الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي:جمود وركود يسود فرنسا قبل الانتخابات التشريعية

يوسف لهلالي:جمود وركود يسود فرنسا قبل الانتخابات التشريعية يوسف لهلالي
لا أحد يعرف كيف يصف أجواء الانتخابات التشريعية بفرنسا، هل نصفها بالجمود أو الركود، أو غياب الحملة الانتخابية أو كما تصفها الصحافة الفرنسية بالبطيئة، وذلك قبل ثلاثة أيام من الدور الأول الذي سيتم في 12 من شهر يونيو. مع تزايد الضغط الذي يمارسه جون لوك ميلونشون زعيم الائتلاف اليساري، والذي لم يتردد في تغريدة له باتهام البوليس الفرنسي بالقتل، وذلك بعد مقتل شابة وجرح السائق اللذان كان يمتطيان سيارة بباريس، إثر مراقبة روتينية للهوية. وهو ما مكن اليسار من طرح نقاش حول الموضوع وحول قوة نقابات الشرطة بفرنسا. لكن ما يهدد هذا الاقتراع هو إمكانية ارتفاع نسبة العزوف عن التصويت وسط الفرنسيين.
المعارضة تتهم الرئيس بافتعال هذا الجمود منذ إعادة انتخابه في 24 من أبريل الماضي، وخلال هذه الحملة التي التزم خلالها وزراء حكومته الصمت المطبق الذي أحاط بقضية الوزير دانييل عباد الذي تم اتهامه بالتحرش الجنسي وكذلك الجدل حول الفوضى الكبيرة وعنف الشرطة تجاه الجمهور البريطاني الذي رافق تنظيم فرنسا لنهاية الدوري الأوروبي للأبطال بباريس، والجدل الذي أثاره الموضوع داخليا ومع بريطانيا حول قدرة فرنسا على تنظيم الملتقيات الكبرى. في هذه الظروف، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اكفي بعدد محدود من الزيارات الميدانية وبمقابلة مع الصحافة المحلية، ليدعو الفرنسيين إلى اختيار "غالبية مستقرة وجدية". كما صرح مقربون منه بالقول إن تعايشا سياسيا مع جون لوك ميلانشون غير ممكن. كما أن وزير المالية برونو لومير قال إن نجاح ميلانشون يعني "شافيز غولوا " بمعنى أن سياسية شافيز الرئيس الراحل لفنزويلا تنتظر فرنسا. وذلك من أجل تخويف الفرنسيين من منحه الأغلبية كزعيم لليسار.
وحسب استطلاعات للرأي نشرت نتائجها في الفترة الأخيرة، تم تسجيل تراجع في التأييد لائتلاف "معا" بزعامة ماكرون. فأظهرت أنه سيتصدر فعلا نتائج الانتخابات التشريعية في 12 يونيو و19 منه، لكن دون أن يضمن الاحتفاظ بالغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية المقبلة. وهو ما يمكن أن يفرض على الأغلبية توسيع تحالفاتها وسط اليمين الفرنسي.
ويسعى ميلانشون لتحويل الانتخابات التشريعية إلى ما يشبه "دورة ثالثة" للانتخابات الرئاسية. وتنعت الصحافة الفرنسية هذا الهدف "بالحلم" وهو ما يحتج عليه أنصار الاتحاد الشعبي باعتباره ذلك هدفا وليس حلما كما تكتب الصحافة الفرنسية. ويجمع "الاتحاد الشعبي، البيئي، الاجتماعي الجديد" الاشتراكيين والشيوعيين والخضر وحزب فرنسا الأبية.
وحسب نفس الاستطلاعات من المتوقع أن يحصل تحالف حول ماكرين على 275 مقعدا إلى 310 مقاعد في مقابل 170 إلى 205 للائتلاف الجديد بقيادة ميلانشون أمام المعارضة اليمينية (الجمهوريون) وحزب مارين لوبن التجمع الوطني. وهو ما يجعل الأغلبية الرئاسية تشعر بالخوف من تصاعد قوة الائتلاف اليساري.
أما الكتلة الثالثة في هذه الانتخابات، فهي حول المرشحة الرئاسية اليمينية المتطرفة مارين لوبن التي تحاول حشد صفوفها لكنها تعبر عن الإحباط الذي يعيشه اليمين المتطرف، وتسلم بانتصار الأغلبية الرئاسية بهذه الانتخابات التشريعية، ولا تعبر عن إيه رغبة جدية في الفوز في هذه الحملة بل يعتبر أنصارها أن انتصار معسكر ماكرون أمر لا مفر منه.
في هذه الظروف الخاصة بفرنسا، تجد الحملة الانتخابية أساسا صعوبة في اكتساب الزخم. وتثير هذه الأجواء مخاوف من تسجيل نسبة امتناع عالية. وتخطت نسبة الامتناع عن التصويت 50 % في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2017، مما شكل مستوى قياسيا.
وعبر الفرنسيين في استطلاعات الرأي الأخيرة عن قلقهم حيال تباطؤ العجلة الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع الغذائية وموارد الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا. والتي غيرت من أجواء الانتخابات ومن انتظار الفرنسيين، وأصبحت القدرة الشرائية وغلاء الأسعار أحد أكبر انشغالات الفرنسيين.
وتحاول الحكومة الفرنسية التي شكلت قبل أسابيع قليلة كسب الوقت خصوصا أن عملها مقيد بالجدول الانتخابي. يضاف إلى ذلك أن الكثير من وزرائها، وبينهم رئيسة الحكومة إليزابيت بورن، مرشحون أيضا للانتخابات التشريعية.
والتقدم الذي يحققه "الاتحاد الشعبي، البيئي، الاجتماعي الجديد" المشكل من الاشتراكيين والشيوعيين والخضر وحزب فرنسا الأبية. والذي يتزعمه جون لوك ميلانشون، يثر القلق التحالف الحكومي، خاصة أن الاستطلاعات الأخيرة ترصد تقدم هذا الائتلاف، الذي يعتبر انتصاره أمر غير مستحيل، أو على الأقل تشكيل معارضة جد قوية ستجعل عهدة ايمانيول ماكرون مثل جحيم مستمر، لكن هذا التقدم لإتلاف اليسار ما زال مهددا هو الآخر، بارتفاع نسبة العزوف بين الفرنسيين على التوجه نحو صناديق الاقتراع.