Saturday 11 October 2025
كتاب الرأي

أحمد فردوس: الوخز بالإبر.. تطهير الجماعات الترابية من الطفيليات مدخل لإصلاح أعطاب تدبير الشأن المحلي

أحمد فردوس: الوخز بالإبر.. تطهير الجماعات الترابية من الطفيليات مدخل لإصلاح أعطاب تدبير الشأن المحلي أحمد فردوس
من بين الأعطاب التي وقف عليها جلالة الملك محمد السادس في خطابه من داخل قبة البرلمان يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025، خلال افتتاح السنة التشريعية الأخيرة لأعضاء مجلس النواب ـ من بين الأعطاب ـ تلك التي تتعلق بتدبير الشأن المحلي، في سياق حديثه عن مسؤولية الجماعات الترابية والمؤسسات المنتخبة إقليميا وجهويا. حيث اعتبر جلالته في نفس الخطاب على أن: "مستوى التنمية المحلية هو المرآة الصادقة التي تعكس مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن الذي نعمل جميعا على ترسيخ مكانته. فالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ، أو أولوية مرحلية قد تتراجع أهميتها حسب الظروف، وإنما نعتبرها توجها استراتيجيا يجب على جميع الفاعلين الالتزام به، ورهانا مصيريا ينبغي أن يحكم مختلف سياساتنا التنموية".
 
في هذا السياق، اعتقد أن مضمون الخطاب الملكي كان واضحا، بل أن سهام النقد والتشريح والتوجيه وطرح البدائل على مستوى مسؤولية تدبير الشأن المحلي كانت حكيمة وجد صائبة، على اعتبار أن الجماعات الترابية الحضرية والقروية تعاني من عدة أعطاب وأمراض سرطانية تتطلب مبضع جراحة دستوري وقانوني يفصل بين تشويه هذه المسؤولية والأمانة، وبين منتخبين شاخوا وهرِموا فوق كراسيهم التي حولوها بقدرة قادر إلى دهاليز سرية وعلنية لجني الريع واقتناص فرص الإغتناء غير المشروع، على حساب تطلعات وآمال الناخبين الذين فقدوا الثقة محليا، بشكل مهول ومريب، بفعل ممارسات مشبوهة طالت تعطيل مشاريع تنموية هنا وهناك. علما أن الأحزاب التي تشكل الأغلبية الحكومية دائما، هي نفس الأحزاب التي تدبر العديد من المؤسسات المنتخبة بأغلبية مريحة وبوجوه مستهلكة "بِّيرِيمِي".
 
للتذكير فقد كان الملك محمد السادس قد حمَّل في خطابات سابقة المسؤولية للشعب في اختيار من يمثله بالمؤسسات المنتخبة محليا، وأن يجعل الناخبات والناخبون من التصويت في الإنتخابات لحظة فارقة في التغيير الملموس بعيدا عن كل ما من شأنه أن يكرس التخلف على مستوى المساهمة في التنمية المحلية، واستثمار الإمكان الشبابي وانخراطه في المبادرات الاقتصادية، وضمان تكافؤ الفرص بين المجالات اجتماعيا. لكن للأسف في كل استحقاق محلي تظل دار لقمان على حالها بفعل غياب الشفافية وعدم انفتاح الأحزاب على الشباب، مما ظل يعيد تكرار إنتاج نفس النتائج الكارثية على جميع المستويات.
 
لقد اتضح مرة أخرى، بأن الوجوه الْمُسْتَهْلَكَةْ ـ انتهاء مدة الصلاحية ـ داخل الجماعات الترابية، والتي تتبادل الأدوار والمواقع والمسؤوليات، هي أصل الداء والوباء المستشري في جسم تدبير الشأن المحلي، وهي التي تفرمل ولوج الشباب للحياة الحزبية وتمنعه من المساهمة في إعطاء وجهة نظره في كيفيات وضع السياسات العمومية التي تعكس الصورة الحقيقية لتطور المجتمع وترجمة المشاريع التنموية على أرض الواقع والأمثلة متعددة في هذا المجال.
 
إن الممارسة الصحيحة لقطع الطريق عن هذه الوجوه البئيسة التي تسيطر على تدبير الشأن المحلي بجميع الطرق المعلومة، والذين عملوا على تنويم الشعب مغناطيسيا بالوعود الكاذبة، هو دعوة الشباب الواعي والمتحضر، للتسجيل في اللوائح الانتخابية بقوة وبكثافة، من أجل تشكيل جبهة قوية بالمدن والقرى بسلاح التصويت العقابي ضد كل من سولت له نفسه المتاجرة بالمكتسبات الوطنية، واختيار المرأة والرجل المناسب في الموقع المناسب ـ وما أكثرهم ـ في وطننا الذي قطع أشواطا طويلة في سبيل ترسيخ آليات الديمقراطية والحكامة واحترام المؤسسات الدستورية ومكاسبها التي راكمتها بلادنا.
 
إن قرانا ومدننا تعج بالشباب الوطني الغيور والمتنور، وتزخر بالكفاءات الوطنية الشريفة والنزيهة، والتي يمكن أن تحمل مشعل التغيير على مستوى تدبير الشأن المحلي، وتلبي نداء الملك والوطن في هذا المنعطف التاريخي المهم جدا، على اعتبار أنه اليوم لا مكان للصوص المال العام والمشبوهين الذين خانوا الأمانة والثقة والمسؤولية.
 
فكم من مشاريع تنموية رائدة على المستوى المحلي تم إجهاضها، وإقبارها بفعل التدليس والمزايدات السياسوية، وتم تحويل اعتماداتها إلى وجهة أخرى، منها المشاريع التي دشنها الملك شخصيا، أو التي تمت هندستها وفق متطلبات الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؟ 
 
وكم هو عدد المشاريع التي حدّدت لها مواردها المالية وأفق زمن إنجازها، والتي للأسف كان مصيرها الفشل وعدم الإنجاز بسبب المماطلة والتسويف والفساد ومرض الَّلهْطَةْ وذْهَنْ السِّيرْ يسِيرْ؟ 
 
وكم من صفقات معلنة وسرية، تم احتكارها وتوجيهها بقوة النفوذ والجاه داخل الجماعات الترابية، لفائدة المقربين ممن يتحمل وزر تدبير الشأن المحلي، دون الحديث عن ملفات جرائم الأموال التي تنتظر المحاسبة والعقاب بل تحتاج لـ "التَّتْرِيكْ"؟
 
لقد حان وقت المحاسبة، بسلاح التسجيل في اللوائح الانتخابية، والتوجه سنة 2026، لصناديق الإقتراع والتصويت بقوة وكثافة في الانتخابات القادمة، وهذه لعمري فرصة تاريخية للشباب الذي يعاني من التهميش من مواقع المسؤولية والإقصاء من تدبير الشأن المحلي الذي يعتبر مرآة حقيقية للتنمية المستدامة، في أفق صياغة عقد جديد بين الدولة والمجتمع والمؤسسات المنتخبة.