السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

الدكتور عبد الكريم المنوزي.. "حكواتيّ" بمصحّة بدر.. أنا سمعتُ حكايتي ورويتُها لكم!!!

الدكتور عبد الكريم المنوزي.. "حكواتيّ" بمصحّة بدر.. أنا سمعتُ حكايتي ورويتُها لكم!!! الدّكتور عبد الكريم المنوزي
المكان.. مصحّة بدر بحي بورݣون ( الدار البيضاء). الدخول إلى أيّ مصحّة يرتفع معه أدرينالين القلق والتوجّس. لا يمكن أن تكون سعيداً في داخلك، بالرغم من تظاهرك بالابتسامة، تصطنعها لطرد مخاوفك. لكن حتماً هنا مصنع لبثّ الأمل، ومزرعة توجد في كل طوابق من طوابقها الخمسة "منابت" للحياة. الطّبيب بلباس مزارع يُسْقي ما هو أجمل في الإنسان "الحياة". يعرف كيف يحمي هذه "النّبتة"، ويجعل بذرتها تنمو وتخرج الثمار والفواكه. 
بعيداً عمّا يقال عن الطبيب في المخيال الشّعبي، وما يُنْعَت به من أوصاف "دموية"، وكيف يُقْرَنُ اسمه بـ"مصّاصي الدّماء"، ستفتح لك تجربة زيارة غرفة العمليات فرصة لتُعيد حساباتك، وتعرف قيمة الحياة التي تفقدها في لحظة شرب "المخدّر" وفقدان الوعي. تسأل نفسك وجسدك يتداعى، وتتساقط أطرافك، وتلوي عنقك كميت: هل سيكتب لي الله حياة جديدة؟ في ثوان، وأنتَ مجرّدٌ من الثّياب لا يستر عورتك سوى "قماطٍ" صحيٍّ يشبه قماط الأطفال، يَعْبُرُ أمام عينيك الذّابلتين شريط طويل من حياتك التّعيسة، وتشعر بأنّ رُوحَك بين هذا الرّجل "النّبيل" وملائكته، مَنْ يُدْعى "طبيباً"، وتقذفه بأبشع النعوت، وتتّهمه بأنّه "سارقٌ" لأموالك، وما تقاضاه من أجر عن هذه العملية الجراحية لا يستحقّه، وربّما ستحاسبُه عن كلّ فِلْسٍ ابتزّه منكَ!!
صدّقني لن تفكّر وعيناك تتثاقلان تحت تأثير المخدّر في أيّ تهديد ممّا قلته، حتّى إذا طلب منك الطبيب الجرّاح في تلك اللحظة كلّ ثروتك لن ترفض، في مقابل أن تستيقظ من موتكَ. تلك اللحظة تكون فارقة وتصبح روحك معلّقة بين "الحياة" و"الموت"، الطبيب بدوره لا يتذكّر حينها فاتورة العملية، وهو أمام "روح" لا تقدّر بأيّ ثمن. 
يضحك الدكتور محمد شهبي بسخرية وهو يقارن "المصحة" بـ"مطعم فاخر"، كلاهما يقدّمان خدمات يتوفّر فيها حدٌّ من الجودة، مع وجود فارق واسع: "المصحّة" تقدّم "وجبات" من الأمل في الحياة، تعتني بالصحة، تنقذك من الموت، تعيد إليك حواسّك، و"المطعم" يقدّم لك ما تملأ به بطنك فقط. وعند "الدّفع" تنظر نظرة خاطفة إلى فاتورة النّادل بالمطعم، وتدفع له الحساب مبتسماً وتطلب منه الاحتفاظ بـ"البقشيش"!! 
لكنّك أمام محاسب المصحّة تتحوّل إلى "محقّق"، ويصبح المحاسب "متّهماً" في جلسة محاكمة، وتطعن في أرقام الفاتورة، وربّما ترفض دفع المبلغ مطالباً بتخفيض إلى النّصف. 
في الطريق من غرفتك بالمصحة إلى غرفة العمليات التي تكون في الغالب في الطابق تحت الأرضي، جرّدوك من الثياب، ممدداً على نقّالة، لا تسمع سوى صرير عجلاتها. عيناك تلتصقان بالسّقف. كل شيء في جسدك يرتعش. العينان الغائرتان كأنهما تمشيان فوق السقف. يُفْتَحُ المصعد برهة ويسحبك الممرض إلى داخل غرفة العمليات، قاعة باردة، تسمع من بعيد همسات، وأصوات آلات قياس الضّغط والقلب.. قلبُك أنتَ يكاد ينفجر ويخرُج منكَ مكان رهيب لا يمكن أن يُدْخِل إلى قلبك سوى الرّعب. يقف قرب رأسك الدكتور عبد الكريم المنوزي، الأخصائي في أمراض الجهاز الهضمي والجراحة بالمنظار، أول مرة تلتقي به في هذا المكان، يعرف كل ركن فيه.. أنتَ الذي تبدو غريباً وفي حاجة إلى من يشحنكَ بالفرح. تولّى الدكتور المنوزي هذه المهمة، ربّتَ على كتفك، ومازحَكَ، ومازح الممرضات.. كان هذا كفيلاً لتبديد مخاوفك، ولتعرف أنّ هذا المكان الذي تراه وكراً للمخاوف هو ما يزرع الأمل وينعش الحياة. في هذا المكان تنتهي رسالة الطبيب الإنسانية. في هذه الحديقة ينبت الياسمين والأقحوان. 
قبل النّوم يتحوّل الطبيب إلى حكواتي، يقصّ عليك حكاية قبل الخلود إلى النّوم، حكاية ينتقل إليك خدرها اللذيذ، تغمض عينيك رويداً رويداً، صورة الطبيب تبدأ بالتلاشي، تصبح طيفاً، تسمع صوت الدكتور المنوزي من بعيد والحكاية في بدايتها. 
تغمض عينيك، وتفتحهما بغتة، اختفى الدكتور المنوزي، اختفت الممرضات، وأنتَ لا تدري كم لبثت؟ كم نمت؟ نصف ساعة؟ ساعة؟ 
مازلتَ يا صغيري تتلذّذ بخدر الحكاية.. لم تنته بعدُ. الأطبّاء الجرّاحون ما إن يبدأون الحكايات حتّى ننام. 
لكلّ طفل حصّة من حكاية بلا بداية ولا نهاية!!
أنا سمعتُ حكايتي ورويتُها لكم!!!!!!!