الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

المصطفى رياني: العالم في متاهة الرأسمالية

المصطفى رياني: العالم في متاهة الرأسمالية المصطفى رياني
يعرف العالم أزمة مركبة ومنعطفا خطيرا نتيجة للأزمة الوبائية والحرب الروسية -الأوكرانية، انعكست آثارها على الدول والمجتمعات، أدت إلى موجة من الغلاء على الصعيد العالمي. ومن شأن هذا الواقع أن يؤدي إلى مزيد من الفقر والحد من النمو وتهديد الأمن ألغذائي للدول النامية.
ويعتبر المغرب من بين الدول التي واجهت انعكاسات كورونا بإرادة وحزم، واستطاع تجنب السيناريو الأسوأ وحماية مواطنيه من فيروس كورونا المدمر. لكنه يجد نفسه اليوم، أمام تحدي آخر هو الجفاف وقلة التساقطات وتقلبات السوق العالمية بفعل الحرب الروسية - الأوكرانية. زادت في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للمواطن الذي يعاني أصلا من الهشاشة والفقر. هذا في ظل حكومة تعبر عن التوجه الليبرالي للباطرونا. تمثل عالم الاقتصاد والأعمال والمقاولات والشركات. لكن لم تستطع مكونات هذه الحكومة معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي سبق لها أن أعطت سقفا عاليا من الوعود في برامجها الانتخابية. الشيئ الذي جعلها تحت المجهر النقدي والمحك والمساءلة من طرف المواطن والمجتمع.
في هذا السياق، أصبح البرلمان مطالبا بمساءلة الحكومة عن موجة الغلاء التي يعيشها المغرب. وانعكاس ذلك على مختلف الفئات الاجتماعية، لمعرفة الإجراءات المتخذة قصد تخفيف من حدة هذا الغلاء. فهل قامت المؤسسة التشريعية بدورها بمراقبة عمل الحكومة ومساءلة أدائها التنفيذي؟ وهل البرلمان يتمتع بالقوة التشريعية والرقابية للدفاع على مصلحة المواطن وتطلعاته؟ لقد أصبح المواطن يعاني من تكلفة العيش الباهظة في ظروف وطنية ودولية جد صعبة تتطلب من المؤسستين التشريعية والتنفيذية القيام بدورهما الدستوري، للحد من تدهور القدرة الشرائية للمستهلك، أمام الغلاء الصاروخي لجميع المواد الاستهلاكية.
إن الدولة مطالبة اليوم بحماية المواطن من موجة الغلاء التي يشهدها العالم والتدخل للحفاظ على قدرته الشرائية. وعدم تركه فريسة لقانون السوق وتحرير ثمن المحروقات والمواد الاستهلاكية، حفاظا على التوازن والحد من التوتر الاجتماعي. إن الحكومة تختار الحلول السهلة بجعل المواطن وحده يؤدي من جيبه غلاء أسعار المحروقات في السوق العالمي، وما يتبع ذلك من زيادات في جميع المواد. بينما المطلوب هو تسقيف الأسعار وتحمل الأغنياء لمسؤولياتهم التاريخية أمام الدولة والمجتمع في تحمل تبعات هذه الظرفية. نظرا لما راكموه من ثروات على مدى عقود، مستفيدين من التسهيلات الاستثمارية والريع. كما أن الدولة مطالبة بالتدخل لحماية الفئات الاجتماعية من تغول الرأسمال، لأن الحكومة الحالية تحتكر السلطة والمال والأعمال. وبالتالي تخدم مصلحة فئة قليلة من أصحاب المال والأعمال على حساب باقي الفئات الاجتماعية المتضررة.
لقد أصبح واضحا أن العالم اليوم في معركته ضد كورونا والحروب المشتعلة، يزداد تأزما في جميع المجالات. يفترض تضامن الدول والشعوب للدفاع عن حق الإنسان في الحياة على هذه الأرض، من أجل التعاون والصمود في وجه الانعكاسات المدمرة للأزمات، لجعل العيش المشترك ممكنا بين الأفراد والمجتمعات.
إن النظام النيوليبرالي يفتك ويفكك الدول والمجتمعات ويخلق التوترات الإقليمية وإشعال فتيل الحروب، لخلق دول فاشلة متحكم فيها مع مصادرة الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية واللغوية للمجتمعات. واعتماد آليات الضغط السياسية ولوبي الشركات الكبرى للتأثير في سياسات الدول النامية. كل ذلك بسبب غياب الإرادة الفعلية لحل الأزمات. ونهج سياسة فرق تسد أمام غياب المنظمات الدولية وعجز هيأة الأمم المتحدة و غياب التضامن الدولي. كما تعرضت البيئة إلى نكسة حقيقية بسبب التلوث وعدم التزام الدول الرأسمالية بالاتفاقيات الدولية لحمايتها وتجنب ارتفاع درجة حرارة الأرض والكوارث الطبيعية والجفاف في القارة الإفريقية.
إن الأزمة الأوكرانية هي عنوان لسياق دولي جديد قيد التشكل يتميز بالانتقال من الأحادية القطبية لأمريكا إلى التعددية القطبية والتكتلات الجهوية والقارية على أرضية المصالح الاقتصادية والسياسية للدول. هذا الواقع الدولي الجديد يحتم على الدول النامية التكتل والاندماج للدفاع عن مصالحها وحقها في التنمية والانعتاق من التبعية في إطار علاقات دولية متوازنة رابح - رابح سواء مع التنين الصيني والدب الروسي من جهة أو الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي من جهة أخرى. ,وذلك من أجل إنقاذ اقتصاداتها من الهشاشة والإفلاس وتحقيق الأمن الغذائي وبناء اقتصاداتها الوطنية والحد من الأزمات البنيوية التي يتخبط فيها النظام الرأسمالي العالمي .
لقد أصبح العالم مطالبا بمراجعة وضعه ووجوده الإنساني ومحاسبة النظام الرأسمالي باعتباره أدى إلى إفلاس المجتمع المعاصر بمختلف بنياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وذلك نظرا لطبيعة بنيته المأزومة التي تنتج البؤس والفقر والتخلف في عالم أصبح في منعطف خطير. يتطلب وضع حد للحروب المدمرة بالحوار والتعايش السلمي في عالم متعدد الأقطاب ومتوازن، لإنقاذ الشعوب من حرب نووية مدمرة ومن الغلاء والفقر والاحتباس الحراري. ويعطي الأمل للشعوب في إمكانية التنمية والعيش الكريم. وهذا يفترض بناء نظام دولي عادل ومتوازن بمنظومة قيم جديدة. تؤسس لبناء مجتمع إنساني عادل ومتضامن يضع ضمن أولوياته تنمية الإنسان وتقدمه لتخليصه من الاستغلال والفقر والهشاشة، مسلحا بالعلم والمعرفة، لمواجهة الأزمات وجميع الكوارث ومتشبعا بقيم التضامن الإنساني في مجتمع مغاير وعادل، يضمن شروط العيش الكريم للجميع.
 
المصطفى رياني، أستاذ باحث في الآداب والترجمة