الأربعاء 8 مايو 2024
كتاب الرأي

سعيد الشفاج: رمضان بين الفكر الطقوسي ومقاصد التعبد  

سعيد الشفاج: رمضان بين الفكر الطقوسي ومقاصد التعبد   سعيد الشفاج
من جديد أجدني أتأمل في الظاهرة الرمضانية سيما بالمغرب، ومضطرا كواحد من مئات الذين أخطأوا الطريق ويحاولون استدراك بعض القيم والأبعاد الروحية لهذا الشهر الفضيل الكتابة في الموضوع. فرض الله تعالى صيامه على المستطيع والقادر استجلاء للحكم الفكرية والاجتماعية والاقتصادية كذلك، وتطهيرا للنفس والجسد لما شابهما من نقص وضعف وترهل وأمراض والبحوث العلمية الحديثة أكدت ذلك. غير أن بنية العقل الديني في العالم العربي حولت المقصدية الروحية لرمضان إلى شهر طقوسي مرتبط بمجموعة من العادات أهمها المبالغة والإفراط في إظهار التدين السطحي، فأصبح الإحسان والصدقات مظهرا للتفاضل الإعلامي،  وكأن الشعوب العربية جائعة إلى هذا الحد، في حين أن تطوير البنى الاجتماعية وتحسين خدمات التعليم والصحة هو المقصد. لقد سخر الإعلام كل إمكانياته لتغيير نمط العلاقة الروحية بين الشهر والصائم، فركز على ضرورة الاهتمام بالمأكل والمشرب قبل وبعد الإفطار والانتباه لممارسة الرياضة قبل أو بعد، إلى غير ذلك من التضليل الممنهج. صحيح أن إبراز معالم الفرحة بقدوم الشهر تزيد من طمأنينة نفس المؤمن وتشرح صدره وتمنحه طاقة إيجابية تمتد نحو محيطه، فيستنبط الدروس المتوخاة من رمضان، لكن أفضل العبادات بين العبد وربه تسمو بالستر خاصة في بالبر والإحسان والرفق بين طبقات المجتمع، ناهيك أن نوافل هذا الشهر هي مناجاة بين الخالق والمخلوق والمناجاة بوح مكنون في الأصل. 
إن الأبعاد الدينية لشهر رمضان تم استغلالها بشكل مفرط من طرف تجار المواد الغذائية وشركات المنتوجات البطنية وتجار الدين كذلك الذين ينصبون أنفسهم وسطاء بين العبد وربه وتغيرت أشكال الاستهلاك عند المغاربة حتى استفحلت فيهم الأمراض واستعصى شفاؤها. الظاهرة الرمضانية هي تذكير ودروس بضرورة التأزر والتقشف والعمل والتأمل  الذاتي الجديد للنص القرآني،  وليست جوعا وعطشا، لأن الله تعالى رخص لمن شقه الصيام بالإفطار وفق ما جاء به النص القرآني، ورحمة الله أوسع من يحتاج جوعك أو عطشك، بل هو يختبرك ويذكرك بالمقاصد الفضلى للشهر. 
إن التفكير الطقوسي ليس سوى دورة اقتصادية تجني منها شركات معينة أرباحا خيالية وأجل دليل هو الشره الإعلامي في القنوات العربية على الدراما والكبسولات والسيتكومات والسباق المحموم حول الإشهار. ناهيك عن الأسواق التي تعج بالبضاعة الفاسدة والمنتهية صلاحيتها أو التي تعرضت لسوء التخزين، فيتم التخفيض من ثمنها وعرضها للبيع. لقد حولنا المحطات الدينية الكبرى إلى حلبات اقتتال مادي ومعنوي، فعيد الفطر مثلا يتحول إلى سوق ملابس كبير تتنافس فيه الأسر على شراء الملابس، وعيد الاضحى تحول فعليا إلى حلبة مصارعة وسرقة موصوفة، والدليل ما حدث في رحبة الحي الحسني، وكم من جرائم ارتكبت لشراء الأضحية، وكم من زوجين انفصلا بسبب خروف، وعاشوراء أصبحت مجرد فرقعات ليلية ونيران صديقة، وباقي التمظهرات الطقوسية المنافية للفطرة والدين.
لذا كي نصحح ارتباطنا بهذا الشهر الكريم والمحطات الدينية الأخرى، يجب أن ننهج الاعتدال الذي هو صميم الدرس الرمضاني، باستثناء التسابق الخيري السري قدر المستطاع، والذي خرج من الاعتدال إلى الإكثار والزيادة.