الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: القمة العربية بالجزائر.. وما فائدة القمم في هذا الزمن 

إدريس الأندلسي: القمة العربية بالجزائر.. وما فائدة القمم في هذا الزمن  إدريس الأندلسي
جلس وزراء العرب في قاعة سجلت الكثير من الاجتماعات على مدى أكثر من سبعين عاما. مقر الجامعة العربية الموجود بأقصى ركن في ميدان التحرير بالقاهرة يشكل جزءا من العمران الجميل القريب من بحر النيل.
غنت أم كلثوم نشيد الجامعة العربية في بداياتها وغنت معها أفئدة كانت تحلم في زمن صعب. 
كان القرار العربي في يد الإنجليز والفرنسيين  وأتباع الثورة العربية الكبرى ومن يديرون مخرجات اتفاقيات سايس بيكو  التي كانت سلاحا فتاكا لا زال يرخي بظلاله إلى اليوم. 
ولكن الجامعة العربية مكنت رغم كل الظروف من كسر كثير من الحدود التي بنتها الأنظمة الإستعمارية. خلال فترة الأربعينات لجأ الكثير من معارضي الإستعمار الفرنسي والإنجليزي والإيطالي والإسباني إلى القاهرة حيث وجدوا الوسيلة للدفاع عن أوطانهم من خلال صوت العرب كإذاعة كانت تصل إلى كل مكان في العالم. 
ومضى الزمن سريعا  وتحولت جامعة الدول العربية إلى مؤسسة تاريخية حاملة لذكريات جلها ذو طابع خطابي وكثير منها مرتبط بتجاذبات بين الخليج  ودول حملت خطاب القومية وأخرى لا زالت لم تفك عقدة التركة الإستعمارية. وتواصل الإحتفال بمناسبة أو بدون مناسبة، ولكن البلاغات الصادرة بعد القمم العربية تمت صياغتها بكثير من البلاغة التي كانت تغطي على واقع مأساوي توجته هزيمة 1967. وبعد ذلك توالت القمم تحت شعارات تراقصت بين جبهة رفض  وتصدي وتوافق حول إيجاد  صيغ لقبول حلول كانت مرفوضة بالنسبة للقضية الفلسطينية  وأصبحت مقبولة من طرف الجميع بعد قمتي فاس  التي حرص الحسن الثاني على إدارتها بشكل فيه الكثير من الذكاء الدبلوماسي. وبعد وصلنا إلى غزة  و أريحا  أولا. ثم وقف قطار السلام  واستعادت الحرب غير المتوازنة دورها لتبدد حلم حل مقبول بقدس تحمل صفة العاصمتين شرقية  وغربية.  ولا زال الحال على ما هو عليه قبل  و بعد اغتيال ياسر عرفات. 
حكومتين فلسطينيتين  وحكومات إسرائيلية  وتراجع لتأثير نخب المناضلين في واقع  اليوم الفلسطيني والعربي عامة. هجم الغرب على العراق  وليبيا  و تزحزحت أنظمة لم تكن تعرف معنى للمواطنة إلا في الإعلانات.  ولكن ما سمي بالربيع العربي أعطى نفسا جديدا لكثير من الأنظمة  التي قصمت ظهر من عارضوها بعد أن انتهت  فترة النوايا الحسنة. 
وخلال كل هذه التحولات ظلت الجامعة بنيانا شامخا مطلا على النيل العظيم. لكنها أصبحت منظمة عادية تبحث عن وسائل تمويلها  و تسعى إلى استمرار إدارتها  و المنظمات الملحقة بها. أصبحت مجالسها في كافة المجالات  ومنها مجلس وزراء الخارجية  والمجلس الإقتصادي والإجتماعي ومجلس وزراء الداخلية  ومجلس التنسيق بين مؤسسات العمل العربي المشترك  مجرد روتين مؤسساتي مكلف ماديا و عديم التأثير.  وأصبحت التمثيلية في الجامعة العربية  ومؤسساتها تقتصر على الصف الثاني من المسؤولين  وتحولت توصيات اللجان إلى مشاريع قرارات موغلة في التفاصيل لا أثر لها على الواقع العربي. واقع أزمات سياسية  وعسكرية  واقتصادية بين الدول العربية هو الحقيقة التي يصعب أن تغطيها بلاغات  وخطابات. ولكن استمرارية اجتماعات الجامعة على صعيد وزراء الخارجية والحرص على التغلب على صعوبات عقد القمم التي تجمع رؤساء الدول ظلتا أهم بند شكلي يشغل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. ويظل  الشكل أهم من المضمون  وتظل النزاعات قائمة  ولأخوة العربية سرابا  والقضية الفلسطينية رهينة إلى أجل غير مسمى. ويظل المهم هو عقد قمة قبل نهاية السنة في  الجزائر أو في القاهرة  والمعلوم هو أن القمة ستكون فرصة لتأكيد المواقف  وزيادة التناقضات بين دول الجامعة العربية. قمة الجزائر لا هدف لها إلا خدمة صورة من يتحكمون في هذا  البلد. نظم اجتماع مجلس الجامعة بالأمس و أكد كل بلد على مواقفه. و نشرت أخبار على أن  وزير خارجية الجزائر سيزور المغرب لتسليم دعوة رسمية لجلالة الملك لحضور القمة.  وسيلتزم هذا الوزير بما نطق به في إعلانه قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب  وسد الأجواء  و سينقل عبر طائرة غير جزائرية  ودون أن يدخل الأجواء المغربية مباشرة دعوة "رسمية " لمؤتمر لا حق له،  حسب الدولة المضيفة، للنظر في العلاقات الثنائية بين  البلدين. 
إنها قمة الغباء السياسي وقمة للاستهلاك السياسي وقمة لن تزيد إلا سوءا. سوريا لن تحضر  وقد عبرت عن ذلك رغم الرغبة الأكيدة للجزائر في أن تكون حاضرة رغم قرارات جامعة الدول العربية.  و بالطبع ستعمل الدولة المضيفة على تجاوز الجامعة لتجدد الدعوة لأعداء الوحدة الترابية للمغرب. وبالطبع سيخلق هذا السلوك ردود فعل  ونقاشات ساخنة وسينتهي الأمر برفع الجلسات  وقد يصدر بلاغ في النهاية عن ضرورة دعم وحدة الصف والتضامن مع فلسطين  وشجب ما يتعرض له من انتهاكات جسيمة. ولهذا تم  التأكيد في كلمة وزير الخارجية ناصر بوريطة على الإلتزام بالمسؤولية  "بعيدا عن  كل حسابات الضيقة  أو منطق متجاوز". الأمر إذن في ملعب مستضيف القمة و الرسالة التي تم التأكيد عليها من طرف مجلس الجامعة أوضح. و كن العسكر وخدامه سيكون له رأي آخر. 
لن تتفق الدول العربية على زيادة حجم التجارة البينية ولا عن سياسة لمضاعفة الجهد الإستثماري  ولا عن سياسة في مجال البحث العلمي.  هذه العلاقات وهذه المجالات تتقوى وتتكثف مع الغرب ولا تحتاج إلى مؤتمرات قمة. الدولة المضيفة للقمة تفقر شعبها  وتتسلح بكثافة لا من أجل الدفاع عن الحدود ولا عن فلسطين  ولكن لمعاداة بلد جار لم  يقبل بالحدود الموروثة عن الاستعمار  و الذي نهبت أراضيه لفائدة توسيع حضور فرنسا بالجزائر.  هل يحتاج قادة الدول العربية  إلى قمة في هذه الظروف.  الأمر خطير  ومحير لمن يتابعون ما يقع في اليمن  وفلسطين وسوريا والعراق وليبيا وعلى كثير من نقط الحدود بين دول عربية. الجزائر تسخر كل جهودها لكي تعقد قمة نونبر، ويمكن أن  تعقد  وتتمخض كالجبل الذي تمخض فولد فأرا.