السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

بوشعيب أمين: إلى الوزير بنموسى..التعليم ليس سلعة تجارية

بوشعيب أمين: إلى الوزير بنموسى..التعليم ليس سلعة تجارية بوشعيب أمين

تابعتُ عبر وسائل الإعلام المغربية، العرض الذي قدّمه شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بالبرلمان، يوم الثلاثاء المنصرم، حيث كشف فيه السيد الوزير، أن حوالي 330 ألف تلميذ وتلميذة يغادرون الفصول الدراسية كل سنة، وخاصة في العالم القرويّ. وبهذا الصدد حذّر الوزير أن الهدر المدرسي بات يشكّل تحدّيا مقلقا للمنظومة التعليمية، لِما له من انعكاسات سلبية على وضعية التلاميذ المنقطعين وكلفته الاجتماعية والاقتصادية على المغرب، لذلك - يقرّ السيد الوزير- أن المغرب يقبع في مراتبَ متأخرةٍ في مؤشر قياس جودة التعلُّمات، وعلى رأسها الهدر المدرسي، و هي معطيات تؤثر سلبا على مؤشرات التنمية، بالنظر للارتباط الوثيق بين واقع المنظومة التعليمية، وتَموقُع المغرب في مراتب التنمية البشرية.

إلى ذلك كشف السيد شكيب بنموسى عن الإجراءات المتخذة من طرف وزارته لمحاربة الهدر المدرسي، في مقدمتها تعميم التعليم الأوّلي باعتباره عاملا أساسيا في الحد من الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة، لكونه يرفع من جودة التعليم لدى الأطفال ويقلّص من حدة الصعوبات الدراسية عند التلاميذ فيما بعد. إلى غير ذلك من الإجراءات المزمع اتخاذها من طرف وزارته لإنقاذ المنظومة التعليمية.

الحقيقة أن السيد الوزير لم يأتِ بجديد، ولا حاجة للمغاربة بتحذيره، فمنظمة “اليونيسكو” التابعة للأمم المتحدة، قد سبقته، وحذرت في تقرير لرصد التعليم لعام 2016 من أن المغرب -في حال تبني نفس السياسات الحالية- لن يتمكن من تحقيق أهدافه الخاصة بشأن التعليم قبل 50 عامًا تقريبًا، أي أنها لن تتحقق قبل سنة 2065. ويبدو أن الدولة لا تزال تسير على نهج نفس السياسة التي اتبعتها منذ سنوات.

وعلى كل حال، فكل المغاربة باتوا يعرفون أن التعليم في المغرب يواجه عدة صعوبات وإكراهات، تحول دون الإصلاح التربوي الناجع. ويعرفون أيضا، أن توالي البرامج الإصلاحية للتعليم في المغرب لم تأت بأية إضافة نوعية، منذ الإصلاح الأول للمنهج التعليمي سنة 1957، ومرورا بإصلاح المرافق للمخطط الخماسي ما بين 1960 و1964، ثم مرحلة التناظر من خلال مناظرة المعمورة سنة 1964، فالمنهج التعليمي الجديد الذي جاء به وزير التعليم آنذاك محمد بنهيمة سنة 1966، إلى الإصلاح الرسمي الذي انطلق سنة 1985، ثم الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي بدأ سنة 2000. بالإضافة إلى البرنامج الاستعجالي لسنوات 2009-2012، الذي تدارك بعض نقائص برامج الإصلاح السابقة، وصولًا للرؤية الاستراتيجية 2015-2030، التي اتُّخِذ لها شعار "من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء".

فعلى الرّغم من كل هذه المحطات الإصلاحية التي عرفتها المنظومة التعليمية منذ الاستقلال، فإنها لم تأت بأية إضافة نوعية تذكر، بل زادت الطين بلّة، وها هو الوزير بنفسه يعترف بذلك أمام الملأ. والسؤال الآن هو: هل ستكون هذه المحطة هي الأخيرة في مسلسل الإصلاح لإخراج التعليم من النفق المسدود؟ وهل سيكون الوزير المكلّف هو الرجل المناسب للقيام بهذه المهمّة بنجاح ؟

أشكّ في ذلك، وأنا لستُ هنا متشائما، ولكن حين أتأمّلْ في هذه المسيرة من الإصلاحات (أكثر من نصف قرن وخمسة إصلاحات) أجدُ أن القاسم المشترك بينها هو الفشل الذريع في تحقيق الأهداف المعلنة رغم الموارد الضخمة المرصودة لتنمية النظام التعليمي. والطريف في الأمر أنه كلما جاءت إصلاحات جديدة لعنت أختها التي قبلها، ونعتتها بالفاشلة وبأنها غير قادرة على التفاعل مع تحديات العصر، وجعل المدرسة المغربية مؤهلة للاستجابة لمتطلبات المجتمع في مجال العلم والمعرفة والمهارات، وهكذا دواليك.

بعيدا عن هذا وذاك، أعتقد أن مشكل التعليم في المغرب مشكل سياسي بالأساس، ذلك أن المستعمر الفرنسي لم يخرج من المغرب إلا بعد أن كوّن نخبة مُفرنسة فكرا ولغة، ومكّن لها مقاليد الحكم والتحكّم في القرار السياسي. وعليه فمَكمنُ العطب لمختلف التجارب الإصلاحية التي عرفتها المنظومة التعليمية، يتجسد في كون تلك المحاولات لا تُعدّ بطريقة مدروسة، ولا تقوم بتشخيص حقيقي لأسباب فشل المحطات السابقة، للوصول إلى الإحاطة بالمشكل الحقيقي، وإنما بقيت كل المحاولات رهينة لعقلية المسؤولين الذين أنيطت لهم مهمة الإصلاح، هدفها الأساس إعادة إنتاج التبعية للاستعمار الفرنسي، على أساس أن المغرب لا يزال مستعمرة فرنسية. وعوض يؤسسوا التعليم على ركائز الهوية الأصيلة للأمة وقيم التفوق والإبداع للانعتاق والتحرر مكّنوا لثقافة المستعمر ولغته كي تغلغل وسط المجتمع المغربي، تحقيقا لمصالح المستعمر في الاستحواذ على ثروات وخيرات البلاد. هذا بالإضافة إلى إملاءات البنك الدولي التي جعلت المغرب مجبرا على الانخراط في إصلاح تعليمي وفق مقاس بيداغوجيا تمثل تبعية سيكولوجية وثقافية للغرب تمسّ بالنموذج المغربي وتجعله مرهونا بتجارب ومخططات فاشلة.

أظن أن السيد شكيب بنموسى لن يحيد عن مسار من سبقوه، في مراكمة الفشل، فهو حاصل على الجنسية الفرنسية وله سوابق في ميله إلى فرنسا، وفضيحة تسريبه للنموذج التنموي إلى السفيرة الفرنسية، حتى قبل أن يطّلع عليه الملك محمد السادس لا تزال شاهدة على ما نقول) لذلك فأنا لا أنتظر نتائج إيجابية من هذا الإصلاح الذي يقوده هذا الرجل. لكن الأغرب من هذا، هو لماذا يتمّ استدعاء نفس الوجوه التي أبانت عن فشلها؟ فحسب السيرة الذاتية للسيد شكيب بنموسى يتبيّن أنه لم يحقق أي نجاح يذكر في المناصب التي راكمها، بما فيها منصب وزير سابق في الداخلية، باستثناء منصبه سفيرا للمغرب في باريس، فقد حقق فيه نجاحا باهرا .. لصالح فرنسا بطبيعة الحال.

فلاش: لم يتقبّل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، خاصة الشغيلة التعليمية، استقبال وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، لمن أسماهم "المؤثرين" على الشبكات الاجتماعية، لمناقشة قضايا تخصّ التعليم العمومي، وهو ما أثار جدلا واسعا بينهم، واعتبروا أن الوزير قد جانب الصواب حين ترك الفاعلين بقطاع التربية والتعليم، وفعاليات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، واختار "المؤثرين" رغم بُعدهم عن الميدان ليستمع لهم ويقدمون له مقترحاتهم لإصلاح المدرسة العمومية".

أنا لا أستغرب ذلك، فالسيد وزير التربية الوطنية -وهو العضو في مكتب المغرب-ينظر إلى التعليم باعتباره سلعة تجارية، وجب تسويقها، لذلك لجأ إلى هؤلاء "المؤثرين" ليستعين بهم لتسويق البرنامج الذي أعدّته وزارته.

فأي نكبة ابتُليَت بها المنظومة التعليمية في بلادنا أكبر من هذه؟! لطفك يا رب.