الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد أخازي: التعليم.. هل تنتصر عقلانية بنموسى على عبثية "مسامير المائدة "...؟

خالد أخازي: التعليم.. هل تنتصر عقلانية بنموسى على عبثية "مسامير المائدة "...؟ خالد أخازي

يبدو أن بنموسى، الوزير الذي خبر دهاليز الداخلية وديبلوماسية باريس، والذي شاءت الأقدار – نتمنى أن تكون اللطيفة- أن يجمع بين تدبير التعليم والرياضة، سقط في يده، ويعيش جحيم قطاع لا يستقيم أبدا، لا بتغيير المناهج ولا بتغيير منظومة التكوين الأساسي ولا بالرهان على تأهيل المؤسسات التعليمية ولا بتبني مقاربة جديدة كما قال في الحوار الاجتماعي لمأسسته.

والرجل نفسه الذي كانت اللغة تطاوعه أينما حل، وهو الذي ارتحل وحط رحلته المشهورة لإعداد مشروع النموذج التنموي المغربي البديل، الرجل نفسه الذي أنصت للكبار والصغار والشباب وللزعماء والأولياء وللأشباح والقبور السياسية ... الرجل نفسه بنموسى صاحب المهام الصعبة... عجز لحد الساعة عن إخراج القطاع من عنق الزجاجة، فلا هو قادر على تنزيل النموذج التنموي الذي صاغه بحماس وبعقلانية دون شك ولا هو تقدم بالقطاع خطوة نحو القطع مع أجواء التوتر والاحتفان...

قطاع التعليم .... الداخل إليه فارس والخارج منه محروق سياسيا... لأنه قطاع الرمال المتحركة، وقطاع المنزلقات الخفية... وقطاع لا تعرف فيه من معك ومن ضدك... بل من يعرقل تنميته وحل ملفاته في الخفاء...

كنت أخشى على الرجل وتاريخيه من هذه الحقيبة الملغومة.... فالتعليم لعنة على من يدبره...

كنت أخاف على الرجل الذي شخص أعطابا واختلالات المغرب الاقتصادية والاجتماعية ومعيقات التنمية بجرأة وشجاعة... أن يؤدي ثمن جرأته غاليا....

والثمن..." لي قال الحصيدة باردة إدير يدو فيها"..

كأن الأمر دبر بليل.... وأنزل الرجل إلى حلبة... حيث الخصوم متعددون والضربات تحت الحزام سريعة وخفية، وحيث مسامير المائدة هم من يدبرون القطاع بأسلوب التآمر والتأليب والإجهاض...

لم تنفع حنكة بنموسى في نزع مسامير المائدة...

فلا تغيير ولا إصلاح بفريق هو جزء من طابور الفساد السابق...

لا إصلاح بفريق كان سببا في الفشل....

هل بنموسى له حرية اتخاذ القرار السياسي والتقني على الأقل...؟

سلوا أمزازي فالذكرى تتفع المؤمنين....

الحوار الاجتماعي فعلا أفضى إلى أجرأة حلول كانت محسومة على زمن أمزازي... مع تعديلات تقنية خفضت التكلفة وأضرت بأجيال تقاعدت عشية المراسيم....

النظام الأساسي المتفاوض عليه... وهم...

فكم بقي من الموظفين والموظفات الذين يخضعون للنظام الأساسي...؟

الحقيقة.... أننا أمام نظام أساسي سيتحول فيه من مازال يمتع بصفة موظف إلى إطار في طور الانقراض....

ما زلت لا أفهم... ما العيب أن يكون هناك باب في ميزانية الأكاديميات للأجور...؟

ربما مؤشر كتلة الأجور يجب أن ينخفض ولو بطرق ملتوية التزاما مع الممولين الدوليين...؟

هذا ما يطلبه صندوق النقد الدولي...

تخفيض كتلة الأجور من الميزانية العامة للدولة...

التحول من نظام الدولة الراعية بجيش من الموظفين إلى الدولة المتعاقدة مع فك الارتباط اجتماعيا وقانونيا...

ما علينا... سنرى مخرجات النظام الأساسي...

لكن لمَ مازلنا نعيش كل موسم دراسي الاختلالات نفسه رغم التوظيفات الكبيرة لأطر الأكاديميات...

خصاص مهول...

اكتظاظ وتأخر إصدار المقررات...

والاستمرار في المفارقات الغريبة....

كأن تصدر مذكرة وزارية تمدد ما يسمى التقويم والدعم خلافا للمقرر الوزاري...

الحقيقة... أن الحافز ليس تربويا.... بل هي تقنية لربح الوقت لتدبير الموارد البشرية وإصدار المقررات...

عادت أسطوانة التطبيع مع الاكتظاظ...

وهذا مفهوم الاكتظاظ كميا يصاغ حسب المديرية وعقلية المدبرين...

يعني... أن المقارنة بين هنا وهناك هي طريقة للعزاء التربوي والمواساة....

ألم نكن اتفقنا على أرقام معينة منذ الوفا رحمه الله...؟

ألم يقل الوفا... أن أزمة التعليم ليس أزمة موارد بشرية ولا مناهج ولا بنيات بل أزمة فساد وريع واستهتار وغياب المحاسبة وربط المسؤولية بالحساب...؟

لن نتحدث عن " مهزلة المخطط الاستعجالي" ومآل ملايير الدراهم...؟

لن نتحدث عن المحاباة والمحسوبية والمحزوبية في إسناد المسؤوليات والنصوص القانونية التي فصلت حسب الطلب...

لن نتحدث عن تغول بعض النقابات... ومقاربة " المقايضة"...

فقط أريد أن أذكر بنموسى با شكيب... لن تصلح قطاعا بمحرك قديم وطاقم ساهم في الأزمة...

لن نطور القطاع في غياب مشروع تربوي واضح....

لا عيب أن يكلفنا التعليم ماديا كثيرا.... لأنه هو المدخل الحقيقي للتنمية....

وأنت قلت ذلك في تقريرك العقلاني المتزن...

لا عيب أن تقوم بثورة ناعمة ضد الفساد والريع وجيوب المقاومة الذين ليس في صالحهم أن تتغير الأمور...

فالفساد بنية.... متعدد الرؤوس والمصالح....

أعلم أن المهمة صعبة....

تعلم معي أن هذا القطاع لا يدبره إلا كاميكاز سياسي أو عابر في صمت...

لأنه قطاع المزايدات... قطاع حارق في تناس ملتهب مع الشعب...

حتى في زمن البيجيدي ... لم يدبرهذا الحزب أبدا هذا القطاع وقطاع الصحة...

فاختر موقعك... كي لا تنساك الذاكرة الجماعية....

مهما كانت التكلفة المالية لخلق الاستقرار التربوي والمهني الذي هو أحد دعائم الجودة لا تتردد...

حاسب بقسوة....

لا تفوض الملفات الكبرى لأحد...

أعد النظر في المضامين وكثرتها دون فائدة...

مطلوب زمن مدرسي أقل بعمليات بنائية أكثر وحياة مدرسية انفتاحا وفرحا وجدبا..

مطلوب حياة مدرسية لا نلعب فيها جميع أوراقنا على التعليم الصفي التقليدي...

أعد النظر في صقل المنهاج وخلوه من آليات صناعة الإنسان... وتهميش منظومة القيم والعقل المبتكر...

أعد النظر في قادة القطاع محليا وجهويا... القطاع في حاجة إلى قادة من جيل جديد وليس لمدبرين دوغمائيين... كل همهم إرضاء السلطة التربوية والالتزام بالمواعيد التربوية...

أعد النظر في نظام الامتحانات الذي يعمق آفة الغش ويصنع أفقا مزيفا...

فحتى المتفوقون لا يبتكرون... بل هم مجرد عقول لتدوير المعلومة...

خض ثورة سريعة إصلاحية بنيوية... برجال ونساء يتمنون للرؤية الجديدة بلا ماض أسود...

فهناك دائما من يساهم في فشل الآخرين لتبرير خيبات الماضي...

لا عيب أن تتسلح بالشفافية والصراحة في التواصل مع الجميع... مهما كانت مرة... سنتقاسمها جميعا تضامنا أو احتراما لخطاب الشجعان..

لا عيب أن تقول إن عدم انتظام توزيع الموارد البشرية وتأخر إصدار المقررات كي لا نحرم التلاميذ من كل حصص المنهاج الجديد... هما الداعيان وراء تمديد   حصص التشخيص والدعم ثلاث أسابيع خلافا للمقرر السابق...

ما العيب في قول الحقيقة...؟

قلها بطريقتك... ولو مرة... حارقة... جد الكلمات المناسبة على مهل... فالحقيقة تخرج بعفوية ولا تحتاج فصاحة... فمن الفصاحة ما هي قناع للخذلان والخديعة... كفصاحة قيس تونس...

لست مطالبا بالبلاغة.... تكلم بلغة المغاربة... فأنت منهم...

والمغاربة متفهمون.... ولا يغضبهم سوى التلبيس وتزييف الحقائق...والتصنع في الخطاب...

كن عفويا كما أنت...

وأريد أن أقاسمك خيبتي من طريقة تدبير التعليم الأولي...

أشعر أن هناك من يعده ترفا... زائدا.... وليس رهانا مجتمعيا وخيارا ملكيا

هناك سوء فهم لهذا القطاع الاستراتيجي...

هناك من يحسبه قطاعا هامشيا.... فقط لأن الوزارة فوتت تدبيره للمجتمع المدني...

زلا نشك أن هناك جمعيات وطنية نجحت في تطويره وتنميته وراهنت على جودة الموارد البشرية واعتنت بحياتهم الاجتماعية...  وغالبا هذه الجمعيات الوطنية تتشكل قيادتها من أبناء وبنات القطاع المتقاعدين... هم أبناء وبنات الدار...وهل الدار أدرى بشؤونها... وقد نجحوا لأن التربية مهنتهم... والطفولة عالمهم...

لكن أن يدبر التعليم الأولي من لدن بعض الجمعيات المحلية التي مكاتبها في المقاهي ومسؤولوها محدودو التعليم... كالمتربصين بأموال المبادرة الوطنية...  فهذا عبث.. وقمة الاستهتار... 

التعليم الأولي هو أصلا جزء من التعليم المدرسي وإن عزل عزلا في التسمية الجديدة للوزارة....

والرهان عليه هو رهان على طفولة منفتحة قادرة على السير بخطى ثابتة نحو أفق مدرسي سليم...

رجاء... أعد النظر في طبيعة هذه الشراكات التي فتحت الباب لبعض الكائنات الغريبة لولوج قطاع حساس في زمن تروح دقيق ... وضباع المال العمومي...

 بعض الجمعيات المحلية الوهمية التي لا رؤية لها ولا مشروع تربوي.... تدبر شأنا أكبر منها ولو حسنت نواياها...

"عار ولادنا عليك سي شكيب.."

خالد أخازي: روائي وإعلامي مستقل