الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

منتصر حمادة: 19 سنة على تفجيرات 16 ماي.. إمارة المؤمنين أجهضت أحلام الإسلاموية القتالية

منتصر حمادة: 19 سنة على تفجيرات 16 ماي.. إمارة المؤمنين أجهضت أحلام الإسلاموية القتالية منتصر حمادة
اعتبر منتصر حمادة، الباحث في الشأن الديني أن المغرب نجح في مقاربته لمحاربة المد الإرهابي في المغرب أمنيا، إلا أن الأمر لازال ضعيفا بخصوص المؤسسات الأخرى بالرغم من الإمكانيات التي وفرتها الدولة....
 
بعد 19 سنة من التفجيرات الإرهابية لـ16 ماي 2003. هل نجح المغرب في تجفيف منابع الإرهاب والتشدد؟
الأرقام، ومعالمها أيضا تفيد بأن المغرب متقدم بشكل كبير في التصدي لظاهرة الإرهاب، لكن مواجهتها أعقد مما نتخيل، باعتبار أنها ظاهرة مجتمعية مركبة، تتداخل فيها عدة محددات، دينية (من التدين بالتحديد)، اقتصادية، نفسية، اجتماعية، أمنية، سياسية، محلية وإقليمية ودولية، دون الحديث عن المحدد النظري في التصدي لمنابعها، وعلى حد علمي المتواضع، لا نجد أي أعمال بحثية محلية، أو إقليمية اشتغلت على الظاهرة مع استحضار مجمل هذه المحددات، من فرط تعقيداتها، ولو إنه في الحالة المغربية، لدينا في التقعيد النظري مثلا، لدى المؤسسات الدينية، والفكرية، والثقافية إجمالا، ورغم الإمكانات التي وفرتها الدولة لمجمل هذه المؤسسات، ورغم التمويل المحلي والأجنبي، لا زال أداء أغلب هذا المؤسسات متواضعا، أو دون المستوى المرجو، مما يطرح علامات استفهام حقيقية؛ بخلاف أداء المؤسسات الأمنية مثلا، والمنخرطة باحترافية في تدبير مسؤوليتها، وبشهادة مراقبين من الخارج، فالأحرى شهادات الداخل.

ما هي أسباب استهداف التنظيمات الإرهابية للمغرب؟
من الصعب حصر مجمل هذه الأسباب، وإن مجرد تميز المغرب بوجود مؤسسة إمارة المؤمنين، باعتبارها حالة فريدة من التدبير الديني المؤسساتي، يمكن أن يكون ضمن الأسباب التي تجعل هذه التنظيمات في حالة سعار ذهني، لأن مؤسسة إمارة المؤمنين تقوض أحلام، وأهداف الإسلاموية بشكل عام، ومنها الإسلاموية القتالية.
عودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، يوجد أيضا من بين الأسباب، وهذه جزئية تتطلب التنبيه إلى الازدواجية التي تمارسها الإسلاموية في المغرب والمنطقة بشكل عام مع هذا الملف، وهذه ازدواجية صادرة عن الإسلاميين المعنيين بالعمل السياسي، فالأحرى ما يصدر عن الإسلاميين القتاليين.

استقطبت التنظيمات الإرهابية عددا كبيرا من المغاربة للقتال في صفوفها. ما الذي يجعل المغاربة صيدا ثمينا لتلك التنظيمات الإرهابية؟
هذا موضوع لا زال متواضع التناول البحثي، لأن المقاتلين الذين شدوا الرحال إلى العراق، وسوريا بعد أحداث "الربيع العربي"، وأصلهم من المغرب إلى جانب تونس والسعودية، كانوا في المقدمة، بما يتطلب استحضار القواسم، والفوارق التي تقف وراء مجمل الأسباب الشائكة التي تقف وراء هذا الاستقطاب، وثمة أعمال بحثية رصينة، لكنها نادرة اشتغلت على الموضوع، وخاصة في الساحة الأوروبية، مقابل تواصل الاشتغال البحثي محليا هنا في المغرب والمنطقة بشكل عام، كما سلف الذكر.
ومن بين الأسباب، الحالة النفسية، مؤشر الإدماج المجتمعي، تأثير الدعاية الإسلاموية، توظيف الظاهرة من قبل أنظمة شرق أوسطية، كما عاينا ذلك مباشرة بعد أحداث يناير 2011، أو مؤتمر القاهرة في يونيو 2013، الذي تضمن دعوات دينية إيديولوجية صريحة للذهاب إلى سوريا من أجل إسقاط النظام هناك، ضمن أسباب أخرى.

نجح المغرب في مقاربته الأمنية لمواجهة المخططات الإرهابية. هل واكب هذا النجاح إصلاحات حقيقية في المجال الديني؟
هذا سؤال مسكوت عنه في الساحة، وإذا استثنينا القراءات الصادرة عن بعض الأقلام المحسوبة على إيديولوجيات دينية (إخوانية، سلفية وهابية)، ومادية (يسارية أو "حداثية")، وهي قراءات مؤدلجة سلفا، وبعضها يندرج في سياق تصفية الحسابات مع الدولة، أي مع دائرة صناعة القرار، فإننا نعاين صمتا كبيرا بخصوص الخوض النظري النقدي في الموضوع، وقد تطرقنا إليه في مضامين الإصدار الأخير لتقرير الحالة الدينية الصادر عن مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، حيث استعرضنا مجموعة من النقاط النقدية التي تهم أداء أغلب المؤسسات الدينية، على اعتبار أنها مكلفة بتفعيل التوجيهات السامية لمؤسسة إمارة المؤمنين، وبالتالي فإن أي تقاعس، أو تواضع في تفعيل تلك التوجيهات، يقتضي إعادة النظر في أداء المؤسسة المعنية بخصوص هذا الملف أو غيره. ويمكن العودة للتقرير لمزيد التفصيل.
صحيح أنه تحققت مجموعة من المكتسبات، لكن في المقابل، هناك نقاط تتطلب وقفات نقدية، أقلها، على سبيل المثال لا الحصر، ما تضمنته "موسوعية تفكيك التطرف" الصادرة العام الماضي عن إحدى المؤسسات الدينية، ضمن ملفات أخرى.

هل نجحت تجربة "مصالحة" داخل السجون في تذويب الأفكار "الداعشية" لدى المعتقلين على ذمة قانون الإرهاب؟
التجربة ليست مثالية لكنها نموذجية، وبيان ذلك كالتالي: ليست مثالية لأنه لا أحد في المسؤولين عن تفعيلها زعم ذلك، خاصة أنها حديثة زمنيا (انطلقت منذ 2017)، وتعرف تقويما مستمرا بشكل سنوي، انطلاقا من تراكم التجربة، لكنها نموذجية في المنطقة، بل لا نجد مثيلا لها، وليس صدفة أنها تقف وراء توصل المغرب بطلبات من دول في المنطقة في سياق الاستفادة من التراكم الذي تحقق، وهذا مكسب مغربي، الكل معني بصيانته وتثمينه. وأعتقد أن العفو الملكي الأخير عن مجموعة من المعتقلين استفادوا من التجربة، يفيد أنه ثمة تزكية ملكية للمشروع، والمأمول أن تستمر التجربة بنفس الأفق التأهيلي الذي يصب في مصلحة الجميع.

جرى العفو على العشرات من المعتقلين على ذمة ملفات "الإرهاب" بعد مراجعة أفكارهم داخل السجون. ألا تحتاج هذه التجربة لمواكبة بعد معانقتهم الحرية؟
بلا أدنى شك، بل إن موضوع المواكبة، أصبح مطلبا عند بعض المفرج عنهم، وخاصة المواكبة الاجتماعية  والاقتصادية، في سياق التسريع من وتيرة إدماجهم  أو ما يشبه انصارهم في النسيج المجتمعي، وبالتالي مساعدتهم على تجاوز الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها تجربة الاعتقال.

فيما يخص المغاربة الذين التحقوا بداعش في فترة سابقة وعبروا عن ندمهم متوسلين السماح لهم بالعودة إلى عائلاتهم. هل آن الأوان لإرجاعهم؟
هناك تباين في سياق التعامل مع هذه الحالات، وهذا تباين نعاينه حتى في دول أخرى، بل وصل الأمر في بعض الدول الأوروبية إلى درجة عدم المعاملة النمطية مع جميع الحالات، والتعامل مع كل حالة حسب ظروفها الخاصة. ولكن بالنسبة للساحة المغربية، فقد نتجه إلى تكرار تجربة المصالحة مع المغاربة الذين التحقوا بالتنظيم إياه، وبالتحديد الذين عبروا عن ندمهم، في سياق البحث عن مخرج عملي للمعضلة، خاصة أن بعضهم لديهم عائلات هناك، هذا دون الحديث عن ملف النساء المغربيات وأطفالهن، وهو ملف معروض على التداول في المؤسسة التشريعية، في انتظار تسويته أو إيجاد مخارج له.