الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

حسن مخافي: سياسة الأهواء والاغتناء بالسياسة

حسن مخافي: سياسة الأهواء والاغتناء بالسياسة حسن مخافي
لم تخل أية ولاية انتخابية منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، عندما دشن المغرب ما أصبح يحمل اسم "التجربة الديمقراطية" إلى الآن، من اللجوء إلى إجراءات تأديبية في حق بعض الساسة المنتخبين.
 
لقد كانت الأسباب في أول الأمر تختلف من حالة إلى أخرى، فهناك من كان يرفض الانصياع لرغبات العامل أو الوالي أو القائد، وهم الذين كانت لهم الكلمة الفصل في كل القضايا التي لها علاقة بسكان نفوذهم الترابي. وهناك من كان يبدع أكثر من اللازم في البحث عن حلول لمشاكل المواطنين فيكبر شأنه وتتضخم صورته أكثر من اللازم، وهناك من كان يصر على ممارسة صلاحياته كاملة كما ينص عليها القانون، وفي هذا خروج على "القانون" غير المكتوب الذي يعلو على ما هو في الأوراق. ونادرا ما كنا تسمع عن رئيس جماعة أو نائب برلماني، أقيل من مهامه بسبب سوء التدبير المالي أو الإداري، أو بسبب الاغتناء غير المشروع على حساب مقدرات المنطقة التي يمثلها.
 
ومع الأيام بدأت أخبار مد الأيادي إلى المال العام والكسب غير المشروع واستغلال النفوذ من طرف بعض "المنتخبين" تطفو على السطح. هذا لا يعني أنها لم تكن موجودة من قبل، بل كان يغض النظر عن وجودها ما دامت تمس جيوب المواطنين وما دام مرتكبها يحسن الإنصات لأهل الحل والعقد.
 
وشيئا فشيئا بدأت تلك الممارسات تسترعي الانتباه بفعل التطور الهائل الذي حصل في وسائل الاتصال. وتبين أن المشكل أكبر من نزوة عابرة تصيب بعض المسؤولين السياسيين. إنها من الشيوع بمكان، إلى الحد الذي أصبح معه الاغتناء بالمسؤوليات ذات الطابع السياسي، ظاهرة شائعة، يتتبع المواطن أخبارها بصفة يومية في الصحف والمواقع الإخبارية وعبر راديو المدينة الذي يفلت من كل أنواع الرقابة.
 
وقد وصل الأمر في الأيام الأخيرة إلى إقالة عدد من المنتخبين ومتابعتهم بتهمة الفساد الإداري والمالي أو بتهمة استغلال النفوذ، أو نتيجة "أخطاء" إدارية وتجاوزات قانونية.
 
وعندما ننطر إلى العدد الذي طالته مسطرة المتابعة من السياسيين منذ أخر انتخابات إلى اليوم، فإننا نجدهم بالعشرات. مما يدل على أن المشكل يتعدى كون القضية مرتبطة بحالات فردية معزولة إلى اعتبارها ظاهرة تستحق البحث عن دواعيها ومسبباتها.
ما الذي يجعل شخصا ما يمد يده إلى المال العام، أو يستغل موقعه من أجل الكسب غير المشروع، وهو الذي اجتهد في إقناع الناس من الذين صوتوا لصالحه أنه مجرد متطوع من أجل خدمتهم؟.
 
الواقع أننا نتكلم عن ظاهرة يصعب حصرها في أسباب بعينها، لأنها تبدو وقد أخذت طابعا بنيويا بوصفها وجها من أوجه الفساد المستشري في عديد من المجالات. ومع ذلك يمكن سرد ثلاثة أسباب رئيسة على سبيل الاختصار، مع التأكيد على خصوصية كل حالة على حدة:
 
يتمثل السبب الأول في أن ما يسمى "التجربة الديمقراطية" بالمغرب، رسخت فكرة لدى بعض "السياسيين"، مفادها أن الانخراط في السياسة، وخوض غمارها من باب الانتخابات أصبح عند البعض مقرونا بقفزة طبقية، يمكن أن تنقل المرء من حضيض المجتمع إلى مصاف عليات القوم.
 
هذه الفكرة التي أبانت عن صحتها في بعض الحالات، حولت العمل السياسي عند كثير ممن يتحملون مسؤولية تدبير الشأن العام، إلى مجرد استثمار يعود على صاحبه بالربح الوفير. وهذا ما يجرد الممارسة السياسية من مضمونها الأخلاقي والاجتماعي، ويجعل المسؤول السياسي في نظر المواطن العادي مجرد بائع خدمات، يأخذ عنها مقابلا مستحقا أو غير مستحق.
 
ويتجلى السبب الثاني في ضعف الشعور بالمسؤولية تجاه المواطنين الذين رأوا في ذلك الشخص المنتخب مؤهلا كي يكون مؤتمنا على المصلحة العامة، ولهذا السبب عوامل كثيرة أهمها تدني المستوى التعليمي لمدبري الشأن العام، في البادية وأطراف المدن المغربية خاصة.
 
لا يعقل أن تدبر شؤون جماعة ما من طرف شخص حاصل بالكاد على الشهادة الابتدائية التي لا تسمح له حتى بالقراءة السليمة للأوراق الإدارية التي توضع أمامه.
 
أما السبب الثالث فيكمن في انعدام التأطير السياسي لهؤلاء المسؤولين. وهي مهمة من المفروض أنها موكولة إلى الأحزاب السياسية التي يبدو أنها استقالت من هذا الدور، وأصبح عملها ينحصر في منح التزكيات لمن يمتلك حظوظا في دائرته، بغض النظر عن أن ذلك الشخص يتوفر على حد أدنى من الشروط كي ينجز عمله بشكل سليم أم لا.
 
لا شك في أن هذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة إلى أسباب أخرى أقل أهمية، تبرز الطابع البنيوي للمشكل. وهو ما يقتضي البحث عن حله بشكل شمولي لا يقف عند السطح الظاهر منه، ولا عند الإجراءات الزجرية التي وإن كانت ضرورية فإنها لا تمثل حلا ناجعا. وإلى ذلكم الحين سيستمر مسلسل الجريمة والعقاب.