Sunday 6 July 2025
خارج الحدود

إدريس الفينة: حزب الله يسلم السلاح للدولة اللبنانية

إدريس الفينة: حزب الله يسلم السلاح للدولة اللبنانية التحوّل في موقف حزب الله لا يمكن فصله عن السياق الأوسع الذي تعيشه إيران نفسها
في مشهد يعكس تحوّلاً استثنائياً في معادلات القوة داخل لبنان، يتجه حزب الله، الحليف الأكثر قربًا لطهران، الى اتخاذ خطوة طالما اعتُبرت بعيدة المنال: تسليم سلاحه للدولة اللبنانية. لا يمكن التقليل من رمزية هذا التطور، ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل في حسابات الإقليم أيضاً. فهذه الخطوة، تمثل لحظة فارقة تُعيد ترتيب المشهد السياسي اللبناني وتفتح المجال أمام مرحلة جديدة عنوانها دولة المؤسسات لا دولة الميليشيات.

لبنان، البلد الصغير بحجمه الكبير بتاريخه وثقافته، لطالما حمل عبء التناقضات الإقليمية على أرضه. ومع استمرار الأزمة الاقتصادية والانقسام السياسي، بات من الصعب على اللبنانيين القبول ببقاء أي سلاح خارج شرعية الدولة، أو استمرار أي تدخل خارجي في معادلاتهم الداخلية. هناك رغبة واضحة في استعادة السيادة الوطنية كاملة، وطي صفحة الأجندات المتنازعة على حساب الاستقرار الوطني.

التحوّل في موقف حزب الله لا يمكن فصله عن السياق الأوسع الذي تعيشه إيران نفسها. فالتمويلات الضخمة التي وجهتها طهران للحزب على مدى عقود، والتي تُقدَّر بمليارات الدولارات من أموال الشعب الإيراني، باتت عبئًا استراتيجياً في ظل العقوبات المتزايدة، وتراجع الموارد، والتحديات الداخلية المتصاعدة. من هنا، يبدو أن قرار الحزب الذي فقد جل قيادته في المواجهة الأخيرة يعكس وعيًا متزايدًا لدى طهران بأن كلفة استمرار النفوذ المسلّح في لبنان امر قد انتهى.

لقد تجاوز دور حزب الله منذ سنوات كثيرة المهمة التي أنشئ من أجلها، وهي المقاومة في الجنوب اللبناني. فقد تورط في صراعات إقليمية، وتدخّل في شؤون داخلية لدول عربية، وانخرط في سياسات المحاور، ما أضر بصورته كحركة مقاومة وأدخل لبنان في حسابات لا طاقة له بها. كما أسهم في تعقيد القضية الفلسطينية، من خلال طرح بدائل وتوجهات شتّتت الصف الفلسطيني والصف العربي، وحرّفت البوصلة عن مساراتها الواقعية الممكنة.

لكن في ضوء المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة خلال السنتين الأخيرتين ، لا سيما الديناميات الجديدة ومسار التطبيع المشروط بخلق دولة فلسطينية، والحاجة الجماعية إلى إعادة بناء منظومات الأمن الإقليمي، فإن لبنان أمام فرصة تاريخية لإعادة تثبيت موقعه كدولة ذات سيادة مستقلّة، تحكمها المؤسسات والقانون لا منطق السلاح والمليشيات.

المنطقة تعيش اليوم لحظة مفصلية. فالتحوّلات التي كانت بالأمس ضرباً من الخيال أصبحت اليوم على حقيقة. حزب الله الذي كان يُنظر إليه كقوة لا تُقهر، أصبح اليوم أمام ضرورة مراجعة موقعه في المعادلة الوطنية اللبنانية.في اطار قراءة واقعية لما يتطلبه المستقبل. فالسلام، كما أظهرت التجربة والتاريخ، لا يُصنع بالصواريخ ولا يُصان بالتحشيد الطائفي، بل يُبنى على الحوار، والشرعية، والانتماء .