الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

الرميد يقطر الشمع على الوزير وهبي بخصوص قرار ترحيل المحاكم من البيضاء إلى زناتة

الرميد يقطر الشمع على الوزير وهبي بخصوص قرار ترحيل المحاكم من البيضاء إلى زناتة المصطفى الرميد وزير العدل الأسبق يتوسط عبد النباوي (يمينا) وعبد اللطيف وهبي (يسارا)
تحفظ المصطفى الرميد، وزير العدل الأسبق، بشأن مايتم تداوله حول تجميع محاكم الدار البيضاء  بقصر العدالة بمنطقة زناتة، متسائلا عن مصير جميع البنايات القضائية الستة الحالية، فيما يلي وجهة نظر الوزير الأسبق حول هذا الموضوع:
 
تجري وزارة العدل مشاورات مع بعض المهنيين، خاصة هيئة المحامين بالدار البيضاء، بشأن بناء قصر العدالة بمنطقة ازناتة، بديلا عن بنايات المحاكم الحالية بالدائرة القضائية للدار البيضاء، من أجله، أرى من واجبي باعتباري مسؤولا سابقا  عن الوزارة المذكورة، خبرت الموضوع من جميع جوانبه، وباعتباري حاليا محاميا بالهيئة المعنية، أن أدلي بالملاحظات التالية:

أولا: مبدئيا، إن بناء قصر جامع لكافة محاكم البيضاء، يفترض أن يكون قرارا صائبا ومفيدا، لعدة اعتبارات لاتخفى على أحد، لولا أن الدار البيضاء بها حاليا بنايات لائقة، بل إن بعضها جد جيدة، موقعا وسعة وجمالية، تستجيب لحاجات العدالة، ماعدا المحكمة الزجرية التي تعطلت أشغال توسعتها للأسف الشديد لأسباب غير معروفة منذ سنوات، ولا شك أنها بمجرد اكتمال بنائها، ستصبح جميع البنايات الستة، قصور عدالة مشرفة، لذلك  يثور التساؤل حول مصير هذه القصور الضخمة والمكلفة، هل ستكون لها وظائف جديدة؟ ماهي؟ أم سيكون مصيرها الهدم لتشيد على أنقاضها مشاريع أخرى لفائدة صندوق الإيداع والتدبير حسب ما هو  مقرر، فهل يجوز ذلك؟ ألا يعتبر ذلك تبديدا لأموال عمومية لايجوز بأي حال إقراره فضلا عن مباركته؟.

ثانيا: أن الانتقال الرقمي الذي يعرفه العالم، والذي انخرطت فيه بلادنا، وإن بشكل مضطرب ومتفاوت، لكنه واجب وحتمي، لايجوز التردد في تفعيله، وبلوغ مقاصده، سيجعل إن تحقق من قرب المحاكم أو بعدها، مجموعة أو متفرقة، سيجعل ذلك كله، موضوعا ثانويا بالنسبة للمحامي، ذلك أن هذا الأخير لن يكون في حاجة إلى التنقل إلى المحكمة الا لحضور القضايا الزجرية، وجلسات الأبحاث، أما عدا ذلك، فإن الرقمنة تقتضي تسجيل القضايا والأداء عنها، وتبادل المذكرات، ومراقبة الاجراءات، كل ذلك وغيره  سيكون إنجازه عن بعد، بطريقة إلكترونية.
وهكذا، فإن المهم، حسب رأيي، بالنسبة  للمحامين بالبيضاء، هو:

1) تسريع  استكمال الإصلاحات الجارية حاليا بالمحاكم، خاصة المحكمة الزجرية. 
2) تسريع الرقمنة، ليصبح  المحامي قادرا على التعامل مع المحاكم عن بعد، ولا يحتاج إلى التنقل إليها الا استثناء كما ذكر أعلاه.
جدير بالذكر أن ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي صادق عليه جلالة الملك، نص على وجوب تحديث الخدمات القضائية بإرساء مقومات المحكمة الرقمية، وكان المأمول إتمام ذلك قبل نهاية السنة الجارية 2022، لكن الملاحظ أن هناك تراخيا واضحا في هذا الصدد، إن لم نقل تباطؤا غير مقبول، في الوقت الذي تعرف قطاعات أخرى تطورا ملحوظا على هذا الصعيد.

لذلك فإنه عوض صرف المال العام على موضوع تبدو أهميته غير راجحة، وغير مؤكدة، يتعين صرفه على البنيات التحتية الإلكترونية، وعلى تكوين كافة المتدخلين لتأهيلهم ليكونوا في مستوى تحدي المحكمة الرقمية، التي هي واجب في الظرف الحالي، وإنجازها هو الإنجاز الذي تهون أمامه كل الانجازات، والفشل فيها، لاقدر الله، هو الفشل في مواكبة استحقاق ضروري ومؤكد.

ثالتا: إن جمع المحاكم في بناية واحدة لو كان سيتم في عقار داخل البيضاء، خاصة وسطها، قريبا من عموم المواطنين، ومكاتب عموم المحامين والقضاة والموظفين، لكان ذلك مقبولا وإنجازا هاما، أما وإن مقرها المقترح هو مدينة ازناتة، فهل سيتم تقريب المحاكم أم إبعادها؟.

الغريب أن مذكرة وزارة العدل التي أسست للتشاور تشير إلى مشاريع سكنية للقضاة والموظفين، لكنها لاتقدم أي إشارة بالنسبة لمكاتب المحامين؟ فما العمل؟ هل ينقلونها جميعا إلى زناتة أم ماذا؟؟ مع العلم أن القضاة والموظفين مستقرين في الغالب قريبا من مقرات المحاكم الحالية، فهل سيمثل المقر المقترح حلا بالنسبة إليهم أم مشكلا إضافيا؟.
 
الغريب أيضا، أن المذكرة تثحدت عن الخط الجديد الذي من المقرر أن يربط بين وسط المدينة وزناتة، أي أن على  القاضي والمحامي والموظف، إضافة إلى المواطن أن ينتقل مرتين، مرة إلى وسط المدينة، ومرة أخرى من وسط المدينة إلى مقر المحكمة بزناتة، أما إذا أراد أن يستعمل سيارته، فعليه أن يقطع الطريق الدائري الذي  يعرف في أوقات الذروة ازدحاما لا نظير له، يجعل من العسير الوصول في الوقت، خاصة أن الحوادث فيه كثيرة، وما على من يهمه معرفة ذلك إلا أن يجرب السير فيه بين الثامنة والتاسعة صباحا، وكذلك مساء، وقت الذروة..

إننا لا نشكك في نية القائمين على الوزارة حينما يقترحون موقع ازناتة فضاء لقصر العدالة، لكن المؤكد أن مشروع مدينة زناتة، الذي يشرف عليه صندوق الإيداع والتدبير يعاني من مأزق التسويق، لذلك فإن  الاقتراح المذكور سيصب في النهاية، في مصلحة الصندوق المذكور، أكثر من خدمته لمرفق العدالة، ولو انه كان في مصلحة العدالة اولآ، ثم في مصلحة الصندوق المذكور ثانيا، لكان ذلك مفيدا بل أمرا مطلوبا. 

لذلك يمكن القول، إن المشروع المقترح، لن يقرب المحاكم  من عموم  المواطنين، وعموم   القضاة والمحامين والموظفين، بقدر ما سيجعلها جد بعيدة، والتنقل إليها جد شاق ومكلف. 
مرة أخرى، إن قرار بناء قصر واحد للعدالة بالبيضاء كان سيكون جيدا، لو لم تكن بالبيضاء حاليا بنايات للمحاكم على العموم جد لائقة، بل إنها ضخمة ومكلفة، ومن شأن هدمها لأي سبب كان أن يمثل تبذيرا للمال العام، وتبديدا مجرما، لايجوز لمسؤولي هذه المرحلة أو غيرها، الوقوع فيه مطلقا، خاصة أن إحدى البنايات تعرف توسعة كبيرة، والباقي عرف إما التوسعة أو الاصلاح بتكاليف هامة.

إن  بلادنا في حاجة إلى ترشيد امكانياتها، وصيانة أموالها من العبث والمزاجية، خاصة وأن هذه الإمكانيات والاموال تبقى محدودة  والحاجيات  متعددة وكثيرة.
وعوض ذلك، نرجو التوفيق لوزارة العدل في انجاز المحكمة الرقمية في أقرب الآجال،  لأنها الحل الأمثل لمعظم المشاكل الحالية، وهي الأمل المنشود، لمواكبة التطور الرقمي العالمي والوطني الذي مازالت المحاكم دونه بكثير.