الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: رسالة إلى قيس تونس من مواطن مغاربي 

إدريس الأندلسي: رسالة إلى قيس تونس من مواطن مغاربي  إدريس الأندلسي
كل قيس يغني على ليلاه  و"سعيد" يغني على "للاه"
من حق قيس أن يغني على ليلى في ما مضى وفي الحاضر، و إذا كتب له أن يغني عليها مستقبلا فله ذلك. سيغني بما منحه الله من قدرة على نطق للحروف الأبجدية وبصوت عال حتى  ولو كان أمام وزير  ووزيرة وكاميرا فقط في فضاء كبير و فارغ. الخطاب كثيرا ما يعكس شخصية من يلقيه وقيس له تجربة مع المحاضرات في مدرجات فارغة، رغم ذلك،  ورغم أنه دخل قصر قرطاج ظل وفيا لعادة الكلام بصوت عال في احترام تام للفصحى. اللهجة التونسية الجميلة لا تروقه مثلما لا تروقه الأصوات المعارضة كيفما كان اتجاهها السياسي  والايديولوجي. كن ديمقراطيا أو علمانيا أو إسلاميا، فإنك في نظر قيس  مزاحمه في الوصول إلى ليلى. 
وكالمحبين المهووسين بالوصل  والوصول إلى أعلى المراتب ينسى كل شيء  ولا يشرك في فرض اختياره أحدا. لكن الطريق صعب على من يريد الشيء  ونقيضه. أتريد المال أم الأحباب، أتريد التاريخ أو أن تكون إمعة لمن هم أقل منك شأنا ثقافة وعلما. 
وداعا ليلى والآن حان الوقت للنزول إلى الواقع  وإلى دروس التاريخ. ولتعلم أن الطريق صعب وأنك لست زعيما و لا ملهما لشعب قاسى الكثير خلال السنوات الأخيرة.  بدل حل مشاكل اقتصادية كانت تونس لا تعرفها، توجه القيس إلى الخطاب، فالخطاب ثم الخطاب ثم الخضوع لمن أصدر الأمر  وهو لا يمتلك حتى أمر قيادة بلد جار لا تحفه سوى عناية سلبية سلبت شعب الجزائر خيراته.
يا قيس: قال الآمر " فلتقلع نعليك إنك بالمستنقع "بعد الشيك سيأتي عليك زمن التشكيك في ما اقدمت عليه ثقة فينا.  
مهما حلفت وتعاليت بكثير من المفاجأة التي رافقت وصولك إلى كرسي ليس كرسي جامعة  وليس كرسي دولة،  فإن الشعب التونسي لم يتعود على ابتلاع لسانه منذ أن طرد الدكتاتور  وأذنابه.
 الفرق كبير بينك وبين بلد بن خلدون  وفقهاء الزيتونة  و وفاء المناضلين لقضايا الشعب قبل الإستعمار  وبعده. القضايا الحقوقية خلقت جيلا من التوانسة الملتزمين بثقافة الحقوق  و الانفتاح الثقافي  والبحث السوسيلوجي يا من كنت أستاذا جامعيا كما يقال عنك.  لم نعرف أنك جامعيا قبل وصولك المفاجئ إلى دفة الحكم.  الجامعة التونسية أعطت للعلم مدرسة أسسها هشام جعيط برفقة الكثير من العلماء الشباب وغيره من الباحثين في الإقتصاد و الطب والهندسة. 
وصلت بدون إذن  وبقدرة قادر  ولم تكن قادرا على أن تصبح رجل دولة بل مجرد ساكن جديد في قرطاج.  لا أشك في أنك تعرف يا من لا يمكن أن ننسى أنك صاحب الفخامة.  كما لا يمكن أن نرثي لحال كل رجل دولة يجبره واقع معين أن يستقبل بشكل رسمي رئيس عصابة مارقة ومدفوع أجرها بالدولار من أموال الشعب الجزائري. 
الكل قد يتفهم ثقل الأمر وسط زخم اجتماعي  وسياسي  ومحيط خطير قد يفرض الاذعان لواقع و لضابط من الخارج. ولكن النفاق له مدخل واحد هو الخيانة. 
نحن في المغرب لنا ذاكرة  وأرشيف يحفظ للأصدقاء حقهم في الإعتراف  و الوفاء. نتخطى الكثير من الهفوات  ونتسامح مع من أساء إلينا ممن نعتبرهم أصدقاء. قد لا يعرف الرئيس قيس سعيد أن تونس انقلبت على المغرب في عهد بو رقيبة حين ساند مخلفات فترة استعمارية قسمته إلى مستعمرات فرنسية  و إسبانية. وكاد قائد تحرير المغرب الملك  الراحل  محمد الخامس أن يقطع العلاقات مع تونس لموقفها في دعم فصل موريتانيا عن مغربها وكان الدولة الوحيدة في العالم العربي التي قامت بالتصويت ضد المغرب.  ومن استغرب عليه أن يرجع إلى أرشيف المستعمر الذي ظن ان سيظل بشمال أفريقيا إلى الأبد.
 بالطبع  نجح أعداء  التاريخ  في خلق  واقع جديد  و قبل  المغرب بالدولة الموريتانية  رغم أن شعب بلاد شنقيط لا زال حيا  كروح  وكثقافة وكرجال  دولة  في مغرب  اليوم و لا زالت الروابط الأسرية متينة ومتجذرة بين البلدين. ولهذا عبر المغرب عن رفضه لقاعدة القبول بالحدود الموروثة عن الإستعمار.  
أن تقبلها بعض البلدان التي لم يكن لها وجود قبل خروج الإستعمار من أراضيها  فهذا يمكن تفهمه كسلوك انتهازي. أما أن تشوه حدود الدول التي تم استعمارها  و هي ذات تاريخ  وحدود  وعلاقات دولية  وأقاليم  وإدارات محلية  وجهوية، فهذا لا يمكن قبوله من طرف من لهم الرصيد التاريخي الذي لا  يسمح لهم أن يتنكروا لشعوبهم و يقبلون بحدود قرر الإستعمار رسمها في شرق المغرب  وجنوبه لظنه أن سيظل سيد من يستعمرهم إلى الأبد. و قبلت بعض الدول الحدود الموروثة عن الاستعمار رغم أنها تعرف أنها حدود مصطنعة كما  حصل لتونس نفسها  و للمغرب و هذه هي قمة الانتهازية التي سكنت ممثلي فرنسا في الجزائر بعد الاستقلال. قادة الثورة تم اغتيالهم  وسجنهم  و تولى كابرانات فرنسا أمر الجزائر مع صنع أسطورة "المليون و نصف  مليون شهيد" وبهذا انطلق مسلسل افقار الشعب الجزائري  ومعاداة تاريخ الدولة المغربية.  ولم يتم الوفاء بالقسم الذي ألفه أحد شعراء عبد الناصر " نحن ثرنا فحياة أو  ممات... وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر " بل عقدوا العزم على استعباد  واستغلال ثروات شعب الجزائر. 
وتوالى مسلسل تسامح المغرب مع تذبذب مواقف تونس الرسمية في عهد بن علي الذي هدد بالاصطفاف مع الجزائر في معاداتها للوحدة المغربية إن تم السماح بنشر كتاب عن زوجته ليلى و ان تم إستقبال  و تكريم رئيس جمعية حقوق الإنسان التونسية بالمغرب. 
 ورغم ذلك قبلنا بالتوقيع على اتفاقية تباذل حر لم تكن في صالحنا  و لم يحترم مسؤولو تونس مقتضياتها.  وقد حان الوقت لتجميد هذه الاتفاقية التي لم تخدم إلا الجانب التونسي. ستمضي الأيام و سيتبين أن التابع لسيده البترودولاري  لن يجني غير ما جناه تابعو الطغاة.  المهم هو أن المغرب سيظل بلدا منفتحا على شعوب المغرب الكبير و لا يحتاج إلى  موقف رئيس تونس لكي يمضي إلى الأمام. يحز في النفس أن يتأخر مشروع بناء المغرب الكبير بسبب سياسة منحطة الأهداف. غدا ستتضح الرؤيا و لن يتعامل المغرب إلا مع من "صدقوا ما عاهدوا ألله عليه" و غيرهم خاسرون. يمكنك يا حاكم قرطاج ،لأجل مسمى، أن تستقبل من تشاء من الخونة  و الانفصاليين  و أن تخضع لأوامر كابرانات يحكمون الجزائر  و لن يحملوك أبدأ على ظهورهم.  لهم كل المصالح في الزج ببلادك في متاهات عدم الإستقرار.  المغرب سيقاوم بكل صدق كل اضعاف للجبهة العربية و الأفريقية  وضد تقسيم الأوطان وكثيرة جدا هي  الدول العربية  التي فطنت للعبة الجزائر التي تريد الزج بالجامعة العربية في متاهات اطماعها.  المغرب منشغل كثيرا بنموذج تنموي جديد  وبشراكاته الإفريقية  وبموقعه في سلاسل الإنتاج العالمية  وبتغيير أسس اقتصاده  وبصد كل معتد عن أراضيه بما فيهم قائد المرتزقة الذي استقبلته بأكثر  من الحفاوة المبالغ فيها على أرض تونس التي ستظل خضراء رغم الخيانة.