الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح / 3)

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح / 3) مصطفى حمزة مع جانب من مدرسة الأمراء وسجن الشماعية
في لقاء لجريدة "أنفاس بريس" مع الباحث مصطفى حمزة، المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي، بخصوص حلقات حول: "جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر"، أشار بالقول: " إننا عادة ما يكون عدم اهتمامنا ببعض الأحداث، والأمكنة وغيرها من تراثنا المادي واللامادي رغم أهميتها المادية والمعنوية، سببا في زوالها واندثارها، وبذلك نفقد جزءا مهما من ذاكرتنا".
وانطلاقا من هذه الملاحظة، شدد الباحث مصطفى حمزة قائلا: "يتضح أننا ضيعنا جزءا كبيرا من تراثنا المادي واللامادي". مضيفا بأن ما ضيعناه على سبيل المثال لا الحصر بإقليم اليوسفية بقبيلة أحمر من معالم ومواقع أثرية وتاريخية يتمثل في "معلمة القصبة الإسماعيلية، ومدرسة الأمراء العلويين، إلى جانب الحاضرة الفوسفاطية التي بدأت تخضع للتشويه، فضلا عن بنايات حي (الديور الجداد)، ومراكز قرية سيدي أحمد، والقرية الفوسفاطيةالمزيندة، والأحياء العمالية، وقصبات الكثير من القواد، دون الحديث عن معلمة معصرة السكر بمنطقة سيدي شيكر...".
وأكدرئيس جمعية أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية (مصطفى حمزة) إلى أن الإهمال جعلنا نضيع كذلك "العديد من الأهازيج والأغاني النسائية، والأحاجي، والألعاب الشعبية، والكثير من الكلمات التي كانت تشكل ثروة لغوية، كما ضيعنا العديد من أسماء الأعلام البشرية والجغرافية".
ورغبة منه في المساهمة في توثيق و الحفاظ على تراث المنطقة، قرر الباحث مصطفى حمزة الشروع في الكتابة عن بعض الأحداث والوقائع من تاريخنا الراهن، وأن تكون البداية بـ "سجن الشماعية" القديم والذي انقرضت معامله بمدينة الشماعية، لكونه استقبل شخصيات وطنية كان لها وزن كبير عند الحمريين والمغاربة، يذكر منهم: (الفقيه عبد السلام المستاري، أحد الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال، والوطني محمد بن الطبيب الآسفي، والحاج أحمد زغلول أحد أبرز الوطنيين ببلاد أحمر..)
مشاهد من معاناة سجناء سجن مدينة الشماعية.
وقد ترتب عن هذه الأشغال الشاقة، أن العديد من السجناء كانوا يتعرضون لإنهاك قواهم وانهيار أعصابهم، مما يضطر إدارة السجن إلى نقلهم إلى المستشفى، ففي دجنبر 1950م وصل إلى مستشفى أسفي أحد السجناء ، وهو فاقد الشعور لا يعي شيئا، بسبب الأعمال الشاقة التي كلف بها من طرف المراقبة المدنية المحلية .
وتظهر معاناة السجناء أكثر، عندما نتعرف على أسباب اعتقالهم وحيثيات الأحكام الصادرة في حقهم، فالسجين عباس بن مبارك، تعود أسباب اعتقاله والحكم عليه بثلاثة أشهر سجنا نافذا، إلى كونه كان يملك فرسا واضطرته ظروفه المادية إلى بيعه، ولما علم المراقب المدني بذلك، استدعاه وأمره بشراء فرس آخر يعوض به فرسه وأعطاه مهلة محدد، لكن عباس بن مبارك رفض شراء فرس بسبب ظروفه المادية.
ويوم مثوله أمام المراقب المدني أصر على موقفه، ولحرمانه من استئناف الحكم الذي سيصدر في حقه، أقحمته المراقبة المدنية في تعداد المجرمين وحكمت عليه بثلاثة أشهر، وهي عادة كانت تسير عليها كل المراقبات المدنية مستغلة فساد النظام العدلي بالمغرب آنذاك.
معاناة السجناء والحط من كرامتهم، لم تقف عند حدود السجن وعتمته، والمدة المحكوم بها عليهم، والأعمال الشاقة التي كانوا يكلفون بها، بل لازمتهم حتى لحظات إطلاق سراحهم والتحاقهم ببلدانهم، فقد كانوا يوم خروجهم من السجن، تسلمهم السلطة إلى أعوانها ليرافقوهم إلى بلدانهم مشيا على الأقدام، وهكذا كانوا يعبرون مجموعة من المحطات، وفي كل محطة يتسلمهم عون ممتطيا صهوة فرسه ليرافقهم إلى المحطة الموالية إلى أن يصلوا إلى بلدانهم راجلين.
هذه المشاهد المؤلمة، لا زالت عالقة بأذهان الكثير من الحمريين، يرددونها في اجتماعاتهم بأسف كبير، ومستحضرين أسماء الطغاة من الأعوان، وأسماء الوطنيين ضحايا السياسة الاستعمارية، ومن ضحايا هذه السياسة، الوطني السيد بن دحان الأسفي ، وكاد وطنيو أسفي الذين حوكموا بمدة شهر، بسبب مشاركتهم في إضراب 11 يناير 1952م، أن يذهبوا من الشماعية إلى أسفي راجلين، لو أنهم لم يحتجوا ويقضوا ثلاثة أيام إضافية بنفس السجن.
وتفيد مجموعة من الوثائق، أنه نتيجة لظروف سجن الشماعية والسياسة التي كانت متبعة به، فقد كان السجناء كلما كانت الظروف مواتية لهم للهروب، يفرون منه ويتجهون إلى المدن والبلدان البعيدة عن المنطقة، ونتيجة لذلك كانت السلطات المحلية تصدر مذكرات بحث في حقهم، ونقدم هنا بعض النماذج:
- السيد علي بن العربي، الذي فر من سجن الشماعية سنة 1944م، وتم توقيفه من طرف "بوليس" مراكش بتاريخ 13 يوليوز 1944م.

- محمد بن الجيلالي الحمري، الذي فر من سجن الشماعية، واستقر بباشوية السطات، وبعد علم مراقبة الشماعية بمكان تواجده، طالبت من المراقب المدني رئيس دائرة الشاوية الجنوبية بالسطات، توقيفه وتوجيهه إلى مقر المراقبة المدنية بالشماعية .