الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

"جرادة مالحة" لإدريس الروخ قريبا في القاعات السينمائية

"جرادة مالحة" لإدريس الروخ قريبا في القاعات السينمائية المخرج إدريس الروخ
"جرادة مالحة" أو "التائهة"، فيلم جد مختلف من حيث المبنى والمعنى، فيلم اشتغل فيه الروخ على معنى السينما والانتصار لتقديم عمل مخالف، حيث سبر أغوار النفس البشرية الغارقة في متاهات التناقضات القاتلة والمؤامرات التي تحاك في الخفاء لقولبة الوعي الإنساني وجعله يخضع للمخططات التي تتحكم فيها المؤسسات الرأسمالية الكبرى.
 
يستفاد من سينوبسيس الشريط، وأيضا مشاهدته، أن إدريس سعى، في أول تجربة إخراجية لفيلم طويل، تكريس "جنس" سينمائي لم تشتغل عليه السينما المغربية من قبل، ولم يتم التفكير في تجريبه بشكل واع خلاق، لأنه يتطلب قدرة على فك الشفرات، من خلال كتابة سيناريستيكية تنجح في رسم ملامح الشخصيات، وتفكيك الدواخل والهواجس، وتصوير الوقائع التي يتنازعها الواقع بكل اشكاله وأنواعه واشكالياته، وتكريس الخيال الخلاق الذي يتجاوز حدود العقل والمعقول، كما عهدناه في سينما "الرعب" الهوليودية...
 
خلاصة القول أن إدريس الروخ أراد أن يحملنا عبر مغامرة فنية مختلفة الى عوالم امرأة تعيش تمزقا قاتلا، امرأة تجد نفسها تعيش على ايقاع الرعب اليومي والهروب المتخيل المزروع بكثير من الدقة والخبث في مسارات حياتها. امرأة تعاني من الانفصام القاتل في شخصيتها المهزوزة وعوالمها الغارقة في السوداوية المحاطة بغموض لا معنى له هي التي تمتلك بيتا ووضعا اجتماعيا محترما. امرأة يوهمها كل من يحيط بها أن كل شيء حولها يبدو حقيقيا، لكن في حقيقة الأمر هناك مؤامرة تستهدفها وتريدها أن تغرق رويدا رويدا في اعماق الخوف والجزع واللا استقرار النفسي....
 
قوة الفيلم ليس في حكايته فقط وإنما في قدرة صاحبه على جعلنا نعيش واقعا مبهما غارقا في سوداوية قاتلة من خلال الديكورات المختارة/ المصنوعة بعناية فائقة، وتقاطع الضوء والظلمة بكثير من الحرفية لمدير تصوير وعى بشكل خلاق أن اللعبة الأساس في الشريط، تكمن في التفاصيل المتعلقة بلعبة النور والسواد، والعمل على خلق الهواجس لدى المتفرج وجعله يعيش عالما يذكرنا، بل يحيلنا - إلى حد بعيد - على عوالم السينما التعبيرية الألمانية.
 
كما أن مكمن القوة الأكبر - في اعتقادي- يتجلى في القدرة الرهيبة التي امتلكها المخرج لحظة إدارة ممثليه- لا غرابة في ذلك فهو ممثل اصلا - حيث ابدع كل المشاركين في هذا العمل في تقديم شخصياتهم بشكل خلاق، خاصة منهم الرباعي:
 
منى الرميقي التي تفوقت في أداء شخصية رانيا المهووسة، والفنانة الجميلة فاطمة بناصر أو سيدة التشخيص السلس، والفنان القدوة عبد الرحيم المنيار الذي وجد في هذا الشريط بعضا من المساحة التي يستحق للتعبير عن مكنوناته كممثل، وأخيرا عدنان موحجة، أو الممثل الذي كنت دائما انتظر منه أن يقدم لنا دورا يعكس بعضا من قدراته ومواهبه في السينما لأن التلفزيون التهمه وجعله يبدو نمطيا، لكن دوره في هذا الفيلم أكد على انه يمتلك إمكانيات محترمة لو عرف كيف يستثمرها في أعمال سينمائية حقيقية سيكون له، ولاشك، وضع فني آخر جد مختلف.
 
مبروك للسينما المغربية بفيلم يستحق أن يشاهد والأكثر من ذلك يستحق النقاش والكتابة عنه من مواقع مختلفة....