الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

لحسن العسبي: جيل "السروية" و"إمسيسيدن"

لحسن العسبي: جيل "السروية" و"إمسيسيدن" لحسن العسبي
بعودة الساعة الإضافية (كانت تسمى من قبل الساعة الصيفية أو التوقيت الصيفي)، عاد جدل عبر مواقع التواصل الإجتماعي مغربيا حول مدى فائدة توقيت المغرب "غرينيتش زائد واحد"، وأغلبه يذهب في اتجاه العلاقة مع "الفياق بكري". بل وصل الأمر حتى إلى قبة البرلمان، في ما أعتبره طرحا مبالغا فيه.
بداية أعترف أنني من أنصار الساعة الإضافية، لأنني من الديناصورات (بحكم دخولي زمن الكهولة وبداية الشيخوخة) التي تربت على "الفياق بكري". فأنا من جيل "السروية" بالتعبير الدارج المغربي العام، ومن جيل "إمسيسيدن" بالتعبير الأمازيغي السوسي. وإذ أذكر، فإنني أذكر أننا في طفولتنا في نهاية الستينات وطيلة السبعينات من القرن الماضي، كنا جيلا تلاميذيا يستيقظ باكرا ويخرج لطلب أسباب الحياة والتعليم في الصباحات الباكرة جدا، والظلام لا يزال سادرا (خاصة في ليالي الشتاء الطويلة). وكنا جديا سعداء بذلك التغير في الزمن، لأننا كنا نتقمص دور رجولة متوهمة أو على الأصح مرتجاة.
لهذا السبب أستغرب اليوم كثيرا من هذا النزوع الذي يحاول بعضنا أخدنا إليه، للتخويف من "الفياق بكري" ومن إسقاطات الظلام على النفسية العامة للأجيال الجديدة (أحيل مثلا على طرح لبرلمانية محترمة استغربت جديا طرحها هذه الأيام). والحال أن عدم النوم الباكر هو المشكل الحقيقي عند أجيال اليوم، فهي أجيال لا تنام باكرا لهذا السبب التربوي والسلوكي والتكنولوجي أو ذاك. وأنها بالتالي لا تأخد كفايتها من النوم، وكلما قل النوم علميا وطبيا قلت نسبة الأوكسيجين في الدماغ، وكلما قل ذلك الأوكسيجين في الدماغ يتأثر مستوى الإنتباه والتحصيل الدراسي لتلك الأجيال الجديدة.
الأمر في العمق مرتبط بالثقافة السلوكية الجديدة للفرد بالمغرب، وأن سؤال الساعة الإضافية ليس سؤالا بسيطا كما يعتقد، لأنه يفضح توجها للأسف يحاول ترسيخ "نزوع للكسل" عبر اتهام إضافة ساعة في التقويم الزمني للمغرب. وأخشى أن النقاش مغلوط في أصله ويعكس أزمة قيمية نغرق فيها مغربيا هي أزمة "استقالة العائلة" و"استقالة المدرسة" و"استقالة الإعلام" تربويا في بلادنا. فالمسؤولية تقتضي بعض الصرامة والتقويم المنتج أحيانا وليس الترضية.
قد يقول قائل (مثلما ظلت تطرح الحكومات المتعاقبة) أن للأمر فوائد اقتصادية، لكنني أعتقد أن الأمر أهم من ذلك، على الأهمية القصوى للنجاح الإقتصادي منطقيا، وأنه في العمق مرتبط بالتربية السلوكية العمومية مغربيا للإعلاء من قيمة العمل وما هو نوع الفرد والإنسان الذي نريده ببلادنا. فكل الشعوب الناجحة هي التي تعلي من قيمة العمل (اليابان، كوريا، الصين، الدول الإسكندنافية، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، وغيرها كثير). أما شعوب الإستهلاك فهي شئ آخر (الإكثار من السهر، الإكثار من العطل، مثلما يسجل في بعض التجارب الخليجية كنموذج). بل إنه بالعودة إلى تجربة طلبتنا المغاربة بالخارج، بمختلف بلاد المعمور سواء في أروبا أو أمريكا، سنكتشف أن ذات أبناءنا الذين كنا نخاف عليهم من "الفياق بكري" هنا، صاروا آخرين هناك حين أصبحوا منضبطين ضمن منظومة قيم سلوكية أخرى تقوم على "الفياق بكري" وعلى الخروج في "السروية" و"إمسيسيدن" لطلب العلم أو العمل.
إن جيل "السروية" و"إمسيسيدن" في الخمسينات والستينات والسبعينات هو الذي على أكتافه قامت مشاريع كبرى مغربيا (تدبيريا وتنمويا)، وأخشى أننا اليوم ننتج جيلا "كسولا" حتى لا أقول "مخنتا" مما ينخر روح الإنتاج ببلادنا. الأمر ربما يحتاج "ثورة ثقافية سلوكية" بالمغرب، لأننا بشكل النقاش حول الساعة الإضافية إنما نقدم الدليل على أننا لسنا في الطريق السليم قيميا وسلوكيا. وأتمنى أن أكون مخطئا في خلاصاتي هذه.