الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: من أجل صحوة ضمير تدخل القمة العربية التاريخ

يونس التايب: من أجل صحوة ضمير تدخل القمة العربية التاريخ يونس التايب

حرصت وزارة الخارجية الجزائرية، خلال اليومين الماضيين، على استغلال فرصة اجتماع وزراء الخارجية في مقر الجامعة العربية في القاهرة، المنعقد لحسم النقط العالقة قبل ترسيم موعد القمة المرتقبة، لتكثيف تحركاتها الديبلوماسية والإعلامية بعد ما تسربت أخبار عن احتمال تأجيل القمة العربية المقرر تنظيمها في الجزائر يومي 1 و2 نونبر 2022.

 

وقد عرضت، في مقالي ليوم الاثنين 5 شتنبر 2022، مجمل الأسباب التي اعتبرتها مؤثرة، وقد تؤدي إلى تأجيل القمة العربية بالنظر إلى لما تحمله من تعارض كبير بين واقع ممارسات الدولة الجزائرية وبين مع ما تدعيه قيادتها من حرص على وحدة الصف العربي.

 

وحتى يكتمل الفهم وتتضح الصورة بشكل جيد، أبسط في هذا المقال بعض النقط التي تستحق أن يقف عندها أشقاءنا و يحاولوا استيعابها:

 

1 أولا، من الناحية المبدئية، لا يوجد في المملكة المغربية من أزعجته، أو من يمكن أن تزعجه، فكرة تنظيم الجزائر لقمة عربية. المملكة المغربية نظمت سبع قمم عربية تاريخية ومن حق الجزائر، أيضا، أخذ حقها في تنظيم القمة المقبلة، خاصة أن تاريخ برمجتها، استثنائيا هذه السنة، يتزامن مع تخليد الذكرى 60 لنشوء الدولة الجزائرية وبداية تشكل الوعي الوطني للشعب الجزائري، بعد استقلال مقاطعة الجزائر السابقة عن الحكم الفرنسي الاستعماري، بفضل تضحيات مجاهدي حرب التحرير ومعهم إخوانهم المجاهدين من المغرب وتونس.

 

2 ثانيا، تنظيم الجزائر للقمة العربية أمر مستحب لأنه قد يشكل فرصة يصحو من خلالها ضمير بعض الأطراف، ويتيسر وعي القيادة الجزائرية باستعجالية العودة إلى دائرة العقلانية السياسية والابتعاد عن المواقف العدائية المجانية التي تكاثرت بمغالاة غير مفهومة، خلال السنتين الماضيتين، تتعارض مع قيم الوحدة ومستلزمات التعاون بين دول شقيقة.

 

3 ثالثا، فكرة تأجيل القمة العربية في الجزائر لم تطرح من تلقاء نفسها و لم تتسرب إلى المشهد بمؤامرة أو فعل فاعل، بل هي أفق محتمل فرضه رفض عدد من الدول العربية لأربعة أمور هي:

- استمرار حملات عداء الجزائر ضد المملكة المغربية.

- بروز تعاون مقلق بين الجزائر وإيران، يفتح الباب أمام احتمال مس الاستقرار الأمني والمذهبي في دول منطقة الصحراء والساحل، ويتيح اختراق العمق العربي لدول الخليج المرابطة على جبهة الدفاع عن الأمن القومي العربي ضد طموحات مذهبية إيرانية مستفزة.

- دفاع الجزائر عن حضور الرئيس السوري بشار الأسد في القمة المقبلة، ضدا في إرادة عدد من الدول العربية.

- تحركات الجزائر بشكل مستفز لجمهورية مصر العربية على خلفية تنسيق وثيق، مستجد ومريب، بين الجزائر وإثيوبيا.

 

4 رابعا، بشكل منطقي، إذا تحركت الجزائر لتساهم في انتفاء الأسباب المشوشة على أفق انعقاد القمة العربية في ظروف توافق عربي، سيؤدي ذلك إلى إلغاء فكرة تأجيل القمة وتعود الأمور إلى طبيعتها. وبالتالي، تبقى المرة في ملعب الدولة الجزائرية التي عليها الحسم في اختياراتها ورفع الالتباس بشأن عدد من الملفات.

 

وعليه، تبقى الأسئلة التي نحتاج بشأنها لأجوبة واضحة هي كالتالي:

هل استجدت معطيات ملموسة تفرض عودة الثقة عند المشككين في قدرة النظام الجزائري على إنجاح القمة العربية وإبعاد مخرجاتها عن لعبة الحسابات الصغيرة؟

هل تبلورت خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، أمس، قناعة قوية بأن الأسباب التي دفعت في اتجاه احتمال تأجيل اجتماع القمة، انتفت ولم تعد قائمة؟

هل أثبتت الدولة الجزائرية أنها صارت أكثر وعيا بضرورة العودة إلى دائرة الفعل الإيجابي الحريص على علاقات عربية - عربية يسودها خطاب الحكمة، والانضباط لتواصل سياسي يشجع التعاون الديبلوماسي بعيدا عن الدوغمائية والمزايدات في المواقف والشعارات الزائفة؟

 

إلى حدود الساعة، الشيء الوحيد الذي تأكد هو تخلي الجزائر عن فرض حضور الرئيس السوري في القمة المقبلة. وبحسب مصادر مؤكدة، جرت اتصالات بين ديبلوماسية الجزائر ودمشق، تمخض عنها إعلان سوريا أنها ستغيب عن القمة العربية المقبلة إلى حين نضوج شروط أفضل تتيح عودة سلسة ومتوافق عليها عربيا. وفي هذا الإخراج الذكي ما يحفظ ماء جميع الأطراف، ويرفع أول الأسباب التي كان ممكنا أن تعصف بقمة الجزائر.

 

معلومة أخرى تسربت إلى الإعلام، تحدثت عن استعداد الجزائر لإرسال وزيرها في العدل مبعوثا إلى جلالة الملك محمد السادس، يحمل دعوة رسمية من الرئيس عبد المجيد تبون إلى جلالته حفظه الله، لحضور القمة العربية. ويأتي ذلك بعد أن تأكد ربط دول الخليج العربي ومصر والأردن التقدم في مسار الإعداد للقمة العربية المقبلة، بالتزام الجزائر احترام الأعراف الديبلوماسية التي تقضي بأن يوجه البلد المستضيف للقمة، دعوة رسمية إلى كل قادة الدول الأعضاء في الجامعة العربية بنفس المستوى البروتوكولي والشكليات الديبلوماسية اللائقة، والمملكة المغربية لا يجب أن تستثنى من ذلك.

 

وفي انتظار تأكيد رسمي لكل هذه الخطوات، تبرز أسئلة أخرى تطرح نفسها بحثا عن إجابات موضوعية:

 

- هل يستساغ من الناحية الديبلوماسية، أن تبعث الدولة الجزائرية دعوة إلى جلالة الملك لحضور القمة العربية، وتستمر، في نفس الوقت، في قطع علاقاتها الديبلوماسية مع المملكة المغربية؟

 

- كيف يمكن أن يتعامل المغرب إيجابيا مع الدعوة الجزائرية المنتظرة، بينما مازالت حالة التحريض الإعلامي والتطاول على الدولة المغربية ومؤسساتها ورموزها، مستمرا على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الخاصة، بتأطير من أجهزة استخباراتية جزائرية معروفة، واستعمال تهجمات لفظية مشينة واتهامات تشكيكية في مواقف المغرب في ارتباط بعلاقاته الديبلوماسية السيادية التي أزعجت الجزائر؟

 

- كيف يمكن للمغرب أن يتعاطى مع الدعوة الجزائرية في الوقت الذي مازالت فيه قنوات الإعلام الرسمي الجزائري ووكالة الأنباء الرسمية، تنشر كل يوم سلسلة قصاصات إخبارية بأسلوب تحريضي بعيد عن المهنية، ويتم الترويج لمقالات تهجمية تتناول قضايا الشأن العام المغربي، بمنهجية تجزيئية غير موضوعية وأسلوب تآمري عدواني ينفخ في تصريح هنا وفي موقف هنالك، بخصوص شؤون مغربية داخلية ليس فيها ما يعني الجزائر بأي شكل من الأشكال؟

 

- لنفترض جدلا أن المملكة المغربية، بما هو معروف عن قيادتها السامية من حكمة وبعد نظر وسداد رأي وحرص على أن تلتزم ديبلوماسية المملكة بالابتعاد عن الحسابات الضيقة، قررت استقبال الدعوة الجزائرية بشكل إيجابي حرصا على وحدة الصف العربي، وبغض النظر عن حجم التمثيل الذي سيقرر المغرب أن يشارك به، كيف يا ترى سينتقل الوفد المغربي إلى الجزائر وهذه الأخيرة تغلق مجالها الجوي في وجه الطيران المغربي في إطار قطع العلاقات الدبلوماسية من طرف واحد؟ هل سيكون على الوفد المغربي أن يتوجه إلى تونس أو باريس، ومن هنالك يغير الطائرة الرسمية المغربية ويركب طائرة تابعة للخطوط الجوية التونسية أو الفرنسية في اتجاه الجزائر...؟ أم أن علينا أن ننتظر من الدولة الجزائرية رفع منع التحليق في أجوائها أمام الطيران المغربي، لمدة 48 ساعة، قبل أن تعيد فرضه بعد مغادرة القادة العرب وصدور البيان الختامي للقمة؟

 

من دون شك، نحن أمام مشكل أكبر بكثير من مجرد مشاركة المغرب في اجتماع القمة العربية المقبلة، يتمثل في ضرورة أن تلتزم القيادة الجزائرية بتحقيق الانسجام بين أقوالها وأفعالها. والأكيد أن ذلك لن يتحقق إلا عبر وضع الدعوة الرسمية التي سيتم توجيهها إلى جلالة الملك، ضمن روح إيجابية صادقة تحمل تصورا استراتيجيا ينتصر لمنطق التاريخ، ويعيد العلاقات الديبلوماسية مع المغرب إلى المستوى الذي يجب أن تكون فيه، بإقرار التزام الدولتين باحترام السيادة الوطنية لكل منهما، وتجنب أي تدخل في الشؤون الداخلية لكل بلد، والابتعاد الكلي للجزائر، بديبلوماسيتها وبأجهزتها الاستخبارية، عن ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية كي نسير بسرعة نحو حل نهائي برعاية أممية، يتم خلاله تنزيل المقترح المغربي للحكم الذاتي ضمن السيادة الوطنية المغربية، ونطوي صفحة آلام إنسانية كبيرة ويتجمع أبناء العائلات الواحدة في بيت الشرف والكرامة المغربية، وتتحقق المصالحات التاريخية التي نطمح إليها والتي وضع لها المغرب إطارها القيمي، بعهد ملكي سامي قوامه أن الوطن غفور رحيم، وأن "ما يمس أمن الجزائر يمس أمن المغرب، والعكس صحيح".

 

أجزم أن هذا هو السبيل الاستراتيجي كي تدخل المنطقة المغاربية مرحلة جديدة، وكي يذكر التاريخ أن القمة العربية المنعقد في شهر تتويج تضحيات الشهداء والمجاهدين في الجزائر، ومعهم إخوانهم في المغرب و تونس، نجحت بفضل صحوة ضمير عربي وحدوي أوقف نزيف جريمة كبرى ترتكب في حق المغرب منذ 47 سنة، من خلال تنزيل إرادة الوحدة والتضامن بين الدول العربية على قاعدة التواصل والتنسيق المستمر بين الجيران، بما يحفظ حقوق كل طرف ويقطع الطريق على التوجس والقلق غير المبرر، وينهي عهود دعم الانفصال والتخريب، ويعزز مواجهة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، ويدعم التنمية لما فيه مصلحة الشعوب العربية جمعاء...