الاثنين 6 مايو 2024
كتاب الرأي

العمراني: صحافيو حرب أوكرانيا.. كورال غنائي يعزف أعضاؤه نفس المقطوعة بإيقاعات مختلفة

العمراني: صحافيو حرب أوكرانيا.. كورال غنائي يعزف أعضاؤه نفس المقطوعة بإيقاعات مختلفة عبد الرحمان العمراني
في مقال للكاتب والصحفي المعروف توماس فريدمان: تحليل أم تحذير أم تهديد؟
كما أشرت في مقالة صغيرة سابقة، عبثا تحاول هذه الأيام أن تعثر وأنت تتابع القنوات الغربية على موقف أو رؤية أو تحليل يختلف عما صار مهيمنا وغالبا وموحدا في دنيا الغرب الواسعة بخصوص بقاء الحرب في أوكرانيا.
لا فرق بين ما قد تسمعه في نقاشات تحتضنها مؤسسات أكاديمية وعلب تفكير think tank من نوع Chicago council of global affairs أو مؤسسة "شاتام هاوس" اللندنية أو ما قد يصرح به مسؤولون حكوميون أو برلمانيون في أقطار الناتو أو أخيرا ما يطرحه الصحفيون  الجالسون منهم في مكاتب مكيفة في مقرات "الفاينانشال تايمز" و"النيويورك تايمز" و"لوموند"، أو الواقفون بسترات الـpress والقبعات الواقية من الرصاص في أماكن الأحداث الجارية.
يبدو الأمر أشبه ما يكون بكورال غنائي  يعزف أعضاؤه نفس المقطوعة بإيقاعات وأصوات مختلفة.
الغريب أن الأسباب البنيوية  العميقة لهذه الحرب المأساوية ونتائجها على حياة الملايين من الأبرياء؛ لا يتم استحضارها في سياق التحليلات  والتقييمات، بل يتم التعتيم عليها بشكل متعمد، ونقصد بتلك الأسباب البنيوية لهذا النزاع الخطير ، رغبة الناتو في توسيع مجال نفوذه إلى حدود روسيا والتراجع عن التزامات سابقة كان الحلف قد قطعها على نفسه منذ سنة 2004 بعد السعي إلى توسيع مجال العضوية إلى البلدان المتاخمة لروسيا ومنها أوكرانيا.
شبيه بذلك ما كان يقال قبل اندلاع الحرب بأيام معدودة في العواصم الغربية من أن القادة الغربيين لا يعرفون بالضبط ما الذي يدور في ذهن القادة الروس، وفي ذهن بوتين تحديدا، مع أن  هذا الاخير كان قد نشر مقالا مطولا يطرح فيه وجهة النظر الروسية بخصوص هذا الموضوع ويقدم  معطيات تاريخية تعود إلى القرن الخامس عشر، وإلى تطورات الجوار منذ الإمبراطورية الهنغارية النمساوية. ثم التطورات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي والترتيبات اللاحقة، ومخاوف روسيا  وتعليلاتها.  مقال انفردت صحيفة "النيويوركر" the new Yorker بنشره كاملا على هامش استجواب أجرته مع الأكاديمي John  Meashemer، وهو أحد الأصوات القليلة في أمريكا التي تقدم حكيا يختلف عن  حكي التيار الغالب mainstream لهذا الصراع. مقال يتساءل المرء إن لم يكن قد تمت قراءته بتأن وروية في  كبريات المحافل الغربية.
بعد تقديم  هذه الصورة  الخلفية، عودة إلى مقال توماس فريدمان، وهو أحد كبار كتاب الافتتاحيات بالنيويورك تايمز، الذي نشره أمس تحت عنوان "في اي صف تقف الصين في هذا الصراع"؟
بعد أن عدد  فريدمان العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضها الغرب على روسيا ونتائجها الكبيرة وغير المسبوقة، والتي هي بمثابة حرب اقتصادية شاملة، يتساءل عن موقف الصين ويطرح إن كانت قضية تايوان كافية لجعل الصين (وتايوان  موضوع نزاع مع الولايات المتحدة) هي قضية تبرر أو تكفي لتبرير موقف الصين الداعم -أو على الأقل غير المنحاز لموجة العقوبات- الذي اتخذته الصين في علاقاتها  مع روسيا… وبعد فقرات يبرز فيها مدى استفادة الصين منذ الثمانينيات الماضية من  انفتاحها على الاقتصاد العالمي ومقتضيات العولمة، وبعد أن ألقى تجاهها نوعا من الإطراء المؤدب، حيث اعتبرها القوة الوحيدة التي بإمكانها اليوم أن تقوم بدور الوسيط في هذا النزاع ذي الأبعاد العالمية، يعود إلى استعمال نغمة تحذير  من  ان على الصين أن تزن آثار  العقوبات المفروضة على روسيا، لأنها قد تتعرض إلى مثلها في حالة تفاقم لأي صراع مغ الغرب بسبب تايوان مثلا، قد يحدث في المستقبل.
وهكذا ينتقل الصحفي فريدمان من التحليل إلى التحذير والتهديد  ملتحقا بالكورال وبالرأي الوحيد.
ويصل الأمر إلى استعمال كلمة غير دبلوماسية بمخاطبة الرئيس الصيني في آخر فقرة بالسيد  Mr Xi.
الغريب أن نفس الصحفي كان  في استجواب مع CNN أول أمس قد أنحى باللاءمة، ولو بشكل محدود، على الغرب حينما لم يقم بما وصفه باستمالة روسيا إلى نطاق القيم الغربية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وأنه عوض ذلك قام بتوسيع نطاق الحلف كاستراتيجية في التعامل مع روسيا.
يبدو كما لو أن صوت الكورال، صوت الماينستريم في الغرب في هذا الموضوع صار المذهب والعقيدة التي لا تقبل المحاججة.