كما أن الاستعمار الإسباني لمناطق الشمال والوضع الدولي في طنجة جعل التطور في الشمال متعثرا، مقارنة مع ما حصل في الجنوب، خاصة وأن الشمال عرف حرب التحرير التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي وعرف بروز حركة وطنية في شخص قائدها عبد السلام بنونة وبعده عبد الخالق الطريس. فضلا عن ذلك، فانطلاق جيش التحرير كان من الشمال، وهذه الأشياء أثرت كثيرا. وبعد الاستقلال وقعت ثورة الريف التي كانت في البداية ثورة ضد حزب الاستقلال وحكومة بلافريج، ولكنها تطورت إلى ثورة ضد الدولة، ومن هنا القمع الشرس الذي قام به الجنيرال أوفقير تحت إمرة ولي العهد آنذاك.. ولم يغفر ولي العهد يومها للريفيين أن ثورتهم ضد حزب الاستقلال تحولت إلى ثورة ضد الدولة، وهذا ما أدى إلى تهميش الشمال من طرف المرحوم الحسن الثاني حتى حدود السنوات الأخيرة من حكمه تقريبا. موازاة مع ذلك تم تحطيم المشروع الأولي للمرحوم عبد الرحيم بوعبيد القاضي ببناء معمل للحديد وللصلب بالناضور ليكون رافعة للتصنيع بالمنطقة، والذي كان سيكون محطة أساسية للإقلاع بالشمال منذ الستينيات من القرن الماضي، وللأسف تأخر المشروع. كل هذه العناصر خلقت وضعا مترديا، خاصة وأن الشمال يعرف كثافة سكانية هائلة، وتوقفت الهجرة من حوض الشمال إلى الجزائر للعمل في أراضي المعمرين هناك، مما أثر تأثيرا قويا، وكاد أن يقضي على مستقبل المنطقة.
+ ألم تنهض أي قوة للتنبيه إلى هذه المخاطر؟
- بالعكس بدأ الاهتمام بهذه المنطقة منذ أن بدأت المعارضة الاتحادية تنادي بالاهتمام بالشمال، فاستجاب الحسن الثاني لذلك وخلق وكالة تنمية أقاليم الشمال والتي كان إحداثها خطوة مهمة. وجاءت حكومة التناوب وأعطت دفعة قوية لمنطقة الشمال وتم إطلاق الحوار الوطني من أجل إعداد التراب الوطني الذي كان مناسبة لطرح كل الاشكاليات الكبرى التي يعيشها الشمال سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية... وتم عقد مجموعة من الندوات الأساسية في إطار هذا الحوار الوطني في الشمال، وهي ندوة «إساكن» وهي منطقة توجد في قلب الريف، وندوة الشاون، وندوة الناضور، ثم ندوة طنجة. وهذه الندوات أبرزت، في إطار نظرة شمولية، ما هي حاجيات الشمال. وفي بداية حكومة التناوب طرحت قضية ميناء طنجة من طرف الحسن الثاني، وكنت أنا شخصيا عضوا في اللجنة التي جمعها الملك الحسن الثاني في مراكش بحضور وزيري التجهيز والداخلية والمرحوم مزيان بلفقيه. وكان مقررا أن يتم بناء ميناء على المحيط الأطلسي.
+ (مقاطعا) لماذا وقع انزياح في الموقع من الواجهة الأطلسية إلى الواجهة المتوسطية؟
- وقع الانزياح لأن إحدى الشركات التي ساهمت في المناقصة نصحت بأن لا يبنى الميناء على الواجهة الأطلسية.
+ ما هو اسم هذه الشركة، وما هي مبرراتها في ذلك؟
- اسم الشركة هو «فيكتل»، وهي أمريكية، واعتمدت مبررات تقنية بالخصوص. لكن الذي اختار الموقع واتخذ قرار بناء الميناء الجديد هو الملك محمد السادس، وهو اختيار موفق جدا لاعتبارين. أولا لأن الواجهة المتوسطية هي أحد أهم الممرات البحرية بالعالم التي تعبرها الآلاف من السفن سنويا.. في ما الاعتبار الثاني يتجلى في الوضع الجغرافي للمنطقة وقرب الميناء من سبتة المحتلة، على اعتبار أن مخططات تنمية مدن الشمال تنبني على هدف أساسي، ألا وهو استرجاع سبتة ومليلية، بالنظر إلى أن استرجاع المدينتين سيكون أسهل إن تقدمت وازدهرت منطقة الشمال. والحمد لله ها هو ميناء طنجة المتوسطي يحقق المراد، والنتائج المحققة عام 2013 تظهر الوثبة التي حققها ميناء طنجة وقفزه إلى مراتب عالمية في ظرف وجيز جدا. الحوار الذي جرى جعل الإدارة المغربية تستفيد من الميثاق الوطني لإعداد التراب ومن المخطط الوطني لإعداد التراب. ورغم أن المخطط من الناحية القانونية هو للاستئناس لغياب قانون يلزم الإدارة المغربية بتبني أو تنفيذ ما جاء به المخطط الوطني، فإن وكالة تنمية أقاليم الشمال وباقي المصالح العمومية الأخرى تأخذ ما ورد في الميثاق الوطني لإعداد التراب الكثير من المشاريع التي سطرت، كما أن الملك محمد السادس أراد أن ينصف مدن الشمال. وهذه إرادة واضحة وضع فيه التعاون منذ حكومة التناوب. إذ كلف الملك المصالح الحكومية أن تعد المشاريع في هذا الإطار. ومما يزكي الأهمية التي يعطيها لهذه المشاريع، أنه يشرف شخصيا على تدشينها، وبالأخص متابعتها حتى لا تبقى المشاريع في رفوف الإدارة. وهذه ضمانة لنجاح المشاريع بالشمال، خاصة وأن الجروح التي تركتها حرب الريف هي جروح لم تندمل بعد.
+ (مقاطعا) الجروح لم تشمل الريف والشمال فقط، بل طالت العديد من المناطق، في فكيك وخنيفرة وطانطان وزاكورة... لماذا نزلت الدولة بل ثقلها في الشمال مقارنة مع المناطق الأخرى؟
- نعم.. ولكن عليك أن لا تنسى أن ما جرى في الريف لم يكن قمعا أو خرقا جسيما لحقوق الإنسان فحسب كما جرى في مناطق أخرى، بل كانت حربا تركت جروحا لم تندمل بعد.
+ عودة إلى وكالة تنمية أقاليم الشمال، ما الداعي الذي جعلها لم تنهض في عهد الحسن الثاني بمهامها؟
- مهمتها كانت فقط للمساهمة، وهي وكالة لا تعوض الوزارات والإدارات في إنجاز المشاريع، بل تعمل في اتجاه تلبية المصالح الآنية بعدد من المناطق التي تعرف الفقر المدقع.
+ هناك مفارقة تتجلى في أن الشمال عرف في العقد الأخير ضخ الملايير من الدراهم، ولكن هذه الأموال لم نلمس لها أثرا يذكر على المستوى البشري، بدليل ها هي مدن الشمال بدل أن تكون واحة للسلام وجنة للرفاهية، تتحول إلى منبت للاحتجاج أو التظاهر اليومي تقريبا؟
- هذا مشكل حقيقي، لأن التأهيل الاقتصادي والصناعي والتجاري لم يرادفه تأهيل سياسي للمنطقة.
+ ما هو السبب؟
- هناك أسباب متعددة، منها الدعوة الأصولية الموجودة في المناطق الشمالية، ومنها الارتباطات أحيانا بحركات مشرقية تتميز بتوجه تشددي ومتطرف وعنيف.
+ من هنا وجاهة سؤالنا: لماذا لم تفلح هذه الملايير المستثمرة في الشمال في تجفيف منابع الأصولية والتشدد بالشمال؟
- هذه مسؤولية خطيرة تتحملها الحركات الإسلاموية بالشمال. وهذه فرصة لتقوم الأحزاب بنقد ذاتي لكونها قصرت من أدوارها في هذه المناطق. فأحيانا كانت الخلافات بين أعضائها إبان الانتخابات تضعفها، ولم تواكب ولم تقم بالتأهيل السياسي الذي يحتاجه الشمال بالموازاة مع ما يعرفه من تأهيل في البنى التحتية وتأهيل اقتصادي وتجاري..
+ وما هو السبب الذي جعل الشمال يصبح مصنعا للانتحاريين؟
- هذه نتيجة لانتشار الفكر الظلامي بالمنطقة، والذي أثر في الشباب خاصة، بعدما انغلقت في وجهه المنافذ الأوروبية لأن الكثافة السكانية بالشريط الشمالي قوية مقارنة مع المناطق المغربية الأخرى.. والفيض الذي كان يميز الشمال، كان يجد منفذا في أوروبا للعمل.. وبعدما أغلقت هذه الأبواب، واجه الشباب التيه دون أن يدري ما العمل ومن يضمن له الشغل رغم ما بذل من مجهودات، لأن الاستثمارات المدرة للدخل لم تكن في مستوى الاستثمارات لخلق التجهيزات الأساسية.
+ الزيارة الحالية التي يقوم بها الملك لطنجة جاءت عقب حادثين خطيرين يشتركان في تحدي السلطة الأمنية. الأول يكمن في جبروت «أصحاب الغبرة» (أي مافيا المخدرات) وتمردهم على الدولة. والحادث الثاني يتمحور حول عصيان التيار السلفي الوهابي ومواجهته مع الدولة. فهل هذه الزيارة الملكية الأخيرة تندرج في إطار تحرير طنجة من السلفيين وتجار الكوكايين؟
- من المحقق أن المشاكل التي عاشتها طنجة كمركز أساسي لتصدير البشر وكذلك لتصدير المخدرات لأوروبا وتصرف بعض ما يسمى بالسلفيين الجهاديين، أدى إلى وجوب مواجهة هذه المخاطر. والمواجهة تتم بتأهيل المدينة، وهو ما يترجمه المخطط الموضوع الآن بشأن تأهيل طنجة الكبرى للحد من الأوضاع التي تعرفها كل المدن الكبرى.
+ لكن لماذا في طنجة بالذات نجد ذاك الزواج أو التحالف بين «أصحاب الغبرة» والأصوليين؟
- هذا أمر طبيعي، لأن التطرف يحتاج للمال، والمال توفره تجارة المخدرات. من هنا التحالف الطبيعي بين التيارين.
+ الاهتمام بالشمال يتجلى في التركيز على قطبين هامين، وهما قطب طنجة لتطويق سبتة وقطب وجدة لتطويق مليلية والجزائر. هل يمكن القول إن العقل العام للدولة يستعمل هذين القطبين لمواجهة جارين مزعجين: الجزائر وإسبانيا؟
- المشكل ليس في الجارين، بل الاهتمام بالشمال غايته الانفتاح على المتوسط ككل، والذي تحتاجه البلاد، وقد فسرت لك تاريخيا العوائق التي انتصبت أمامنا كمغاربة لتحقيق هذا الانفتاح. أما بخصوص الجزائر، فإن المهم هو أن نضمن تطور المغرب الشرقي بشكل ذاتي دون الارتهان إلى الحدود وهل ستفتح أم لا. إن فتحت الحدود فذاك من فضل ربي وفيه مصلحة للشعبين معا (المغربي والجزائري)، وإن لم تفتح فإن الجهة تمكنت من مقومات التنمية الخاصة بها. ولا تنسى أن المخطط الأول في إعداد التراب الوطني كان هو مخطط المغرب الشرقي.
+ فتح حوار حول إعداد التراب الوطني كان الهدف الأسمى من ورائه هو تمكين المغرب من جهات قوية. لماذا تردد المغرب في تقعيد الجهوية؟
- من الناحية النظرية الجهات مطروحة على الطاولة بعدما تأسست اللجنة الاستشارية التي ترأسها عمر عزيمان وطرحت الموضوع بشكل جاد. ما ينقص هو الإرادة على المستوى الحكومي لإصدار قوانين تنظيم الجهات كما جاءت بها اللجنة الملكية وأيضا اعتماد التقطيع الضروري الجهوي الجديد الذي يأخذ حاجيات الجهات والتوافق بينها حتى لا تظلم جهة على مستوى أخرى.
+ ما يعيشه «الاتحاد الاشتراكي» من رجة بسبب الصراع بين أنصار الزايدي وأنصار لشكر، هل سيقود إلى انشقاق الحزب؟
- لا أعتقد ذلك، لأن الجميع يشهر الخط الأحمر وهو وحدة الحزب. وهذا أمر إيجابي. وما يجب أن يكون هو الحوار للوصول إلى حلول توافقية.
+ حزب «الاتحاد الاشتراكي» كان من قبل يخوض في نقاشات سامية ويطرح قضايا راقية، فإذا به الآن ينزل إلى نقاش متدن واتهامات متبادلة بين أطرافه. لماذا؟
- لا يمكن لـ «الاتحاد الاشتراكي» أن يسترجع مكانته إلا إذا اشتغل على القضايا الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وإبراز اختياره الاشتراكي الديمقراطي بوضوح، ولا بديل عن ذلك، لأن المغرب يعيش مرحلة خطيرة في تجربة الحكومة الحالية التي سيكون لها انعكاسات سلبية إن لم تظهر داخل الشعب المغربي إرادة لطرح بديل لهذه الاختيارات الحالية. التقنوقراط لم يستوعبوا الحاجة إلى النظرة الشمولية فأقبروا إعداد التراب..
+ منذ حكومة التناوب كان هناك حرص على أن تتضمن الهندسة المؤسساتية إحداث وزارة خاصة بإعداد التراب الوطني، إلى أن تم التخلي عن هذا الأمر مؤخرا. ما هو السبب؟
- الجواب مرتبط بكون العديد من الأطر داخل القطاعات الوزارية تكون لها نظرة تقنوقراطية ولا تهتم إلا بما تقوم به مرافق قطاعها ولم تستطع أن تستوعب أن هناك حاجة للنظرة الشمولية لتدخل الدولة وتدخل الجماعات ودور القطاع الخاص. وهذا الاستئناس الذي كان مفروضا لمناقشات إعداد التراب الوطني خف في الحكومات السابقة. واليوم نسمع بأن هناك إرادة لاستئناف هذه الروح والاهتمام على الأخص بالمخططات الجهوية.
+ تردد آخر ما زلنا نعاينه، ويتجلى في عدم قيام المغرب باختراق حاجز الريف والأطلس وشق طريق سريع يربط الريف بباقي التراب الوطني؟
- هناك طريق الوحدة التي سهر عليها الشهيد بنبركة وكانت هي الشريان الأول لربط الشمال بالجنوب. والآن بعد بناء ميناء طنجة المتوسطي والمشروع الضخم بمارتشيكا و«الناضور ميد» مبد ثم بناء خط حديدي بين تاوريرت والناضور. والحاجة الماسة لبناء طريق مزدوج بين الحسيمة وفاس وطنجة بفاس عبر وزان لاختراق الريف الغربي.
+ البعض ربط تردد الدولة في إنجاز هذه المحاور الطرقية بكونها غير مستعدة حاليا لتدبير تداعيات تفكيك امبراطوريات الحشيش والكيف بإقليم شفشاون لأن الدولة ليس لها بديل يعوض مزارعي الكيف وبالتالي -حسب هؤلاء- وجب ترك المنطقة منغلقة إلى حين. هل تشاطر هؤلاء طرحهم؟
- الدراسات التي تمت أفضت إلى تبني المغرب لمحور اللوجستيك وهذا يفرض إنجاز الشريان الأساسي لربط الشمال بالجنوب. حكومة بنكيران لم تقم في البداية بواجبها مع مجلس اليزمي..
+ في أبريل القادم سيواجه المغرب محطة مهمة تكمن في اجتماع مجلس الأمن الدولي، واحتمال دراسة توسيع صلاحيات المينورسو أولا. كيف تقرأ هذه المحطة؟
- توسيع اختصاصات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان ليست له أي شرعية لأن مهمة المينورسو حددت باتفاق بين المغرب والأمم المتحدة في سنة 1991 وكان هناك تبادل للرسائل الذي أطر دور المينورسو. فإذا أراد أحد توسيع مهام المينورسو، فإن من حق المغرب أن يطالب بانسحاب المينورسو لأن وجودها رهين بقبول المغرب لها في إطار المسطرة التي حددها مجلس الأمن ولا يمكن توسيعها إلى قضايا أخرى. أضف إلى ذلك أن مسألة حقوق الإنسان هي آلة حرب ضد المغرب بيد أولئك الذين يرفضون الاستجابة لما طلب به مجلس الأمن. فماذا طلب هذا الأخير، لقد طلب من الأطراف أن تصل إلى حل سياسي دائم متوافق عليه. وهذه هي النقطة المطروحة في ملف الصحراء. لذلك فكل من يطرح قضية حقوق الإنسان، فإنما يريد تحريف هذه المهمة المطروحة عليهم والابتعاد عنها بخلق مشكل مفتعل.
+ ولكن لماذا فشل المغرب في نسف هذا المشروع، أي تحريف الأنظار وتحويل اتجاه الرأي العام نحو قضايا جانبية؟
- الآن المغرب بدأ يستدرك الأمر. فقيام المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمبادرات كان خطوة أساسية علما أن المجلس له فروع جهوية بالصحراء. وما يطلبه الرأي العام الدولي، هو معرفة ما هي الآليات لحماية حقوق الإنسان للمغاربة جميعا. وبالإضافة إلى المجلس الوطني هناك المنظمات المدنية الحقوقية التي تلعب دورا أساسيا في هذا الباب. والأهم هو ما استجابت له الحكومة أخيرا... فرغم أنها تأخرت في الاستجابة لتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلا أن بلاغها الأخير حول إعطائها كحكومة الأولوية للشكايات الواردة عليها من المجلس الوطني يعدم أمرا مهما. والحكومة بقدر ما كانت تفتخر بالمجلس الوطني بقدر ما تاخرت كثيرا في الاستجابة لتوصياته.
+ هل يعود ذلك إلى شنآن شخصي بين رئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني وعداء الحزب الحاكم للمجلس؟
- لا أدري، لكن المؤكد أن الحكومة لم تقم في البداية بواجبها فيما يخص الاستجابة لتوصيات المجلس. موازاة مع ذلك هناك نقطة أساسية تتجلى في أن المغرب فوق أرضه. إلا أن ذلك لا يلغي عدم الاهتمام بالرأي العام في الدول الديمقراطية.
+ في المدة الأخيرة قام المغرب بمجهود بارز في المجال الحقوقي مقارنة مع دول الجوار إذ أحدث المجلس الوطني والمندوبية الوزارية وصادق على معاهدات وعلى بروتوكولات عديدة ومع ذلك يتم التعامل مع المغرب وكأنه كوريا الشمالية. لماذا فشل المغرب قي تسويق صورته؟
- لأن هناك حربا تشن على المغرب، والحكومة الجزائرية لا شغل لها على المستوى الدولي إلا هذا الملف.
+ «علاش المغرب ناعس» يتلقى الضربات دون أن يقدم هو الآخر بالتشويش على الجزائر داخليا؟
- لأن قوة المغرب هو أنه في أرضه.
+ ومع ذلك لماذا لم يعمد المغرب لاستغلال الأعطاب الحقوقية الكثيرة بالجزائر لإحراجها عالميا؟
- ليست مهمة المغرب هي أن يشوش على الجزائر، وإلا سيسير في الاتجاه الذي تسير فيه الجزائر. علما أن المغرب طرح في مجلس حقوق الإنسان بجنيف مؤخرا ما يقع في الجزائر، وهذه خطة حكيمة لطرح ما يجري في غرداية والقبايل. فالجزائر وقعت فيها حرب أهلية ذهب ضحيتها ما يزيد عن 200 ألف شخص ومازالت آثارها حاضرة إلى اليوم.. ونحن نرى قمع المظاهرات الرافضة لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة. لكن الدول الأخرى التي تعد زبونا رئيسيا للجزائر في باب البترول والغاز لا تحب فضح هذه الأوضاع، والجزائر تستغل ذلك.