الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

اجماهري: يوميات عداء شبه معلن.. لماذا تونس ولماذا تيكاد

اجماهري: يوميات عداء شبه معلن.. لماذا تونس ولماذا تيكاد عبد الحميد اجماهري
سيجد كل أناس مشربهم في‮ ‬ما فجره الرئيس التونسي‮ ‬من عداء وينابيع خصام في‮ ‬العلاقة بين المغرب وتونس‮.‬
المغاربي‮ ‬سيعرف بأن الضربة موجهة لحلم أجيال طويلة،‮ ‬وهي‭ ‬تنكر لموقف شعبي‮ ‬ورسمي‮ ‬وقف‭ ‬إلى جانب تونس في‮ ‬كل منعطف‮..‬
الإفريقي‮ ‬الحريص على تقوية العلاقات الأفرو‭-‬أفريقية‭ ‬سيجد فيه تشويشا مقصودا على‮  ‬ما‮ ‬يتم تحقيقه،‮ ‬بعيدا عن نوايا القوى العظمى‮ "التقليدية منها والجديدة‮"..‬
ويرى فيه المحلل السياسي،‮ ‬انقلابا سياسيا هو في‮ ‬الواقع امتداد‮ ‬لانقلابات سابقة همت الديموقراطية‮ ‬ومن لا ديموقراطية له،‮ ‬لا وحدة له،‮ ‬كما تعلمنا في‮ ‬المغرب وفي‮ ‬أوربا ما بعد الحرب العالمية الثانية‮..‬
‮ ‬كما سيرى فيه آخرون مغامرة تسلب تونس استقلالها،‮ ‬وتزج بها في‮ ‬جزمة عسكرية لطالما وجدتها أصغر من قدميها،‮ ‬هي‮ ‬الجزمة الجزائرية‮..‬
‮ ‬لكن في‮ ‬النهاية فإن القرار التونسي،‮ ‬كان امتدادا للعديد من المواقف التي‮ ‬مهدت له،‮  ‬ووضعت الحجر المكوكي‮ ‬السريع باتجاه جحيم الجنون الاستراتيجي‮..‬
وهي‮ ‬مواقف‮ ‬يمكن إجمالها في‮ ‬تضييق‮ ‬غير مفهوم ولا مبرر‮  ‬لهامش التعاون مع المغرب مقابل ارتماءة‮  ‬كلية في‮ ‬حضن الجزائر،‮ ‬وعدم التجاوب مع دعوات ملك البلاد‮.‬،‮ ‬الذي‮ ‬زار تونس في‮ ‬عز‮  ‬انهيارها الشامل بسبب الضربات الإرهابية،‮ ‬في‮ ‬وقت لم‮ ‬يجرؤ فيه الرئيس على الخروج من بيته‮... ‬والإحجام عن زيارات وزارية،‮ ‬التصويت المعاكس للتوجه الدولي‮ ‬في‮ ‬قضية الصحراء المغربية في‮ ‬أكتوبر الماضي،‮ ‬الذي‮ ‬خرج عن الإجماع العربي‮ ‬والإجماع الدولي‮  ‬في‮ ‬شأن سبل التسوية‮.. ‬وتتويج كل ذلك بموقف عدائي‮ ‬سافر لا‮ ‬يحتاج إلى رسومات بيانية للتوضيح‮.‬
غير أن النقطة الثانية في‮ ‬البلاغ،‮ ‬والتي‮ ‬قد لا تظهر للعيان،‮ ‬هي‮ ‬التمييز بين قمة‮  ‬تيكاد‮  ‬بتونس‮ ‬ودينامية الحضور الياباني‮ ‬في‮ ‬الأجندة الإفريقية‮.‬
‮ ‬ولقد كان البلاغ‮ ‬المغربي‮ ‬أكثر من ذكي‮ ‬عندما انتبه إلى المناورات التي‮ ‬تقف وراء حشر تونس في‮ ‬زاوية حادة‮.‬
ومنها بالأساس إبعاده عن قمة تيكاد وعن ديناميتها العامة‮...‬
لهذا فصَلَ‮ ‬بين قمة قصر قرطاج وبين الفكرة النبيلة وراء‮  ‬التيكاد،‮ ‬وما تريده إفريقيا‮ من ذلك‮.
ولعل الذين تابعوا اهتمام الصحافة الدولية وأصحاب القرار في‮ ‬العالم بتوجهات المغرب الأسيوية في‮ ‬قضيته الوطنية سيتوصلون إلى فهم ما‮ ‬يراد‮ له من ذلك،‮ ‬أي‮ ‬تقزيم حضوره الأسيوي‮ ‬من بوابة اليابان المعروفة‮.‬
فالعلاقة مع اليابان جزء من علاقة متواصلة مع قلب القارة الآسيوية،‮ ‬وفي‮ ‬قلبها الصين والهند كنموذج‭.‬
‮فالقارة تدعم بالإجماع تقريبًا الموقف المغربي‮ ‬بشأن الصحراء المغربية في‮ ‬الأمم المتحدة، كما أن بلادنا تبذل مجهودات‮  ‬جبارة لتعزيز علاقاتها مع جميع الدول‮. ‬كان الهدف من المساعي‮ ‬التآمرية هو تكسير هذا الامتداد وتلغيم إحدى حلقاته الكبرى،‮ ‬فالمغرب ربط نفسه بدينامية مؤسساتية آسيوية عبر العديد من‮  ‬الديناميات،‮ ‬ومنها كما كتبت‮ ‬"جون أفريك"‬‮ ‬في‮ ‬عددها الأخير،‮ "منتدى التعاون الصيني‮ (‬FOCAC‮) ‬الذي‮ ‬انطلق في‮ ‬عام‮ ‬2000،‮ ‬منتدى التعاون الصيني‮ ‬العربي‮ (‬FSA‮) ‬الذي‮ ‬تم إطلاقه في‮ ‬عام‮ ‬2004،‮ ‬والشراكة الاستراتيجية الجديدة لإفريقيا وآسيا‮ (‬NAASP) ‬التي‮ ‬تأسست في‮ ‬عام‮ 2005،‮ ‬وحوار التعاون الآسيوي‭ (‬ACD‭) ‬الذي‮ ‬تأسس في‮ ‬عام‮ ‬2002‮ ‬والذي‮ ‬أصبح فيه المغرب شريكًا في‮ ‬التنمية في‮ ‬عام‮ ‬2008،‮ ‬رابطة دول جنوب شرق آسيا‭ (‬ASEAN‭) ‬التي‮ ‬كان المغرب عضوًا مراقبًا فيها منذ عام‮ ‬2008،‮ ‬أو حوار آسيا والشرق الأوسط‭ (‬AMED‭) ‬الذي‮ ‬تم إطلاقه في‮ ‬عام‮ ‬2004‭.‬
‮ ‬وقد انتبهت العديد من المصادر الإعلامية والدبلوماسية،‮ ‬التي‮ ‬تتابع الأمر عن كثب،‮ ‬إلى أن‮ ‬المغرب‮ قد نجح‮ "في‮ ‬أن‮ ‬يصبح منصة إفريقية وشرق أوسطية للدول المستثمرة،‮ ‬كما هو الحال بالفعل مع اليابان من خلال اتفاقية‮ «‬تيكاد‮» (‬مؤتمر طوكيو الدولي‮ ‬حول التنمية الإفريقية‮).‬
وفي‮  سياق المواقف‮  ‬الديبلوماسية المتوازنة،‮ ‬يلتقي‮ ‬موقف الهند البراغماتي‮ مع العملاق‮ ‬الياباني،‮ «‬البلد المحافظ للغاية والذي‮ ‬أدرك أن الشراكة مع المغرب تصب في‮ ‬مصلحته أكثر من الشراكة مع البوليساريو‮».‬
‮ولعل اليابان أكثر شعورا بحجم المؤامرة لهذا سارعت إلى نشر المذكرة‮ الشفوية بشكل رسمي‮ ‬والتي‮ "تؤكد فيها بشكل واضح أن الدعوة الموجهة للدول،‮ ‬والتي‮ ‬يجب أن تكون موقعة بشكل مشترك،‮ ‬هي‮ ‬الوحيدة التي‮ ‬تعتمد للوفود للمشاركة في‮ ‬تيكاد‮-‬8‮..» ‬
هذه المذكرة رد واضح على مراوغات بلاغ‮ ‬الخارجية التونسية،‮ ‬ومحاولة التبرير المفضوحة لسلوك طافح بالعداء‮.‬
‮ ‬ومن المحقق أن هذا البناء الياباني‮ ‬الإفريقي،‮ ‬يزعج القوى التقليدية التي‮ ‬بدأت تفقد مراكز نفوذها،‮ ‬في‮ ‬المغرب الكبير كما في‮ ‬القارة،‮ ‬ولا تريد أية منافسة قوية من العمالقة الأسيويين‮. ‬وهي‮ ‬القوى التي‮ ‬تسعى إلى‮ "معاقبة المغرب‮" ‬من خلال تعزيز شراكاتها مع خصومه،‮ ‬وكذا مع تفويض جزء من مهامها‮ ‬في‮ ‬القارة لهذا الموكَّل الجديد‮..‬
وكان على المغرب بالفعل أن‮ ‬يحافظ على موقعه في‮ ‬دينامية تيكاد،‮ ‬سواء مع الدول الإفريقية الجادة أو مع الشريك الياباني‮..‬
ومما‮ ‬يعزز هذا الفهم،‮ ‬أن الدول الافريقية،‮ ‬وعلى رأسها السينغال التي‮ ‬تقود الاتحاد الإفريقي،‮ ‬شعرت وطالبت باستشعار‮ ‬غياب المغرب،‮ ‬الدولة البارزة في‮ ‬هذا التوجه الأفروـ‮ ‬ياباني‮.. ‬ولربما سيكون من المفيد أن‮ ‬يحتضن المغرب قمة‮ «‬تيكاد‮» ‬المقبلة،‮ ‬ويعمل على ذلك من باب تأكيد هذا الحضور‮..‬