السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد فردوس: من يراهن على أن "حْسَوَّةْ" و "حْرِيرْةْ" رمضان ستكون حارة قطران؟

أحمد فردوس: من يراهن على أن "حْسَوَّةْ" و "حْرِيرْةْ" رمضان ستكون حارة قطران؟ أحمد فردوس

في تقديري الشخصي ستكون رائحة حريرة رمضان أكثر حموضة هذه السنة وأقل لذة ومذاق وجودة، وجيبي يخاطبني بأن مائدة الإفطار لن يرافقها هذه السنة "شْهَيْوَاتْ" الشهر الكريم إلا ما استطاع إليه الصائم سبيلا. لن يتسابق الناس نحو أجود و أفضل "التُّمُورِ" و "الشْرَيْحَةْ" و "لَبْرَيْوَاتْ" و "لَمْخَرْقَةْ" و "الشَّبَّاكِيَةْ"...، ولن تتمكن الأسماك أن تقدم نفسها طواعية كطبق شهي على مائدة الفطور.

حريرة رمضان هذه السنة لن تفوح رائحة بهاراتها وطماطمها ومكوناتها ذات الصلة بنكهة المطبخ المغربي الأصيل في أزقة دروبنا الضيقة، ولن تجد قطاني "اَلْعَدَسْ" و "اَلْحَمَّصْ" و "اَلْفُولْ" طريقها نحو طنجرة الضغط على نار "الغاز" الملتهبة أسعاره، وستغيب نكهة "السّْمَنْ اَلْحَارْ"، وتوابل العطار التي تنسم حريرة رمضان التي تعدها أنامل المرأة "اَلْحَادْﯕَةْ". بل لن يصلح "عَطَّارُنَا" ما أفسدته الحكومات المتوالية على تدبير الشأن العام.

بدورها شربة حساء "لَحْسَوَّةْ" سواء بشعير "اَلْبَلْبُولَةْ" أو "اَلذُّرَةْ" أو بحبوب القمح "هَرْبَرْ" ستعرف نكوصا وتراجعا على مستوى الإعداد والتقديم للصائمين في الشهر الفضيل، بسبب أننا لم نستطع تأمين غذائنا وتطوير زراعتنا، وتوفير احتياطي الحبوب، مما تسبب في ارتفاع أسعارها الحارقة. دون الحديث عن حليب "ضْرَعْ اَلْبَـﯕْرَاتْ اَلْغَارْزَاتْ" في زمن غلاء الأعلاف.

سيخسر الرهان كل من يراهنني على أن مائدة الإفطار في هذه السنة لن تكون في مستوى ثقافة مطبخنا المغربي، ولن تترجم كرم المغاربة وجودهم في العيش المشترك، ولن تجيب عن سؤال شهوات معدتنا الأمارة بالجوع والعطش بعد الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؟ لماذا ستخسرون الرهان؟

لأن غدا فاتح رمضان ستحتل رائحة "اَلْمَازُوطْ" فضاءات دروبنا وأزقتنا بدل رائحة أطباق شهر رمضان، وستتسلل نفس الرائحة إلى أرجاء مساجدنا قبل صلاة المغرب بدقائق حيث سيتبادل المصلون أسئلتهم في هذا الشأن، وستغرف موائد الإفطار وسط مستنقع "اَلْمَازُوطْ" في خضم الحديث في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حديث سيجترحه الصائمون من تجميد الأجور، و انهيار القدرة الشرائية وغلاء الأسعار وملفات تسقيف المحروقات واعدام صندوق المقاصة وقرارات أخرى ذات الصلة بالطبقة المتوسطة التي فتتها السابقون واللاحقون.

مذاق حريرة رمضان هذه السنة العجفاء سيكون "بَاسِلٌا" و مزعجا ومقلقا بفعل لهيب غلاء أسعار مكوناتها من بهارات وتوابل وقطاني ووو، وكؤوس أتاي حياتي ستفقد بريقها ولمعانها أمام انكسار خاطر "البراد" و "الصينية" في غياب قالب السكر وعلبة الشاي وتعويضهما بـ حبات "اَلسَّانِيدَةْ" الحامضة وحشائش شاي أخضر رخيص جدا.

لا تبدل أي مجهود لتشم رائحة "اَلْمَازُوطْ" داخل "زْلَافَةْ" الحريرة أو طبق الحساء، فأنفك ولسانك قادران على التمييز ومقارنة الذوق والمذاق الذي ألهب الأسواق بأيادي السوء التي تقتنص فرص الأزمات لتنهب جيوب البسطاء.

لقد أصبح "اَلْمَازُوطْ" بطل نجوم شهر رمضان هذه السنة بعد اعتلائه منصة التتويج، والدليل أن تلفزتنا (تقبل الله صيام أهلها)، ستغرقنا في مستقنع الضحك "اَلْحَامَضْ" مع توقيت الإفطار، ضحك بطعم رائحة المحروقات التي قهرت "رِيزِرْفْوَارَاتْ" سيارات الأجرة  والحافلات وشاحنات نقل المواد الاستهلاكية التي يزداد سعرها كلما ازداد نهم المحركات وهي تلتهم الكيلومترات.

اللهم تقبل صيامنا، وأبعد عنا شظايا حرب الروس وأوكرانيا، وافتح أعين جيراننا على فعل الخير، اللهم طهر أبداننا من رائحة "اَلْمَازُوطْ" المقززة واحمي حاسة الشم والذوق التي وهبتنا يا رحيم يا رحمن، اللهم امنحنا الصبر وتحمل ارتفاع اَلطَّانْسْيُونْ، وضغط الدم وانهيار الأعصاب، اللهم احفظنا من الغلاء وتبعاته، اللهم قنا شر كفر الفقر وكفر المرض ومنزلقاته، اللهم اجعل البركة في مطبخنا، والتيسير في جيوبنا، والسخاء في قفتنا ، اللهم افتح بصيرة حكامنا و اشفيهم من آفة الزيادة في مؤخرة المعلوف.