السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

موسى المالكي: الأمن الغذائي والمائي والطاقي بالمغرب

موسى المالكي: الأمن الغذائي والمائي والطاقي بالمغرب موسى المالكي

 مراجعة خرائط الإنتاج والاستهلاك وحماية الموارد الطبيعية                                                  

أسهمت الظرفية الدولية الاستثنائية التي ميزت مطلع الألفية الثالثة، في العودة القوية لقضايا السيادة الغذائية والصحية والطاقية إلى طليعة انشغالات الدول. وتقتضي المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مراجعة برامج وخطط الحكومات عبر العالم بهدف ضمان الأمن والاكتفاء الذاتي من الموارد الإستراتيجية.

ويعيش العالم حاليا على وقع التطورات المتسارعة والأحداث الفجائية كانتشار وتعدد الأوبئة (كورونا، إنفلونزا الطيور، أنفلونزا الخنازير، جنون البقر، جذري القردة، ...). كما تفاقمت انعكاسات التغيرات والأحداث المناخية القصوى (الكوارث الطبيعية، الجفاف، الحرائق، ...)، حيث طال الجفاف سنة 2022 البلدان الأوروبية نفسها.

ويزداد تعقيد الأزمات السياسية والاقتصادية وبؤر التوتر العسكري (الشرق الأوسط، أذربيجان، أوكرانيا، كوريا، تايوان)، حيث تتسارع وتتنافس القوى العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا على الموارد والنفوذ، في إطار مخاض عسير يوحي بتشكل نظام دولي جديد.

وتجلت الإرادة السياسية العليا للبلاد في مواجهة هذه التحديات في أكثر من مناسبة، حيث أكد الملك محمد السادس في أكتوبر 2021، على ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الإستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، بما يعزز الأمن الإستراتيجي للبلاد، علما بأن المغرب هو رابع أكبر مصدر للأسمدة في العالم.

وطبعت العقود الأخيرة، وضعية مائية حرجة توالت واشتدت فيها سنوات الجفاف ونقص التساقطات المطرية والثلجية، وزاد من حدتها ارتفاع معدلات درجات الحرارة والتبخر وتضاعف الاستهلاك. وأعلنت الحكومة المغربية عن حالة الطوارئ المائية، وشرعت في اتخاذ تدابير مستعجلة لضمان تزويد المدن والحواضر بالماء الشروب.

وصنفت المعطيات التي عممتها وزارة التجهيز والماء، سنة 2021 من بين الأكثر حرارة منذ 1981 بعد سابقاتها 2020، 2017 و2010. وتعاقبت السنوات الجافة بين سنتي 2018 و2022 مسجلة على التوالي نسبة عجز في الواردات المائية قدر ب 54 %، 71 %، 59 % و85 % مقارنة بالمعدل السنوي.

وسجلت السدود المغربية أدنى واردات مائية منذ 40 سنة، انخفضت معها نسبة الملء إلى الربع مع نهاية غشت 2022 (26 %)، فعلى سبيل المثال لم يتلقى سد سيدي محمد بن عبد الله، سوى 51 مليون م3، بنسبة عجز بلغت 93 % عن المعدل السنوي. وتقلصت المساحة القصوى المغطاة بالثلوج من 45 ألف كلم مربع سنة 2018، إلى 5 آلاف كلم مربع سنة 2022.

راكم المغرب منذ استقلاله عدة مكتسبات مؤسساتية ولوجستية وتقنية في إدارة موارده المائية، معتمدا على سياسة السدود التي مكنت من سقي 1.5 مليون هكتار، وشرع مبكرا في إحداث أولى محطات تحلية مياه البحر بأقاليمه الجنوبية ومؤخرا بالوسط والشمال (أكادير، الدار البيضاء، الحسيمة)، وأنجزت عدة مشاريع لمعالجة المياه العديمة، بالإضافة إلى دعم برامج السقي بالتنقيط.

وتدفع العديد المؤشرات البيئية المقلقة نحو تحيين السياسة المائية، ومراجعة الخريطة الفلاحية للمغرب، كون هذه الأخيرة أسهمت بوضوح في الضغط على الموارد الطبيعية، ونتج عنها تعرض الفرشات المائية الباطنية للاستغلال المفرط، بينما تواجه السدود إشكاليات التوحل والتبخر والتلوث وضعف نسب الملء.

وهو ضغط أحدثه السماح بتوسع مساحات الزراعات والأغراس الأكثر استهلاكا للماء (الأوكاليبتوس، الفراولة، الحوامض، الطماطم، الأفوكادو، الموز، البطيخ الأحمر)، وخاصة منها الموجهة نحو التصدير والأسواق الدولية، وكذا بعض الاستعمالات الثانوية (أحواض السباحة، ملاعب الغولف، عشب التزيين، نافورات الماء...).

وهكذا تعرضت الفرشات الخاصة بالمدارات السقوية الكبرى، لاستنزاف شديد فقدت معه أزيد من متر سنويا طيلة عقود متواصلة (سوس، سايس، الحوز، تادلة، البحيرة وغيرها)، بينما انخفض مستويات نظيراتها بأقل من متر في السنة (عين بني مطهر، برشيد، الشاوية، أنجاد، الرمل، الغرب والعيون).

وتتطلب مواجهة الأخطار التي تهدد قطعان الماشية تدخلات مستعجلة وجدية، بسبب تدهور المراعي وتراجع نقط الماء والغلاء الشديد للأعلاف. وحسب معطيات الوزارة الوصية، يتوفر المغرب على 20 مليون رأس من الأغنام، ونحو 6 مليون رأس من الماعز، وما يزيد عن 3 مليون رأس من الأبقار، بالإضافة إلى قطيع محدود من الجمال يقل عن 180 ألف رأس.

وفي تقديمها للتوقعات الاقتصادية لسنتي 2022 و2023، دعت المندوبية السامية للتخطيط إلى نهج قطيعة في السياسة الفلاحية المعتمدة بشكل يساهم في بروز منتجات غير فلاحية بقيمة مضافة عالية، وشددت على ضرورة الاهتمام أكثر بالفلاح الصغير والاستغلاليات الفلاحية.

وتهدد مجموعة من العوامل باختفاء تدريجي للفلاحين والمنتجين الصغار، تقع في مقدمتها قساوة الظروف الطبيعية وغلاء الأعلاف، وهيمنة الوسطاء على دائرة التسويق، ومجهرية الملكيات واشتداد المضاربات العقارية على هوامش المدن، وشيخوخة الفلاحين وهجرة الأبناء التي تحول دون تمرير الدرايات المحلية.

وتتعدد المخاطر البيئية المهددة للأمن الغذائي، ومنها القضاء على مساحات واسعة من سلسلة الصبار، واختفاء النحل من المناحل ببعض المناطق، وتراجع البذور النباتية والسلالات الحيوانية المغربية الأصلية المقاومة للجفاف وللأمراض وتعويضها بأخرى مستوردة، وتلوث الأودية الذي قضى على أسماكها.

وبلغت المساحة الغابوية التي التهمتها الحرائق بالمغرب في سنة واحدة (2022)، ما يعادل 25 ألف هكتار وفق إفادات المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية بالوكالة الوطنية للمياه والغابات. ومعلوم أن الغابة، هي عنصر أساسي لتوازن المنظومة البيئية، بما تضمه من نباتات ووحيش ومراعي.

وتتعرض النباتات الطبية والعطرية لتدهور شديد، لأسباب تتجاوز العوامل الطبيعية والمناخية، لتشمل طرق الاستغلال المكثف وغير المعقلن، ويصدر قسم منها بشكل خام نحو الخارج. بينما تتوفر آفاق واعدة لتطوير القطاع، وجعله في قلب الصناعة الدوائية والعطرية والتجميل والعلاج الطبي، بما من شأنه أن يضاعف قيمته المضافة ويرفع من فرص الشغل.

وبينما يحقق المغرب اكتفائه الذاتي على مستوى الخضر والفواكه والحليب واللحوم الحمراء والبيضاء، إلا أنه يواجه عجزا كبيرا في إنتاج الحبوب والأعلاف والقطاني والزراعات الزيتية، وهي مواد ذات طابع استراتيجي لأمنه الغذائي، وتعاني من اضطراب كبير يهم سلاسل التوريد الدولية، بل تصبح أحيانا محط ابتزاز ومساومة سياسية، فيما أصبح يعرف بدبلوماسية الغذاء.

ومعلوم، بأن مفهوم الأمن الغذائي يشمل أيضا الجودة والسلامة الصحية والتحكم في نوعية ومقادير الأدوية والأسمدة والبذور والمبيدات الحشرية. وأقدم المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، على سحب 15 مادة فعالة تدخل ضمن مكونات المبيدات الزراعية من السوق المغربية بين سنتي 2018 و2020.

وسبق لمكتب "أونسا"، تسجيل حالات استعمال مبيدات كيميائية خطيرة وبطريقة عشوائية وخطيرة على صحة المستهلك (زراعة النعناع ببعض المناطق شمال المغرب). وفي سنة 2020 تم إتلاف 108 طن من فضلات الدجاج التي تستعمل في تسمين أضاحي العيد.

وبينما يوفر قطاع إنتاج الدواجن نحو 500 ألف منصب عمل، فهو يستدعي تعزيز آليات مراقبة استعمال الأدوية والأعلاف وظروف الإنتاج والتسويق. وعلى سبيل المثال، أسفرت عمليات المراقبة التي أنجزتها المصالح البيطرية التابعة لمكتب "أونسا" سنة 2018، عن التعليق المؤقت ل 131 رخصة إنتاج، والسحب النهائي ل 41 رخصة.

وتعاني الأسواق المغربية من ارتفاع واضح أسعار الخضر والفواكه واللحوم خاصة خلال العقد الأخير، أسهمت فيه كل الظرفية الدولية والخريطة الفلاحية بمعية التزايد الديمغرافي وارتفاع الطلب، والزحف العمراني الكبير على أخصب الأراضي الزراعية القريبة من المدن.

وسجلت مختلف أنواع الأسماك ارتفاعا كبيرا في الأسعار، لا يتناسب مع توفر المغرب على واجهتين بحريتين، وإمكانيات هائلة لتربية الأحياء المائية (البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلنتي)، بينما استفادت بلدان أخرى من الثروة السمكية الوطنية في إطار عقود استغلال لم تكن منصفة بالضرورة.

وبالانتقال للميدان الطاقي، شرع المغرب في بناء منظومة متنوعة ومتكاملة لإنتاج الطاقات المتجددة، كمحطات إنتاج الطاقة الشمسية (محطات نور ورززات، وميدلت، وبوجدور، وأطلس)، وحقول إنتاج الطاقة الريحية (طرفاية، ميدلت، أفتيسات، بئر أنزران وغيرها)، بالإضافة إلى محطات إنتاج الطاقة الكهرومائية الموزعة على العديد من السدود.

وتشرف الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، على تنفيذ الهدف الوطني المتمثل في رفع حصة الطاقات المتجددة إلى 52 % من الباقة الطاقية في أفق سنة 2030. وتتعدد مشاريع الربط الطاقي الإستراتيجية (المغرب - بريطانيا / خط الغاز النجير – المغرب)، دون إغفال الاستثمارات الموجهة للتنقيب عن الغاز والبترول في البر والبحر.

إن توظيف المقاربات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، من شأنه تقديم قراءة أكاديمية موضوعية لمكامن القوة، ونقط الضعف في السياسات الفلاحية والمائية والطاقية، والإسهام في اقتراح تصورات عملية لتعزيز المكتسبات، ومعالجة مختلف التحديات التي تواجه الأمن والاكتفاء الذاتي المغربي، واستدامة موارده الطبيعية.

محاور مقترحة للبحث الأكاديمي حول قضايا الأمن الغذائي والمائي والطاقي:

دراسة الأسواق الدولية للمواد الغذائية: الفرص والمخاطر، خريطة المنتجين الكبار، تطور الأسعار، دبلوماسية الغذاء.

مراجعة الخريطة الفلاحية المغربية: حصيلة السياسات الفلاحية، دراسة تطور الأسعار، موقع الفلاح الصغير، المنتجات المجالية والرستاقية، حماية النباتات الطبية والعطرية.

الزراعة الحضرية وتربية الأحياء المائية: التجارب الدولية الناجحة، المكتسبات الممكنة، البرامج والمشاريع المغربية.

السياسة المائية وحماية الموارد الطبيعية: البنيات التحتية، دراسة المخاطر، الأمن البيئي، خرائط التوزيع والاستهلاك، تنافس القطاعات الاقتصادية، اختلالات التخزين.

الأمن الطاقي المغربي: إشكاليات السوق الدولية، الخريطة الطاقية للبلاد، مشاريع الطاقة المتجددة، الاكتشافات الطاقية، خطوط النقل والربط الطاقي.

تطوير بنيات التخزين الإستراتيجي: التجارب الدولية، خريطة الاستهلاك الوطني، أولويات واحتياجات السوق الوطنية، المنظومة المغربية للتخزين.

 

موسى المالكي، أستاذ باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيواستراتيجية