الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (9)؟

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (9)؟ الفنان حسن الزرهوني رفقة الزميل أحمد فردوس ولوحة تشكيلية معبرة

بساحل "الكاب" بشاطئ البدوزة، ومن فضاء محرابه الفني الذي يعكس مدى عشقه للثقافة والفن والموروث التراثي المتعدد والمتنوع، استقبل الموسيقي والفنان التشكيلي حسن الزرهوني جريدة "أنفاس بريس" بابتسامته العريضة التي تحكي عن مسار رجل طيب وإنساني، مواظب على خلق الحركة والنشاط والحيوية داخل مرسمه الفني.

حسن الزرهوني الذي خبر ركوب البحر وأمواجه، وامتطى صهوة الريشة والألوان الزاهية، ليترجم أحاسيسه إلى أنغام بأوتار تروي سيرة الإنسان والمجال في علاقة مع أحداث ووقائع التاريخ المحلي والوطني، التي كتبت بطولاتها وملاحمها فرسان أرض الحصبة في زمن الظاهرة القايدية.

في هذا السياق نقدم للقراء سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة الذي سيجيب من خلالها عن أسئلة تروم تصحيح الخلط الذي وقعت فيه المنابر الإعلامية وامتد إلى الإنتاج الدرامي والمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي كتبت نصوصها وتم إنتاجها وتسويقها ارتباطا بشخصية وعيطة "خَرْبُوشَة"؟

لقد تحدثت منابر الإعلام السمعي والبصري والمكتوب عن "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ والمغنّية بإطناب، وتناولت علاقتها بالقائد الكبير عيسى بن عمر العبدي التمري البحتري، وانتفاضة أولاد زيد ضد نفس القائد، حيث تم إسقاط قصيدة بأكملها على أن الشِّيخَةْ "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبتها، وامتد هذا الخلط والإسقاط إلى بعض المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي تناولت الموضوع، حتى أصبح المتلقي يؤمن بأن "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبة هذا الكلام. وقبل تصحيح هذا الخلط والإسقاط لابد أن نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية ذات الصلة:

هل فعلا "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ وهل عيطة "خَرْبُوشَةْ" هي من إنتاج الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ؟ وهل الأبيات الشعرية التي ألّفتها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ هي نفسها المذكورة في عيطة "خَرْبُوشَةْ"؟ وكيف تم تأليف عيطة خَرْبُوشَةْ؟ ومن هي حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ ومن هي خَرْبُوشَةْ اَلشِّيخَةْ أو اَلْعِيَّاطَةْ أو اَلْمُغَنِّيَةْ؟

يقول مطلع قصيدة عيطة خربوشة: "خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ أَعَبْدَةْ جِيبُوا الزِّينْ يَا سِيدِي".

من هم أولاد زيد؟ ولماذا لقبت الشيخة حادة بـ "الزايدية"؟

تنتمي فخذة أَوْلَادْ زِيدْ إلى قبيلة الَبْحَاتْرَةْ الشمالية إضافة إلى فخذة الزَّعْ وفخذة الجَّحُوشْ، وهي أكبر الفخذات بذات المنطقة مساحة وأكثرها ساكنة، وتنتسب قبيلة أَوْلَادْ زِيدْ إلى قبائل أَوْلَادْ فْرَجْ بدكالة، حيث استقروا بمنطقة عبدة قبل أن تتوسع في اتجاه الشمال والشرق، بعدما كانت منطقة صغيرة منحصرة بين جبال بْنِي مَاجِرْ و تَازْرُوتْ إلى الآبار الغربية من أَكُّوزْ على شكل مثلث. وتوسعت وتمددت إلى حدود دكالة (أي الغربية) وجزء كبير من فخذة أَيِّيرْ المعروفة بـ "دَارْ اَلْفَارْسِي".

وكانت غالبية ساكنة أَوْلَادْ زِيدْ تمتهن الرعي، نظرا لتضاريس المنطقة التي تنتشر بها الصخور البيضاء، أما الأراضي الصالحة للزراعة فكانت قليلة، وتربتها فقيرة، ترتفع خصوبتها تدريجيا كلما اقتربنا من أراضي "الرْبِيعَةْ" و "الْأَضَالِعَةْ" و "سْحَيْمْ" و "الشْهَالِي" (أي بالناحية الشرقية لأولاد زيد) في اتجاه الشرق، حيث تتواجد تربة التِّيرَسْ الغنية بالمعادن وخصوصا الكلس.

وحسب التقسيم الإداري الحالي فإن قبيلة أَوْلَادْ زِيدْ تضم خمسة عشرة مَشْيَخَةْ، بمنطقة أَحْرَارَةْ، وثلاثة بـ "الْبَدُّوزَةْ"، وهذه اَلْمَشْيَخَاتْ هي: (أولاد إبراهيم، وأولاد سي عبد القادر، والغليميين، والغليميين الشرقية، وأكدال، وسيدي عبد الرحمن، وأكدال سيدي أمساهل، وأكدال الساحل الغربية، وأولاد سعيد، وأكدال الساحل الشرقية، والجليدات، وأولاد سعيد2). أما في منطقة البدوزة، فنجد الْمَشْيَخَاتْ التالية: (أولاد زيد، وأولاد رحال، وأولاد سليمان).

إن تعدد المشيخات يوضح بأن نسبة الساكنة مرتفعة، وقد تصل إلى 26 ألف نسمة بمنطقة أَحْرَارَةْ، أما بمنطقة البدوزة فتصل إلى حوالي 14 ألف و 82 نسمة، حسب الإحصاء الأخير لسنة 2014 (أي أن مجموع الساكنة لقبيلة أولاد زيد يصل إلى حوالي 40 ألف نسمة موزعة على 140 دوار (90 دوار بمنطقة أَحْرَارَةْ و 50 دوار بمنطقة الْبَدُّوزَةْ). ونذكر من بين أهم هذه الدواوير من حيث الكثافة السكانية (دوار الجبارات، وأولاد بن جلول، وأولاد الطالب، وبير الطويل، وأولاد سيدي علي، وأولاد بوعلالة، وأولاد سي محمد، وأولاد سي لحسن، وأولاد لمقدم، أولاد بن رحو، وأولاد سعيد بن حميدة، ولقلالدة، والشويردات، والزيدانية، وأولاد سي عبد القادر، وأولاد سي إبراهيم، وكاروش، والعونية، والرمل، وأولاد علي بن زيد، والضريضرات). وفي منطقة البدوزة نذكر من بين الدواوير ذات الكثافة السكانية (كاسين، وفليفل، والنواصرة، والجليدات، والحرايس، والبدوزة، وسيدي بوشتى..).

أما بخصوص المناخ السائد فهو مناخ متوسطي، حيث ترتفع درجة الرطوبة كلما اقتربنا من ساحل المحيط الأطلسي، أما التساقطات المطرية فهي متوسطة وتتراوح ما بين 150 إلى 300 ملم خلال السنة.

أما على المستوى التاريخي فنجد أن أولاد زيد قد كانوا يتميزون بعزة النفس، والشهامة ولا يرضون بالظلم، حيث عبروا عن بسالتهم في مقاومة الاحتلال البرتغالي في بداية القرن السادس عشر، الشيء الذي دفع بالمعمرين البرتغاليين إلى بناء برج الناضور بسيدي بوزيد شمال أسفي لمراقبة تحركات أولاد زيد ومحاصرتهم قبل دخولهم للمدينة.

ومن جهة أخرى فقد شكلت فترة حكم عائلة الجرموني لقبيلة عبدة، سببا مباشرا في تمرد أولاد زيد على القائد فضول بن حمان بسبب تعسفات القائد وإثقال كاهل الفلاحين بالضرائب وابتزاز أموالهم ومصادرة ممتلكاتهم وسبي نسائهم، وأطفالهم، وكان من زعماء انتفاضة أولاد زيد الحاج محمد بن ملوك، حيث اندلعت الإضطرابات والفوضى رغم تدخل الشرفاء الغليميين وعامل أسفي محمد بن عزوز، وتمت تهدئة هذه الإضطرابات بعد تدخل خليفة السلطان عبد الرحمن بن هشام، المولى محمد بن عبد الرحمن خليفته بمراكش، وانقسمت على إثرها قبيلة عبدة إلى ثلاثة قيادات وهي (العامر التي تزعمها القائد فضول بن حمان) و (الربيعة التي تزعمها القائد بن الطاهر الشهلاوي) و (البحاترة التي تزعمها القائد أحمد بن عيسى) وكان ذلك سنة 1847. وبعد هذا التقسيم الإداري والشبه السياسي عرفت قبيلة أولاد زيد فترة من الهدوء، والاستقرار.

كان هذا هو الحدث الأول الذي عرفته قبيلة البحاترة الشمالية. أما الحدث الثاني وهو الحدث البارز خلال نهاية القرن التاسع عشر أي بعد وفاة السلطان الحسن الأول سنة 1895، حيث انتفضت قبيلة أولاد زيد على المخزن المحلي المتمثل في القائد عيسى بن عمر البحتري العبدي الثمري، وقد تناولت بعض الكتابات التاريخية هذا الموضوع (تحدثنا عنه سابقا في الحلقات الأولى من هذه السلسلة بجريدة أنفاس بريس).

ورغم أن القائد عيسى بن عمر حاول بسط سلطته على قبيلة عبدة وغيرها بالقوة، ولم يكن باستطاعة أي أحد أفرادا كانوا أم جماعات أن يثور عليه ولكن عندما بلغ السيل الزبى ثارت قبيلة أولاد زيد ضد القائد وأعوانه، ولم يكد يشع خبر وفاة السلطان الحسن الأول وتولية إبنه المولى عبد العزيز حتى عمت الإنتفاضات المغرب كله وسبّبت شتى المضايقات للقائد عيسى بن عمر الذي أفزعته انتفاضة أولاد زيد حيث صرف أموالا مهمة لحماية قصبته.

لقد حاول القائد تهدئة أولاد زيد بواسطة الشرفاء ملتمسا منهم الصلح، حيث بعت لهم بغطاء تابوت الولي سيد بن عباس السبتي من مراكش، وغطاء تابوت الولي أبو محمد صالح (ولي أسفي) وغطاء تابوت الولي سيدي عبد الله أمغار من الجديدة. (أغطية خضراء)، لكنهم رفضوا الصلح والهدوء، لذلك قرر القيام بحركة ضد أولاد زيد، وتوجه إليهم بمساعدة قبائل ثمرة وقبيلته الأصلية وبعض الدكاليين.

لقد قاوم أولاد زيد اندفاع القائد وعصابته لمدة سنتين، (1894 و 1895) لأنهم كانوا يحسنون استعمال ميدان الأرض الصخرية بالساحل، وهي مناطق كانت في متناول الثوار ومساعدتهم على صد هجومات فرسان القائد عيسى بن عمر. وكانت هذه التضاريس تمكنهم من ضرب المهاجم والإختفاء بسرعة نظرا لصعوبة التضاريس المطلة على البحر.

في هذا السياق فقد كان أولاد زيد يتزودون بالبارود والأسلحة من "كاب كونتان" رغم تجريدهم من الأسلحة، واستعمال الخيول من طرف عيسى بن عمر، في حين كان جيش القائد يلاقي صعوبة كبيرة خاصة خيالته، ورغم مقاومتهم الشديدة إلا أنه تمكن من شلّ صمودهم ومتابعتهم حتى أسوار أسفي، ويطلبون الأمن من باشا المدينة، وتم عزل قبيلة أولاد زيد عن قيادة عيسى بن عمر. حيث تمكن القائد عيسى بن عمر من القضاء على انتفاضتهم بمساعدة الباشا حمزة بنهيمة الذي أغلق الأبواب في وجوههم، وضربهم بالمدافع ليوم كامل، فربما أفزعته جموع أولاد زيد الغفيرة وظن بأنها ثورة عارمة انطلقت من البادية انتقاما من المدينة.

في سياق متصل تقول الكاتبة الإنجليزية "فرانسيس مكنيب" (..أن مكيدة دبرت لمهاجمة المدينة في يوم العيد، وبينما كان الناس لاهين في أفراحهم، أعطى رجلا إشارة برفع علم على سورها قبل المغرب بساعتين من الزمن. فداهمتها القبيلة وبدأ إطلاق النار، ودام القتال بضعة أيام على أبواب المدينة بين الجند والثوار، وتكاثر عدد القتلى. وقد عبء القائد عيسى بن عمر كل جيوشه، ولم يستطع القضاء عليهم، ثم عرض عليهم شروطا للسلام، وطلب أربعة من زعماء الثوار لتوقيع الاتفاق، ولكن أربع من الرجال تربصوا بهم وضربوا أعناقهم في وقت واحد".

أما الكاتب الفرنسي فريزينو فقد أورد أن الباشا حمزة بنهيمة حاول إيجاد صلح بين القائد وقادة الانتفاضة، ووضع حد لإراقة الدماء، وأن لا يمس سوء بالأوربيين المستقرين بالمدينة. وفي يوم الجمعة 9 نونبر 1895 حضر عيسى بن عمر إلى مقر الإجتماع المسمى بـ "هري التاجر الإسباني خورخي"، صحبة العشرات من أعوانه، ودخل دون أن يتكلم أو يسلم، وأشار إلى أحد رجاله بأن يصفي بَنْ شُرْفَةْ أحد زعماء الانتفاضة الذي أرسلته قبيلة أولاد زيد للتفاوض مع القائد، كما تم تصفية كل الحاضرين من أولاد زيد، وارتكبت مجزرة رهيبة. فساد الرعب والخوف بمحل التاجر الإسباني خورخي، حيث أن باشا المدينة حمزة بنهيمة وبعض الحاضرين من الأعيان لم يستطيعوا الخروج من المحل إلا بعد جهد ومعاناة.

هكذا اندلع القتال من جديد بين أولاد زيد وجيش القائد على أبواب المدينة وفي شارعها الرئيسي وفي الضريح (رباط الولي أبو محمد صالح)، وضريح (الولي المولى مول السواري)، حيث تمت تصفيتهم بالرصاص والأسلحة البيضاء، في حين تمكن البعض من الفرار والدخول في حماية فرنسا، ومنهم من دخل إلى الشياظمة واحتمى بالقائد الحاجي أحد أعداء القائد عيسى بن عمر، والبعض الآخر التجأ إلى جبال الَمِّيسَاتْ واختبأ لمدة سنتين. ولما جد في طلبهم هربوا إلى الشاوية وهناك من اتجه إلى الصويرة مثل أَوْلَادْ الْعَرْبِي بَنْ الْمَكِّي ودخلوا تحت حماية الإسبان خوفا من انتقام القائد.