السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالص جلبي: حفر مدينة الجديدة تصل الى العالمية.. 

خالص جلبي: حفر مدينة الجديدة تصل الى العالمية..  خالص جلبي
إنها مدينة الجديدة على حافة الاطلنطي. في المغرب الدافيء الجميل. حسناء غناء سياحية بهيجة فيها مازاجان والمسقاة البرتغالية آية للسائحين وعبرة للمؤرخين. في جيدها عبق المحيط يأتيها رزقها من شواطيء لازوردية أصناف من (الحوت) لذة للآكلين.  
أنا شخصيا من حاضر في عشرات المدن فيها أكرر جملة لا أمل منها ولا أنافق: إن الله نظر في عليائه فاقتطع قطعة من الجنة وأهبطها الأرض وسماها المغرب. ومن عرف الخليج وكندا يعرف هذه النعمة بين درجتي حرارة 54 فوق الصفر و35 تحت الصفر. 
أنا شخصيا أحببت هذه البلدة لاعتدال مناخها وطيبة أهلها (الدكاليون) ووفرة فاكهتها التي لاتنقطع من توت فريز وجبال من الليمون (البرتقال) والماندرين والأجاص ومن كل فاكهة زوجان. 
فقط ما راعني فيها ولاحظه معي أهل المدينة الأفاضل كثرة الحفر في شوارعها وكثير منها هي للعطب والحوادث سببا خاصة منها الطرق الاستراتيجية.  
لو بعث خليل جبران خليل ورأى الشارع المسمى باسمه لبكى على نفسه. أما شارع فرنسا فليس له من فرنسا إلا الاسم. وبجنب مسجد خديجة في الحي الراقي يخيل للرائي أنها حفر من قنابل الحرب العالمية إلى درجة أن على السائق إما تجنبها أو أن يتلوى مثل ثعبان هربا من هذه الحفر الخطيرة. إما إن جاءت الأمطار فهي بحيرات من الطمي إن عبرته سيارة رشت الأوحال برسمة سريالية. 
تحدثت مع أخوة أفاضل من أهل الحي الراقي وهم أثرياء (لابأس عليهم) يسكنون في قصور ألف ليلة وليلة وإن كان في ظهرهم دوار الطاجين حيث الطرق (مكرفسة) والأزبال جبالا ولا يعرفون ماهو الماء النظيف (الراديج) على رواية البلومبر= السمكري(الغول). قال الأخوة تحدثنا مع المسؤولين حتى مللنا وشكينا حتى عيينا وما من أذن صاغية؟  
أنا أكتب يوميا وأعرف تماما أنه ليس مثل الثناء عسلا ولا مثل النقد حنظلا، وأن من يريد أن يكتب فليكتب كلاما لايوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا. ولكن المدينة الجميلة (الجديدة) تنتظر أن تأخذ اسمها جديدة وليس (قديمة). 
ليس عندي تفسير للظاهرة المرضية وأنا الطبيب. إنها ليست حفرة وحفرتان في حي دون آخر بل هي مئات الحفر إن لم تكن الآلاف مثل حفر مرض الجدري في وجه حسناء. واعترف أنني في زياراتي لعشرات المدن فرأيت البلديات تتنافس في سفلتة الشوارع (الجودرون) بما لاتلاحظ حفرا مخيفة كالتي أتجنبها في كل خروج ودخول لبيتي. زرت تطوان والعرائش وخريبجة والقنيطرة وتازة بل ورأيت مطارا في مدينة وجدة ماينافس مطار كازا إن لم يكن أفضل وهي أمور تسجل لبلديات تلك المدن. أما الطرق السريعة فهي بهجة للناظرين ومتعة وأمانا للسائقين فضلا عن ركوب البراق في قطار تعرج فيه بين مدن رائعات.  
هل هناك تفسير لكارثة حفر الجديدة؟ ليس ثمة تفسير اتفق عليه الناس؟ هل هي نقص الموارد؟ أم الأهمال؟ أم عدم الوعي الحضاري لتخطيط المدن مايسمى (Urbanisation)؟  
أنا رجل تنقلت بين كل القارات تقريبا وأتردد بين كندا والمغرب في أجمل بقعتين حباههما الله لإنسان يتمتع بشيخوخته وتقاعده. وحين أصل الجديدة أصاب بالحزن لمواجهة فظاعة حفرها؟ ليس هذا فقط بل في كل مرة أواجه بمزيد من اكتظاظ الطرق وكثافة السيارات وزحمة المدينة في طرق تزداد بؤسا فأقول وما الحال بعد نصف قرن في مواجهة انفجار سكاني ومساحات محصورة وطرق تزداد ضيقا ونكالا؟ إنها أجراس إنذار فانتبهوا يرحمكم الله وارحموا مدينتكم؟  
لفت نظري (رجل حضارة) قام بمبادرة فردية لإصلاح الكارثة. وهي أي (المبادرة الفردية) هي أحد ثلاث عناصر هيأت للنهضة الأوربية كما قرر ذلك عالم الاجتماع الإلماني (ماكس فيبر) في كتابه (الروح الرأسمالية والاخلاق البروتستانتية). قام هذا الرجل (المتحضر) بمبادرة فردية في حفرة هائلة من سقط فيها ترضرض وأي سيارة ولجتها انعطبت. قام رجل الحضارة المذكور بردم الحفرة بكلفة لم تتجاوز (120) درهم مغربي مايعادل 12 يورو. قلت في نفسي لو أمكن إحصاء الألف حفرة وحفرة وتم ردمها بهذه الطريقة البسيطة وبالمبادرات الفردية لأمكن إزالة هذه الدمامل من وجه المدينة الحسناء.  
قلت في نفسي هنا عقدة المشكلة ويمكن تطبيقها في كل مدن المغرب الجميلة. لو أن أهل الحي وهم أغنياء بادروا وبتبرعات بسيطة لأمكن ربما ردم ألف حفرة بمبلغ لايتجاوز عشرين ألف درهم مايعادل ألفي يورو؟ ولكن لماذا هذا السبات (coma)  في الوعي الجماعي؟  
السؤال لماذا لا (يبادر) أهل كل حي بتشكيل ما يعرف (بمنظمات المجتمع المدني) لإصلاح هذه الأمور المقدور عليها وبكلفة بسيطة؟ طبعا إن تساندت هذه المنظمات مع البلديات نهض كامل المجتمع فهو حوض الجميع، بل والقفز إلى اصلاحات أخرى كما رأيت أنا في دوار ولد الشايب الشاب المعاق ولا أحد يعلم عنه شيئا. لقد ارتسمت صورته وخرقه وغرفته القميئة في مخيلتي وقلت من المسؤول؟ 
قد يقول قائل سفلتة كل هذه الحفر تحتاج إلى ميزانية بحجم جبل؟ والجواب لنبدأ بالوسائل المقدور عليها وصولا إلى المشاريع الضخمة. في الحديث من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.  
مدينة الجديدة هي من أجمل المدن المغربية لايليق بحسناء الاطلنطي أن تكون دميمة في شوارعها تذكر بجدري القرود الذي يحفر الوجه بالتشوه والدمامل فلايبقى حسنا ولا جمالا مذكرا بسطح القمر؟ وهي المدينة التي تستقبل ربع سكان المغرب للسياحة فضلا عن سواح آخرين ينعمون ببردها المنعش في هجير الصيف. 
ليس هذا فقط ماينتظر بلديات الجديدة بل ثلاث مشاكل أخرى أولها الماء وما فيه من (كالكير). أنا شخصيا اتفقد (الروبينات) أي صنابير المياه لأرى أملاح الكلس قد سدت المنافذ فنحتاج للإصلاح دوما. تصوروا مايحدث للكلية عند ابن آدم. هو نفس المبدأ أي أنابيب تصفية البول وانا متيقن بإصابة الكثير بأمراض الكلى من وراء هذا الماء ناقص المعالجة. والأمرالثاني طريق بوشريط في مركز المدينة الذي يجب أن يحرم دخول السيارات إليه والاكتفاء بالمارة مثل كل مدن العالم. وأخيرا وفي حارتي أعمدة الكهرباء وكأنها المسلات الفرعونية ولكن بدون إنارة ولا تحتاج أكثر من دراهم معدودة لوضع (البولات = مصابيح النور).  
كل حبي لأهل الجديدة من عبدة ودكالة فأنا أحبهم وحريص عليهم وأتشرف أن أنال الجنسية الدكالية يوما.